مقالات وآراء

ما هي الأسباب الحقيقية وراء عدم تفعيل تركيا لـ “أس 400”

} د. هدى رزق

تناقضت التحليلات حول الوضعين الاقتصادي والسياسي في تركيا خلال جائحة كورونا لكنها اجمعت على انّ المكالمة الهاتفية بين الرئيسين التركي رجب أردوغان الأميركي دونالد ترامب في 31 آذار/ مارس، أدت إلى الحكم على ضرورة اعادة تموضع تركيا سياسياً وعسكرياً الى جانب الولايات المتحدة الاميركية لا سيما بعد تأجيل تشغيل «أس 400». خلال المكالمة استفسر الرئيس التركي عما إذا كان بإمكان الاحتياطي الفيدرالي الأميركي توسيع ترتيبات مبادلة العملات لتشمل السلطة النقدية التركية، وأكد محافظ البنك المركزي التركي، مراد أويسال أنّ تركيا تسعى حالياً إلى عدد من اتفاقيات المبادلة للمساعدة في تخفيف الآثار الاقتصادية للفيروس التاجي.

التقرير صادر عن البنك الدولي في 8 نيسان/ أبريل، حول التوقعات الاقتصادية لأوروبا وآسيا الوسطى بعد تفشي الفيروس التاجي، أكد تفاقم الوباء والتوترات الجيوسياسية المستمرة، ورأى انّ «المخاطر كبيرة» على الاقتصاد التركي. وتوقع التقرير حدوث تراجع في عائدات الصادرات والسياحة في تركيا، وزيادة الصعوبات في الحصول على التمويل، وضغوطا في سعر الصرف الجديدة، وعجز في الحساب الجاري المتدهور، بالإضافة إلى ارتفاع التضخم. يتوقع البنك الدولي أن ينمو الاقتصاد التركي بنسبة 0.5٪ فقط في عام 2020، أيّ أقلّ بنسبة 3 نقاط مئوية عن تقديرات ما قبل الوباء، محذراً من أن حدوث نتائج سلبية أكثر هو أمر محتمل أيضاً نظراً لعدم اليقين. في إشارة إلى مدى خطورة مشاكلها المالية، تقول التقارير أن أنقرة اقتربت من الولايات المتحدة ودول مجموعة العشرين الأخرى لإدراجها في اتفاقيات مبادلة العملات حيث تواجه انخفاضاً حاداً في الاحتياطيات الأجنبية تحت التأثير الإضافي للوباء العالمي.

مع وجود تركيا في مثل هذه الظروف العصيبة، فإنّ تنشيط أنظمةأس 400” وإثارة توترات جيوسياسية جديدة مع التحالف الغربي لن يساعد أردوغان في سعيه للحصول على أموال من الغرب. يرى المراقبون انّ مثل هذه الطلبات اي توسيع ترتيبات مبادلة العملات لتشمل السلطة النقدية التركية تعطي واشنطن النفوذ في قضيةأس 400” المسؤولين الأميركيين يمكنهم متابعة إجراءات بناء الثقة مع أنقرة من خلال عرض نشر أنظمة صواريخ باتريوت في تركيا، كما فعلوا في الماضي، في ظلّ التصعيد بين الجيش التركي والقوى الداعمة للنظام في سورية وفي محافظة إدلب بالتحديد، وبذلك يمكن أن تحلّ صواريخ باتريوت محلّ الأجهزة الروسية وتخدم احتياجات تركيا الدفاعية لأنّ الإدارة الأميركية لا تحتاج إلى موافقة الكونغرس على ذلك لأنها ليست صفقة بيع، وفي المقابل، يمكن للولايات المتحدة أن تطلب من تركيا عدم تفعيلأس 400” لمدة عام.وكان الرئيس التركي أردوغان في الفترة السابقة الواقعة بين شهري تموز/ يوليو وآب/ أغسطس من عام 2019 قد أعلن أن أنظمةأس 400” ستعمل في أبريل/ نيسان 2020. لكن مع مرور هذا التاريخ بدأت الاقلام الصحافية وكذلك الخبراء السياسيين والعسكريين بالتساؤل عنأس 400” وعن عدم وجودها في قيادة مطار، لا يوجد ايّ تأكيد عن التراجع عن قرار تفعيلأس 400”، ولكن قيل رسمياً انه بسبب كوفيد 19. سيتمّ تأجيل خطة الاستعداد في نيسان/ أبريل.

المتحدثة باسم وزارة الخارجية مورجان أورتاجوس وفي إشارة إلى الى عدم الرضى الأميركي عن الصفقة قالت بأنهم ما زالوا يشدّدون على أعلى المستويات على أنّ صفقةأس 400” لا زالت موضوع المداولات الجارية بشأن عقوبات  CAATSA، ولا تزال عقبة رئيسية في العلاقات الثنائية التركية الاميركية لكن يبددو انها واثقة من أنّ الرئيس أردوغان وكبار مسؤوليه يفهمون الموقف الأميركي.

على الرغم من أنّ جائحة الفيروس التاجي هي السبب، إلا أنّ القرار سياسي تماماً. فهو يستند إلى انّ الوباء لم يعطل أيّ عمليات عسكرية تركية سواء في الداخل أو في سورية والعراق. ولم يكن لها تأثير من الناحية العسكرية التي تتطلب تأجيل تفعيل الأنظمة.

المشاكل الاقتصادية المتدهورة في تركيا على نطاق واسع هي السبب الرئيسي وراء التأجيل. لا يزال أردوغان يريد إبقاء تركيا كجزء منالغرب الاستراتيجي، وهو ناد يضمّ الدول الأعضاء في الناتو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD). في أعقاب أزمة العملة لعام 2018، يدرك أردوغان أنّ أوروبا والولايات المتحدة وصندوق النقد الدولي فقط هم الذين على استعداد وقادرون على إنقاذ بلاده في حالة حدوث انهيار مالي، بالنظر إلى حجم اقتصادها، لا يمكن لروسيا وإيران توفير الأموال اللازمة للتخفيف من هذه الأزمة، ويبدو أنّ دقّ باب الصين بحاجة الى سياسات مختلفة.

وتجدر الإشارة إلى أنّ أنقرة قد اقتربت بالفعل من الاحتياطي الفيدرالي الأميركي من أجل صفقة مبادلة العملات، ساعية إلى ما يصل إلى 10 مليارات دولار وسط انخفاض العملات الأجنبية، بسبب المخاوف السياسية المحلية، أنقرة متردّدة في التماس المساعدة من صندوق النقد الدولي.

 باختصار، يمكن أن يكون لتفعيلأس 400” تكلفة اقتصادية كبيرة لتركيا على غرار أزمة العملة في صيف 2018،

 لكن هل هناك عوامل أخرى غير العامل الاقتصادي؟ يرى المحللون انّ هذا التأخير يعود الى عدة عوامل أهمّها التوجه الجغرافي الاستراتيجي لأنقرة في سورية في محاولة لتحقيق التوازن بين إيران وروسيا، من المرجح أن يؤدي تنشيط الأنظمة إلى محو التقدير الذي فازت به تركيا مؤخراً في واشنطن، وخاصة في الكونغرس، بأدائها الحربي في إدلب ضدّ الحكومة السورية المدعومة من روسيا وحلفائها. زادت تركيا من تكلفة الحرب على روسيا، والتي بدورها خففت إلى حدّ ما من الاستعداد الطويل الأمد المناهض لتركيا في الكونغرس، حيث يُنظر إلى الصراع السوري من منظور تنافس السلطة. يبدو انّ هناك حاجة إلى البقاء في علاقة تحالف مع واشنطن عبر الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في سورية أصبحت المصالح التركية والأميركية أكثر تطابقاً على الرغم من الاتفاق المعقود بين أردوغان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوائل مارس/ آذار، بعد ان تعمّقت فجوة الثقة بين الجانبين في الخلاف على الطريق السريع M4  في جنوب إدلب.

 تدرك واشنطن تماماً أنه لا يمكن أن يكون لها حليف آخر غير أنقرة مع القدرة على موازنة روسيا ومواجهة الوجود العسكري الموالي لإيران في شمال سورية وحول دير الزور في الشرق. تبدو جائحة كورونا وكأتها هبة من السماء لتجنب أزمة جديدة حول  “أس 400”.

 

لكن لا تبدو روسيا بوتين مرتاحة لهذ االقرار الا ان تعلم انّ تركيا في مأزق من الوجهة الاقتصادية ولن تتفهّم ايّ حجة سياسية او استراتيجية، تركيا ما زالت تحاول الموازنة بين واشنطن وموسكو والصعوبات الدولية تتزايد فيما يذهب البعض الى التأكيد انّ الخيار العقلاني الوحيد لتركيا الآن هو الحفاظ على الوضع الراهن بقدر الإمكان – أيّ عدم تفعيل أنظمة  “أس 400” وعدم التخلص منها.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى