الوطن

واشنطن و«داعش» والتحدّيات الاستراتيجية… عودة الإرهاب

} أمجد إسماعيل الآغا

انطلاقاً من جوهر الاستراتيجية الأميركية حيال الشرق الأوسط، يبدو أنّ المنطقة مُقبلة على صراع جديد عنوانه عودة «داعش»، وبعبارة أوضح، يبدو أنّ ورقة الجماعات الإرهابية ستعود لتدخل في البازار السياسي والعسكري، وفق مُعطيين:

المُعطى الأولالعراق: حقيقة الأمر هناك تساؤلات جمة تتمحور حول عودة «داعش» إلى العراق، وتحديداً في هذا التوقيت، فضلاً عن تكثيف الهجمات ضدّ الحشد الشعبي؛ يأتي ذلك تزامناً مع الجهود السياسية العراقية الباحثة عن سُبلٍ للتوصل إلى تشكيل الحكومة العراقية.

في هذا الإطار، يُمكننا أن نُسلط الضوء على العمليات الإرهابية التي تحدث قبيل أي استحقاق سياسي في العراق، ما يعني أنّ هناك ارتباطاً واضحاً ووثيقاً، بين خطوات العمل السياسي في العراق سواء تشكيل حكومي أو برلماني جديد، وبين عودة الإرهاب.

بموضوعية، لا نُجافي الحقيقة إن قلنا إنّ هناك جهات إقليمية ودولية تستخدم الإرهاب كورقة ضغط تدخل في سياق القرار السياسي، فـقضية تسلل أيادي القوى الأجنبية، وعلى رأسها أميركا، إلى المناصب الحكومية ليست غامضة على أحد، بل الجميع يُقرّ بذلك، كما أنّ عملية إرضاء هذه الجهات السياسية على اختلاف ولاءاتها، من كبرى المشاكل التي يواجهها كلّ رئيس وزراء مُكلّف قبل تقديم وزارته للبرلمان.

هناك أيضاً سبب رئيسي في تزايد نشاط الإرهابيين في الوقت الراهن، لجهة التأثير في سياق القرار السياسي، حيث أنّ البرلمان العراقي صوّت على إخراج القوات الأجنبية من البلاد، ومن الطبيعي أنّ هذا القرار الذي اتخذه البرلمان بعد استشهاد القائدين قاسم سليماني وأبو مهدي المهندس ورفاقهما، لم يرق لواشنطن، لذلك فإنّ إدارة ترامب تبذل ما في وسعها لعرقلة تنفيذ هذا القرار.

 ما سبق في المُعطى الأول، يقودنا إلى نتيجة مُفادها أنّ القوات الأميركية تسعى جاهدة للبقاء في العراق، واستخدام «داعش» لتحقيق هذا الهدف، ما يعني في المقابل، عودة المشهد في العراق إلى حالة من عدم الاستقرار والتشظي على المستويات السياسية والعسكرية والأمنية.

المُعطى الثانيسورية: لا يُنكر أحد من المتابعين للتطورات السورية، أنّ الدولة السورية تمكّنت، وعبر خطوات سياسية وعسكرية متسارعة، من تقويض الخطط الأميركية في كثير من المسارات، ولعلّ مسرحية محاربة «داعش» بالذرع العسكري لـ واشنطن «قسد»، قد كُشفت فصولها وباتت واضحة للجميع، فبؤر «داعش» تنشط انطلاقاً من أماكن تواجد القوات الأميركية، إذ من الواضح أنّ حراك «داعش» في سورية ينطلق من شرق الفرات، عبر جيوب مبعثرة ومنتشرة لا يُسمح لأحد الاقتراب منها.

في جانب آخر، لوحظ مؤخراً حركة الفرار الواسعة من سجون «قسد»، التي يقبع بداخلها قادة وعناصر «داعش»، فضلاً عن قيام مروحيات أميركية بنقل هؤلاء إلى وجهات مجهولة في عمق البادية السورية، ما يعني صراحة أنّ حالة الاستثمار بالعناصر الإرهابية عادت إلى الواجهة من جديد.

ما بين المعطى الأول والثاني، من الواضح أن أهداف واشنطن في سورية، تختلف في المضمون عن أهدافها في العراق، نتيجة لذلك يُمكننا استنتاج أمرين:

الأول: تسعى واشنطن من خلال هندسة مشهد الإرهاب في سورية، إلى منع الدولة السورية من توسيع نطاق سيطرتها في شمال شرق سورية، فضلاً عن المحاولات التي تسعى من خلالها واشنطن، إلى الإبقاء على عوامل الضغط الميداني تُجاه روسيا، ومحاولة عرقلة جُملة الاتفاقات التي حصلت مؤخراً بين دمشق وكردها، وفي هدف أبعد من ذلك، تسعى واشنطن إلى منع الدولة السورية من الاستفادة من الثروات النفطية، بما يؤسّس لجملة من الضغوط الاقتصادية على الدولة السورية، يمنعها من تأسيس واقع اقتصادي إيجابي، الأمر الذي يُمكن ترجمته عبر حالة من السخط الشعبي ضدّ الدولة السورية. وفي جُزئية جغرافية، تحاول واشنطن كسر الجغرافيا السورية العراقية، لمنع لتشبيك بين دمشق وبغداد وضمناً إيران.

الثاني: تسعى واشنطن إلى ضرب بنية المقاومة في العراق، الأمر الذي ستكون له منعكساته على عموم محور المقاومة، وفي جانب آخر فإنّ تعزيز القوات الأميركية في العراق ورفدها بعناصر إرهابية من «داعش»، يمنع حُكماً الترابط الجغرافي والميداني بين طهران وبغداد ودمشق؛ هذا الأمر سيُعزز الفوضى وعدم الاستقرار في العراق، وهذا هو جوهر الهدف الأميركي، ما يعني من الناحية العملياتية، أن «داعش» في الفترة المقبلة، سيكثف من هجماته ضدّ المدنيين والمدن العراقية، وسيتم تقديم مساعدات أميركية لتمكين «داعش» من بسط سيطرته على بعض القرى وربما بعض المدن العراقية، وبهذا تستحوذ واشنطن على ورقة سياسية تُجيز لها التفاوض بقوة على بقاء قواتها في العراق.

صفوة القول، ما بين العراق وسورية، تسعى واشنطن إلى المحافظة على وجود استراتيجي مُتعلق بضبط عمليات التوصل بين أركان محور المقاومة، فضلاً عن الإمساك بمفتاح جغرافي يُتيح لها الضغط على إيران وسورية والعراق، وكذا روسيا، الأمر الذي يشي بسيناريو يكاد يكون بوابة لعودة مشاهد الدم والخراب في المنطقة؛ كل ذلك برعاية أميركية صِرفة، لكن ضمن هذا المشهد، لا شكّ في أنّ استراتيجية محور المقاومة تملك من الخطط ما يُمكنها من الالتفاف على المشهد الأميركي المُراد هندسته في المنطقة، عطفاً على الخبرات القتالية التي راكمها محور المقاومة، والتي ستوظف في أي مواجهة مع الأصيل الأميركي أو وكيله «داعش».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى