فيروس لا مرئيّ.. تجديد أجمل لحياتنا
} غدير حمية
فيروس صغير غيّر معالم الحياة.. قلب موازين الناس رأساً على عقب.. هدّد حياةً وبدّل شخصيات وأفكاراً.. فيروس صغير غيّر خريطة الأحداث.. وكان كفيلاً بزعزعة نظام بشري متكامل على الصعد كافة اجتماعياً اقتصادياً ثقافياً سياسياً ودينياً.. أسئلة كثيرة دارت حوله وحاولت فهم خفاياه، ومَن يقف وراءه، وما السبب في تفشّيه بهذه السرعة الهائلة..
كورونا نشر الهلع والخوف في العالم أجمع.. أوقف اقتصادات البلدان وحركات الطيران والملاحة.. تسبب بعزل العالم وإجبار الناس على السجن الجبريّ في منازلهم وانهيار البورصات وتحقيق خسائر بشرية ومادية فادحة.. يا لهذا الفيروس الذي هدّد الوجود البشري بكامله على البسيطة..
ولكن في زاوية من زوايا الأرض، لا يزال الناس يمارسون حياتهم بشكل طبيعي.. يفتحون صباحاً دكاكينهم بانتظار الزبائن.. تصدح فيروز برفقة فنجان القهوة، ويؤرق صوتها ديكُ الجيران معلناً بداية نهار جديد.. هنا حيث الطبيعة هي وحدها من يحق له الكلام لا وجود لكورونا.. هذا الفيروس يخجل التوغل في هذه الأرض لروعتها وبساطة ساكنيها وطيب العيش فيها ورغد المكان..
الحياة في الخارج متوقفة.. ما الحلّ؟ كيف سنتعايش مع كورونا.. الحذر مطلوب بالتأكيد.. لكننا لن نفزع.. سنشعل شموع الأمل للعالم كله.. سنقول لهم عودوا إلى الحياة الطبيعية.. افتحوا شبابيك منازلكم ليدخلها الأمل.. فكورونا لن يبقى.. سيرحل قريباً.. هنا في هذه البقعة من الأرض وجد الناس الحلول السريعة لروتين كورونا وسجنه الجبري.. عقدوا السهرات الليلية وأضرموا النار.. قرروا منح حياتهم طعماً اجتماعياً جديداً بعد أن كادت العولمة بكل أساليبها وأدواتها أن تلغيه.. تركوا هواتفهم النقالة جانباً وبدأوا يتبادلون أطراف الأحاديث ويتسامرون حتى طلوع الفجر..
كورونا ليس خبيثاً على الحدّ الذي تتخايلونه… كورونا أعاد جمع شمل العائلات.. قرّب المسافات.. أطفأ اللهيب في قلب امرأة عجوز كانت خائفة من أن يأخذها الموت قبل عودة ابنها من الخارج.. أعاد الضحكة إلى ثغر طفل كاد يصدق أن أباه لن يشتري يوماً له لعبة.. حثّ الزوج على العودة إلى قلب زوجته ليجدها تشتاق حضنه.. أصلح بين صديقين أخذتهما الحياة وصدّقا أكاذيبها حتى كادت أن تفتك بعلاقة نسجتها الطفولة.. كورونا فيروس لا يقلق.. إنه يصوّب الدنيا ويصلح الأنفس ويعيد ترتيب الأشياء..
يا لهذا الفيروس الجميل الذي سلب كل أهمية وقدر لمواقع التواصل الاجتماعي.. الهاتف برمّته لم يعُد له أهمية.. هذه المواقع ألغت صفة التواصل بين الناس، لكن كورونا أعاد إحياءها..
كيف واجهنا كورونا هنا؟؟ الأدوات متواضعة جداً والأساليب بسيطة.. طاولة وأربع كراسي، وضعنا خارجها هموم الدنيا بكاملها ووزعنا الأوراق بالتساوي بيننا وبدأنا اللعب.. نتهاتف يومياً.. نتفق على مكان السهرة.. نحضر الشاي والنرجيلة ونستمرّ باللعب.. «قص الكبة» يأكل.. قلب أحمر دافئ يأكل كل ما يحيط بنا من خوف وملل وروتين وفقر ومرض وعجز.. ويهبنا فقط الضحكة..
كيف واجهنا كورونا؟؟ حضرنا القهوة بريحة الهال.. عقدنا الجلسات الطويلة وجمعتنا خطوط الفنجان.. وكل ذلك على بياض.. لأن أملاًً قادماً سيأتي لا محال.. وسمكة تلوّح بذيلها وتبشر بالرزق.. ورقم 7 أعلى الفنجان ينذر بنصر قريب.. وحصان وفارس للعزباء.. ورشّة عملة للفقير.. وغطاء أبيض صغير للمتزوّجة.. وإمضاء آخر الصفحة للعاطل عن العمل.. يا لهذه القهوة وما فيها من أخبار وحكايا تنير درب مَن توغّل اليأس في أحشائه.. كل ذلك ليس تبصيراً ولا علماً بالمستقبل، إنما رشة أمل في حضرة كورونا، علّ الآتي يكون جميلاً..
حلقات الدبكة والعتابا زينة سهرات الزمن الكوروني في منطقتنا.. أتعرفون كيف نتغلب هنا على رهاب المرض والخوف؟؟ نحن نلجأ إلى الرقص والغناء، فمختلف أنواع الفنون تشكل بالنسبة لنا غذاءً للنفس والروح.. هي كفيلة بإزالة ما تبقى من رواسب حياتية بشعة عن كاهل عقولنا وقلوبنا.. مع قالب من الحلوى، حضرته أيادٍ طالما زرعت أملاً وحصدت حياة..
كورونا جميل في هذه البلاد.. في بلاد الطمأنينة.. لما لا ننتقل جميعاً للعيش فيها؟؟ لما أخذنا الخوف والرعب من كل ما يحيط بنا من جمال منحنا الله إياه.. دعونا جميعاً نرتدِ الكمامات ونزين أيدينا. فالكفوف الطبية.. نحذر طبعاً ونحدّد المسافات بيننا.. ونمارس حياتنا بشكل طبيعي كما لو أننا في بلاد الطمأنينة..