في ذكرى النكبة.. فلسطين باتت أقرب إلينا والكيان الصهيوني أكثر قلقاً على مستقبل وجوده
} حسن حردان
تحلّ ذكرى نكبة فلسطين وتشريد شعبها عام 1978 في ظلّ محاولات متسارعة من قبل الكيان الصهيوني الاستعماري العنصري وإدارة العدوان في واشنطن، بالتعاون مع الأنظمة والقوى الرجعية العربية، لتمرير مشروع تصفية قضية فلسطين، وتطويب فلسطين للصهاينة، وتسويق روايتهم التاريخية المفبركة عن حقيقة الصراع، والتي تزعم أنّ فلسطين ليست للفلسطينيين، إلى ما هنالك من تزييف لما ورد في التوراة الذي يكذّب ادّعاءات الصهاينة بأنّ الله وعد اليهود بأرض فلسطين، ويؤكد أنّ اسم الفلسطينيين مذكور في الكتاب المقدس وأنهم أصحاب الأرض وسكان فلسطين الأصليين وأنّ وجودهم متجذر فيها.
إنّ الهدف الأساسي من محاولات تزوير التاريخ في هذه المرحلة بالذات هو تحقيق أمرين أساسيين:
الأول، تكريس وتشريع سرقة أرض فلسطين واستعمارها من قبل العصابات الصهيونية من ناحية، وإشاعة مناخات الإحباط واليأس والتسليم بالأمر الواقع الصهيوني في فلسطين واستحالة تغييره، من ناحية ثانية، بهدف تمرير مشروع تصفية القضية الفلسطينية والذي يتجسّد اليوم في مشروع خطة القرن الأميركية الصهيونية.
أما الأمر الثاني فهو إضعاف ثقافة المقاومة لدى المواطن العربي في فلسطين وفي عموم العالم العربي، والقول له إنه لم تعد هناك جدوى من الرهان على المقاومة المسلحة لتحرير فلسطين.
من أجل تحقيق هذين الهدفين تشنّ واشنطن والعدو الصهيوني حرباً شرسة غير مباشرة متعدّدة الأشكال ضد قوى المقاومة، تستخدم فيها أدوات الحرب الناعمة وأسلحتها، إعلامياً واقتصادياً وثقافيا وأمنياً، بهدف محاصرتها وإضعاف قدراتها المالية والنيل من التأييد الشعبي لها، لا سيما في بيئتها الشعبية المباشرة، ومحاولة تشويه صورتها الناصعة عبر وصمها بالإرهاب، ودفع دول العالم إلى حظر أي نشاط لحركات المقاومة، على غرار القرار الذي اتخذته الحكومة الألمانية مؤخراً ضد حزب الله كحركة مقاومة وطنية، وذلك استجابة للأمر الأميركي الصهيوني.
يبدو أنّ هذا التركيز على الحرب الناعمة ضدّ قوى المقاومة في المنطقة، لا يعود إلى كون كيان العدو الصهيوني يشعر بالأمان والاستقرار، بل على العكس، لأنه بات في حالة من القلق على مستقبل وجوده ومشروعه الاستعماري في فلسطين رغم مرور 72 عاماً على النكبة.
إنّ أيّ مدقق في المشهد الراهن في فلسطين والمنطقة يلحظ أنّ المشروع الأميركي الصهيوني في حالة تراجع أمام قوى المقاومة المتنامية في المنطقة وذلك نتيجة العوامل التالية:
1– الهزائم التي مُنيت بها أميركا في العراق وأفغانستان وبالتالي فشلها في تحقيق أهدافها الاستعمارية في السيطرة على منابع النفط واحتياطاته وطرق إمدادها من جهة، وفشلها في تحويل العراق إلى قاعدة أميركية صهيونية لحصار كلّ من إيران وسورية لتقويض استقرارهما وإسقاط نظامي الحكم فيهما، من ناحية ثانية.
2– الانتصارات التي حققتها المقاومة في لبنان على جيش العدو الصهيوني بإجباره على الانسحاب من لبنان من دون قيد أو شرط عام 2000 وإلحاق الهزيمة القاسية بهذا الجيش عام 2006، وكذلك الانتصارات التي حققتها المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة على جيش الاحتلال بتحرير القطاع من دون قيد أو شرط عام 2005، وإحباط أهداف العدوان الصهيوني المتكرّر عليه في أعوام 2008 – 2009 و2012 و2014 الأعوام اللاحقة.
3– الانتصارات التي حققتها سورية مع حلفائها في محور المقاومة، بدعم من روسيا، في الحرب الإرهابية الكونية التي شنتها الولايات المتحدة منذ عام 2011 والتي تدنو من نهايتها بتحقيق النصر النهائي على جيوش الإرهاب والدول والجيوش الأجنبية الداعمة لها.
4– الفشل الأميركي في إخضاع الجمهورية الإسلامية الإيرانية عبر تشديد الحصار الاقتصادي والمالي عليها، ونجاح إيران في تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليص اعتمادها على النفط في موازنتها إلى ما يقارب الصفر، وأخيراً نجاحها في تطوير قدراتها العسكرية والعلمية بوضع قمر صناعي عسكري في الفضاء، ما شكل تحولاً هاماً في معادلات القوة لمصلحة محور المقاومة في المنطقة في مواجهة العدوانية الأميركية الصهيونية.
5– فشل الحرب الأميركية السعودية في القضاء على المقاومة في اليمن والفشل في إعادة اليمن إلى حضن التبعية لكلّ من واشنطن والرياض، وقد تحوَّل اليمن إلى رمال متحركة تستنزف القدرات المالية السعودية والتي أدت، مع تداعيات حرب فيروس كورونا وانهيار أسعار النفط، إلى فقدان السعودية معظم مداخيلها المالية كما تسبّبت بعجز مالي كبير وغير مسبوق في الموازنة السعودية، ما يجعلها غير قادرة على الاستمرار في الإنفاق على هذه الحرب الباهظة التكاليف إلا عبر الاستدانة، وهذا الأمر يصبُّ في مصلحة المقاومة اليمنية الداعمة لقضية فلسطين ويشكل ضربة موجعة لمشاريع واشنطن وكيان العدو وخططهما.
هذه التحولات تعني أنّ جبهة المقاومة في المنطقة، ضدّ الكيان الصهيوني، تتعاظم وتتسع، فيما يتراجع النفوذ الاستعماري الأميركي والأنظمة الرجعية التي تشكل ركيزة أساسية له ولكيان العدو الصهيوني الذي يستمد قوته من قوة الولايات المتحدة والأنظمة العربية الرجعية المتواطئة معه ضدّ فلسطين.
انطلاقاً مما تقدّم، فإنّ الكيان الصهيوني اليوم في أسوأ حالاته، فهو يواجه قوى مقاومة نجحت في إلحاق الهزيمة بجيشه مرات عديدة وفرضت معادلات الردع في الصراع معه، وجبهة مقاومة تزداد قوة واتساعاً وتدعم بقوة المقاومة في فلسطين وتشكل بيئة استراتيجية جديدة حول فلسطين تحاصر كيان العدو الصهيوني لأول مرة منذ عام ١٩٤٨، أي منذ النكبة.
كما أنّ تراجع الهيمنة الأميركية في المنطقة والعالم ونشوء موازين قوى دولية جديدة لا يصبّان في مصلحة دعم المشروع الصهيوني الاستعماري، وأقله تدعم تطبيق القرارات الدولية.
وبالتالي، وبعد ٧٢ عاماً على النكبة، يمكن القول إنّ فلسطين باتت أقرب إلينا. ففي ظلّ تنامي قوة قوى المقاومة واتساع جبهتها، وفي ظلّ التحولات المذكورة آنفاً في موازين القوى الدولية، أصبح الكيان الصهيوني الاستعماري الاستيطاني أكثر قلقاً على مستقبل وجوده، ويعاني من مأزق تكتيكي واستراتيجي، الأمر الذي يعني أنّ تحقيق هدف تحرير فلسطين ليس حلماً رومانسياً كما يدّعي المهرولون ويزعمون لتبرير إقامة العلاقات مع العدو الصهيوني تحت شعار «الواقعية»، وإنما هو أمل واقعي مستمدّ من وجود قوى وجبهة للمقاومة على رأسها قيادة تتمتع بالإرادة والشجاعة والصلابة، وتملك مشروعاً للتحرير يرفض المساومة والتفريط بالحقوق. قيادة مُجرَّبة أثبتت مصداقيتها وحازت على المشروعية الثورية والشعبية.
لذلك، فإنّ المهمة الأساسية لكلّ الوطنيين والتقدميين والأحرار العرب، الذين يعتبرون فلسطين قضيتهم الأولى، إنما هي مهمة دعم قوى المقاومة والالتفاف حولها وخوض كل أشكال النضال التي تعزّز ثقافتها، وبالتالي يجب الردّ على ثقافة الاستسلام بدعم المقاومة المسلحة التي أثبتت في لبنان كما غزة أنها قادرة على تحقيق النصر على العدو، وأنّ بإمكانها أيضاً تحرير فلسطين، كما حرّرت المقاومة الجزائرية الجزائر من المستعمر الفرنسي بعد ١٣٠ عاماً على احتلاله.