سورية في الفلك السياسي… نظام صلب ومعارضات متصدِّعة وإرهاب مجنون

د. وفيق ابراهيم

تستقبل سورية عاماً جديداً على دويّ المدافع والقنابل، يُضاف إلى أعوامٍ ثلاثة عجافٍ شهدت قتل البشر وتصدّع الحجر. لكنّ المعطيات اليوم تبدّلت كثيراً، وأثبت النظام السياسي السوري صلابته وتمسُّكه بقيمه وسيادته وإيمانه بجيش لا يستكين في محاربة الأعداء، ويبذل الغالي والرخيص ذوداً عن حياض الأمّة.

وفي المقابل، هناك معارضات سورية وهمية، كما وصفها الرئيس الأميركي باراك أوباما في حركة يأس منها، تنتشر في فنادق تركيا وفنادق دول خليجية وأوروبية، وهي تحظى برعاية إعلامية وسياسية وبتمويل من كلّ المصادر، فتبدو كأبواقٍ قابلة للاستنفاد حين لا يُجدّد عرّابوها في الغرب والخليج وتركيا بطارياتها الشاحنة.

ولا ننسى دور الإرهاب التكفيري الذي استفاد من الخدمات العثمانية والسعودية والقطرية فنشر «جهاديات نفاق» طاعونية في سورية مستغلاً تهجير السوريين وفقرهم، للتسلل إلى القرى والمدن والدساكر مؤسِّساً إمارة مزعومة تهدف إلى إبادة كلّ ما يرمز إلى الحضارة.

لقد دعم بعض الغرب والعرب والترك هذا التيار الإرهابي لأنه الوحيد الذي نجح من طريق نشر مزاعم دينية، في إنجاز أكبر حركة تدمير لحقت ببلد منذ الحرب العالمية الثانية، وسط إطراء غربي وصل إلى حدّ وصف التكفيريين بـ«المعارضة المعتدلة». ولم يبدأ الغرب بانتقاد التكفيريين إلا بعد ظهور عمليات لهم في مملكة الذهب الرنّان وأصحابها آل سعود وفي الأردن وبعض أنحاء أوروبا وآسيا وأستراليا.

إنّ الطرف الوحيد الذي ازداد قوة على الرغم من كلّ عمليات الاستنزاف التي تعرّض لها هو النظام السوري، ورغم أنّ موراد الدولة السورية تراجعت وازدادت نفقاتها ودُمِّرت مواقعها النفطية والغازية وسُرقت، لا يزال الجيش السوري يبلي بلاء حسناً مستردّاً مناطق استراتيجية في حلب والغوطتين والحسكة من أيدي التكفيريين، مدافعاً عن مؤسسات الدولة وعن الشعب السوري، فكان قتالاً باهراً للجيش الذي بناه الرئيس حافظ الأسد بالعرق والجهد والصبر والتضحيات.

تدخل سورية إذاً العام الرابع للحرب الكونية عليها بمعطيات إيجابية، وفق المعادلة التالية: نظام يزداد قوة بشعبه وجيشه وتحالفاته، بدليل العودة التدريجية لعلاقاته الديبلوماسية مع أكثر من بلد وارتفاع أصوات إعلامية في أميركا وأوروبا تهاجم السياسة الأميركية في سورية وتدعو إلى تغييرها.

ففي تقرير بعنوان «إعادة تقويم ديناميات الحرب منذ بدء النزاع في سورية»، يقول الباحث نير روزت من «مركز الحوار الإنساني» في جنيف، إنّ المعارضة أصبحت شديدة التطرف مقابل نظام سوري غير طائفي بطبيعته، وليس الأسوأ في المنطقة، كما تزعم السياسة الأميركية.

ويشير روزن، الباحث التابع لمنظمة تتولى التوسُّط في النزاعات ومركزها جنيف، إلى أنّ الدولة السورية وفرت أنظمة تعليم ورعاية صحية واجتماعية وبنى تحتية صلبة وجهازاً مدنياً مقبولاً أفضل من معظم الدول العربية، معتبراً أنّ النظام علماني وفيه من كلّ الطوائف.

أما المعارضات «الفانتازية» فتتوسل تدخلاً غربياً وتركياً، وحتى «إسرائيلياً»، لتغيير توازنات القوى في الداخل السوري. فمتى كانت المعارضات مشاريع لتأمين متطلبات الاستعمار في اقتحام الدول؟ وكيف تصل إلى حدود توجيه اللوم لأميركا لأنها لم تحتل سورية، كما فعلت في العراق وأفغانستان؟

إنّ الطرف الوحيد الذي استفاد من ضَعف هذه المعارضات الهزلية هو الإرهاب التكفيري الذي اختبأ خلفها مرتدياً لبوسها حتى ازداد تمكناً، فكشف عن أنيابه وأوبئته مستبيحاً الأعراض ومدمِّراً الحجر والبشر والحدود السياسية، مُفسحاً المجال لدخول «إسرائيل» على خط الأزمة الداخلية في سورية.

هذه هي المعطيات الأساسية في دمشق، من دون نسيان صلابة الدولة السورية ونجاحها في تأمين الحاجات العسكرية والسيادة الوطنية والمتطلبات الاقتصادية والخدماتية للناس وعلاقتها بشبكة تحالفات لا تنفكّ تزداد.

هناك همس في الولايات المتحدة الأميركية عن احتمال حدوث تنسيق بين الجيشين السوري والعراقي لتسديد ضربة قاتلة للإرهابيين في محافظة دير الزور السورية وبذلك يضعف «داعش» وتضعف «النصرة» وغيرهما من التنظيمات الإرهابية في محافظات الأنبار والموصل والرقة.

وبالعودة إلى المبادرة الروسية التي تطرح مشاريع حلول للأزمة السورية، هناك حقائق مستجدّة وثابتة، لا يمكن التفاوض إلا باحترام مواصفاتها وهي:

ـ جنيف واحد واثنان اللذان أصبحا من التاريخ المنسي، ومن يتمسك بهما شبيه بمن يقاتل بسيف من «تنك».

ـ الجيش السوري وهو صاحب الكلمة الفيصل في الميدان، وموازين القوى هي الشاهدة.

ـ على المعارضة التي تنخرط في حوار موسكو، أن تعلن موقفاً واضحاً من الإرهاب بمسمَّياته الحصرية والعامة.

ـ تشكيل حكومة لمجابهة الإرهاب عسكرياً وإعادة إعمار سورية.

ـ الرئيس بشار الأسد رئيس دستوري له ولاية كاملة بصلاحيات كاملة مع حقه في إعادة الترشح عند انقضاء مدتها.

ـ الاعتراف بسورية دولة مدنية لكلّ أبنائها السوريين بمختلف انتماءاتهم الطائفية والمذهبية والعرفية.

ـ تأسيس مجلس وطني سوري لمكافحة الإرهاب الديني بكلّ أشكاله.

أليس هذا هو الحلّ الذي يُنتج دولة ديمقراطية مدنية، قابلة للتطور واستعادة دورها التاريخي؟

مع ميل المراقبين والباحثين إلى التشاؤم من حوار موسكو الذي ينطلق أواخر الشهر المقبل، تبقى الكلمة لأبطال الجيش السوري الذين يواصلون تحرير الأرض من فساد التاريخ وعفن القراءات المجنونة.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى