فنّ الدراما الرمضانيّة وشرور تمرير رسائل سياسيّة وفعل التطبيع!
جهاد أيوب
إن أخطر الرسائل السياسية، وشرور أفكار السياسيين تستطيع تمريرها عبر الدراما، وهذا ما تفعله الآن بعض الأنظمة العربية، وكانت قد مرّرته هوليود، ولا تزال تمرّره بثقة من دون أن يكترث إليه المجتمع العربي من خلال احتلال نتاجها السينمائي كل فضائيات العرب، لا بل خصّصت قنوات عربية برصيد مالي مخيف مع الادعاء بالإسلام، خصّصت لنوعية معينة من أفلام هوليود التي تقدّم الشخصية اليهودية، و»إسرائيل» في أرقى وأفضل الحالات، إضافة إلى إشارات اجتماعيّة تقضي مع الأيام على كل موروثنا وأفكارنا وعاداتنا في تصرف الأجيال الشابة، وتصنع لا بل ساهمت في صنع شخصية المتلقي خاصة في المجتمع العربي الذي عاش الانغلاق، وأراد فجأة الانفتاح على حضارة «الهمبرغر» والمأكولات السريعة، حيث اعتقد أن الحضارة بالبطن والجنس!
تناول العديد من كتّاب العرب في نصوصهم الفكرية الكثير عن العائلات اليهودية التي سكنت بلاد العرب، ولكن ذاك لم يدخل لعبة الفنّ إلا من خلال حدوثة تعنى بقضية فلسطين في كتاب، ولم تدخل الجرأة والمغامرة في الانفتاح على العائلة اليهودية بالإيجاب والأرض العربية متخمة بدماء أهل فلسطين ولبنان على يد صهاينة يعيشون تحت عباءة يهودية.
وحاول نظام الرئيس المصري محمد أنور السادات اللعب على هذه الوتيرة من خلال كتاب الزوايا والرأي في الصحافة المصرية، ولكنه لم ينجح في خلق حالة تفاعلية في الشارع المصري، فعاود الكرة من خلال ألسن بعض الفنانين والمثقفين المصريين في حينه لقناعته أن أي الرسائل السياسية والاجتماعية تمرّر بسرعة عبر الفنّ والمشاهير المحبوبين !
{ الانفتاح
الانفتاح على الشخصية اليهودية، وتواجدها في الحارة المصرية بجرأة كانت مصر بعد «كامب ديفيد» قد قدّمتها بخجل في السينما والمسرح وبعض آراء الكتّاب، والممثلين والمغنين الذين يشكون من قلّة الانتشار والإبداع، ولكنها رفضتها في الدراما التلفزيونية لإدراكها ردود فعل المصريين السلبية حينها، ولم تجرؤ تقديم التطبيع. فغالبية الشارع المصري رفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وظل الحال مربكاً حتى بعد اغتيال السادات وتولي الرئيس حسني مبارك الحكم، وقد يكون حكم الإخوان عبر تولي محمد مرسي السلطة أكثر وقاحة في فكرة التطبيع مع الكيان الصهيوني من خلال رسائله الشهيرة التي بعثها إلى حكومة «إسرائيل» يعبّر فيها عن انغماسه بسياستها، ولكنه لم يكترث إلى دور الفنّ والإعلام كي يحقّق هدف التطبيع كغيره ممن حكم مصر!
في لبنان ظلت هذه الخيانة خارج اللعبة الثقافية والفنية، ولكنها أغرقت العديد من السياسيين، والحرب الأهلية عام 1975 كشفت خيانات زعامات معينة بحجة الدفاع عن النفس. وانتشرت بعد عام 2000 فكرة أن العمالة وجهة نظر، وأخذ القضاء اللبناني يخفف من عقوبات العملاء ومن يخون الوطن لصالح الكيان الصهيوني. وهذا فتح شهية من لديه رغبة الشهرة في الغرب من كتاب ومخرجين ومغنين لبنانيين للانخراط بفعل التطبيع مع مَن يقتل أهله ويحتل أرضه، ولكن ذلك لم يدخل لعبة الدراما التلفزيونية!
الانفتاح على التطبيع وعلى الشخصية اليهودية كان واضحاً عام 2015 من خلال رسم خط درامي أساسي وفاعل ومفتعل في أكثر من عمل تلفزيوني حقق شهرة واسعة!
جاء هذا بعد سيطرة الإنتاج العربي على الدراما وبالأخص المنتج السعودي وفضائيات «MBC «، وهي فضائيات تتابعها غالبية عرب الاغتراب في بلاد الغرب، وتطلق على نفسها «قناة كل العرب» رغم أنها تعنى فقط بالسياسة السعودية وتوجّهاتها. سيطر هذا الإنتاج المذكور على غالبية الدراما العربية وبالأخصّ المصري والسوري منها، وأقحمت إيجابيات العائلة اليهودية مثلاً في «باب الحارة 7» – الأكثر شعبية وانتشاراً في السنوات العشر الأخيرة – و»طالع الفضة»، وأكثر من عمل مصري مثل «الحي اليهودي»!.
في حينه لم يكن هذا الانفتاح مجرد حدوتة أو صدفة عابرة، ونحن لا نؤمن بالصدف، ولم يكن هذا الحال بريئاً!
وشهد هذا العام العديد من الأعمال الدرامية التي أقحمت فيها الشخصية اليهودية، ومنها مسلسل «إم هارون» حيث أحدث جدليّة كبيرة قبل مشاهدته، وحكم عليه سياسياً دون البعد الفنّي مع أن العديد من مشاهده اعتبرت فلسطين للفلسطينيين ولا يحق لليهود فيها، ولكن الجدلية تكمن في سهولة تقديم العائلة اليهودية لكونها كويتية وتعاني كل هذا الحرمان في هذا الوقت تحديداً!
وأيضاً الجدلية جاءت في مسلسل «مَخرج 7» للممثل ناصر القصبي الذي تعود في السنوات الثلاث الأخيرة على اقتحام الطرح السياسي كما شهية النظام السعودي، فناقش الوجود «الإسرائيلي» خارج نطاق احتلاله لفلسطين بسذاجة وببساطة دون الاكتراث إلى قضية عميقة في الوجدان الإنساني، ودون الاكتراث للدماء العربية والإسلامية التي هدرت بسبب إجرام «إسرائيل» لتكون النتيجة أن العداء لكل ما صنعته «إسرائيل» من إجرام مجرد وجهة نظر!
بالطبع هذا هو المقبل علينا في كثير من روافد الفنّ بعد أن غَيب المنتج المسيّس الثقافة والمثقف، وفرض علينا عدم معرفة الوجع المشترك في الجسم الفكري الفني العربي. يعني نحن مقبلون على هزيمة ممارسة ومتمترسة تزيد من تقوقعنا وانغماسنا بالانحطاط وضيق الافق، وبأن الخيانة وجهة نظر، ولا محرمات في الفنّ، بل الانفتاح السياسي بعيوبه هو صوت الاعتدال، ولم يعد هنالك فرق بين العدو والصديق في مجتمعنا ما دامت المصلحة السياسية الضيّقة والشخصية هي أساس الملك والأساس في الدراما!
باختصار أصبح التطرّق إلى الحقيقة عقداً نفسية، وقلة حضارة، والمعتدي والمحتل لأرض غيره صداقة، لا بل هو تطور فكري وانفتاح إنساني حضاري يواكب العصر…
هذا ما يُراد تمريره جراء مستنقع السياسة العربية المقبلة من خلال الدراما التلفزيونية الرمضانية وصولاً إلى التطبيع الكلي مع الكيان الصهيوني!