أن تعتمد موسكو على سفارتها في لبنان لتثبيت موقفها المبدئيّ الداعم لسورية للردّ على حملات التشكيك التي طالت العلاقة الروسية السورية خلال أسبوعين ماضيين وأنفقت لحسابها أموال طائلة وتداولتها وسائل إعلام واسعة الانتشار، فذلك لحيويّة الأمر وعلاقته بتوضيح مفهوم جوهريّ في السياسة الروسية من جهة، ولتقدير موسكو لخبرات ومؤهلات سفيرها في بيروت ثانياً، ولمكانة بيروت الإعلامية والدبلوماسية كمنصة دولية مؤثرة ثالثاً.
وجدت موسكو في الحملة الترويجية لخصومها فرصة لتظهير موقفها المبدئي من قضية السيادة الوطنية للدول كعامل حاكم في رسم السياسات الروسية، وكمحور مبدئي غير قابل للتفاوض. وهذا كان جوهر ما تضمنته التعليقات والمواقف الصادرة عن السفير الروسي في بيروت.
روسيا لا ترى أن المعارضة السورية منفتحة على الحلول بعكس ما تراه من إيجابية وجدية لدى الدولة السورية وموسكو لا تجد أن ما تعرضه واشنطن وأنقرة للتفاوض حول سورية قابلاً لمعاملته بجدية، لأنه لا يزال يقوم على قاعدة الانتهاك المتمادي للسيادة السورية سواء بالأعمال أو بالأقوال. هذا هو موقف موسكو الرسمي، وذلك يعني بنظر موسكو المهتمة بتفاوض ذي قيمة مع واشنطن وأنقرة وملحقاتهما من المعارضة لا تزال تعتبر أن منهجية تركيا وأميركا الدبلوماسية تقع في ضفة مختلفة عن الدبلوماسية الروسية لجهة حجم مكانة التمسك باحترام السيادة الوطنية للدول في رسم وتحديد المواقف.
موسكو تحوّل التحدي الذي فرضته الحملة المعادية إلى فرصة لمخاطبة الكثير من دول المنطقة والعالم بتأكيد معنى التحالفات التي تقيمها روسيا قياساً بمفهوم التحالفات المصلحية النفعية القابلة للانقلاب الفوري التي يقيمها الآخرون؛ بينما موسكو تقول إن سيادة الدول، وخصوصاً الحليفة عندما تكون موسكو معنية بالتفاوض، ليست موضوعاً قابلاً للتفاوض.