سُوالف أم الزوالف… كي لا ننسى هويّتنا
يوسف الخضر*
في زمن بات فيه الموت مألوفاً، والمأساة عادة يوميّة، وصوت الرصاص يعلو ولا يُعلَى عليه، في زمن الحرب التي اقتلعت كل شيء، الشجر والبشر والحجر والبيوت والحضارة وكل أشكال الحياة، وبينما تدقّ الحرب كل يومٍ مسماراً في نعش سورية، يكافح شبابها في الداخل والخارج، ليدق كلّ منهم مسماراً في سفينة الوطن الممزّق، كي تتماسك السفينة، لكي ننجو من الطوفان.
وفي هذا السبيل غيّرت ماري ملحم تخصّصها من الهندسة الزراعيّة الى الإعلام بعد أن هجّرتها الحرب مع عائلتها إلى تركيا، حيث التحقت بدورات تدريبية عدة بالإضافة إلى عملها في منصات اعلامية عدة إلى أن أطلقت مع زملاء لها، برنامجاً من نوع خاص بعنوان «سوالف أم الزوالف» وهو برنامج تفاعلي يتم بثه صوتياً عبر أثير إذاعة محلية تحمل اسم «محطة شوفي مافي» ومصوراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي لا سيما «فيسبوك» و»يوتيوب».
يحاكي البرنامج قصصاً وأخباراً من مدن شرق الفرات وعلى وجه الخصوص مسقط رأس مقدمة البرنامج «مدينة الرقة».
تقول ملحم عن تجربتها خلال حديثها لـ»البناء» أن فكرة البرنامج جاءت لأسباب عدة ومن أهمها إحياء التراث الفراتي بشكل ممتع «ومهضوم»، على حد تعبيرها.
وتضيف: نحاول أن نكون بعيدين عن النمطيّة وهدفنا الأساسي هو العودة بالذاكرة إلى الأيام الجميلة، إلى ما قبل الحرب والدمار اللذين شهدتهما المنطقة. وهي محاولة منّا للحافظ على هويتنا ووجودنا عبر نشر ثقافة شعبنا وفنونه وعاداته وتقاليده.
وعن سبب تسمية البرنامج «سوالف ام الزوالف» قالت إن مفردة «سوالف» تعني فعل التحدّث و»الزوالف» هي مفردة ذات معانٍ عديدة في اللغة العربية وثقافة المنطقة. ومنها خصل الشعر المتدلية من أمام الأذن والتي تعتبر تسريحة شائعة لدى نساء الرقة قديماً. وأم الزلف أحد أسماء الملكة عشتار. وأبو الزلف هو نوع من أنواع الأهازيج الفولكلورية في مدن شرق الفرات.
ويجدر الذكر هنا أن البرنامج يتمثّل بشخصية ماري ملحم (مقدّمة البرنامج) إلى جانب كاريكتير مبتكر باسم «حمد» والذي يعكس زيّه الفولكلوري «العباءة والعقال» شكل الزيّ الرسمي للرجال في المنطقة الشرقية في سورية قديماً. والذي تقوم بأداء دوره ماري نفسها. واللافت في الأمر أن ماري وزملاءها يصرون على تقديم البرنامج باللهجة المحكيّة الدارجة لمدينة الرقة، مما يُعطيه طابعاً خاصاً ويميّزه عن سواه من البرامج الاجتماعية.
وقد افتتحت ملحم أولى حلقات برنامجها بحلقة للتوعية من مخاطر فيروس «كورونا «بطريقة مبتكرة وممتعة، حيث ربطت (مجازياً) بين جائحة كورونا والعواصف الغبارية التي تعصف بالمدينة في أوقات متفرقة من العام، نظراً لطبيعة المنطقة شبه الصحراوية. وشرحت على لسان شخصية «حمد» كيف كانت العائلات في الرقة تحجر نفسها في المنازل إلى حين انجلاء عاصفة الغبار، حيث تجتمع العائلة وتتنوّع الأنشطة المنزلية بين التسامر واحتساء الشاي وبين ممارسة أنشطة مفيدة كالمطالعة أو سماع قصص فولكلورية من الجدات.
واختتمت الحلقة بنصائح منظمة الصحة العالمية في ما يخصّ الوقاية من الإصابة بالعدوى أو نقلها للآخرين.
وفي حلقة أخرى تحدّث البرنامج عن العادات الرمضانية لمجتمع شرق الفرات. بدءًا من التحضيرات للشهر الفضيل، حيث تسعى الأمهات إلى تجهيز «المونة» كالجبن والكشك وقمر الدين. وصولاً إلى السهرات الرمضانية أو كما يسميها أهل الرقة «التعاليل» وتبادل الأطعمة «الطُعمة» بين الجيران وانتهاءً بطقوسهم الخاصة في استقبال فرحة العيد.
وتجدر الإشارة هنا إلى أن محطة «شوفي مافي» التي تبثّ البرنامج عبر أثيرها وعبر صفحاتها على وسائل التواصل الاجتماعي، تعرّف عن نفسها على أنها محطة محايدة تدعم الشباب السوريين بمختلف أطيافهم وأجناسهم بعيداً عن السياسة ومفهوم التفرقة.
وفي هذا الشأن تقول ملحم إنها وإلى جانب الفريق الذي تعمل معه سيواظبون على توسيع وتطوير فكرة البرنامج بما يتناسب مع المعايير المهنية والحفاظ على رسالة البرنامج الأساسية التي تتمثل بتسليط الضوء على ثقافة المجتمع وحضارته في مدن شرق الفرات السورية.
*روائي وشاعر سوري.