} تطوّر النظام الصحيّ في المانيا ميّزها على باقي الدول الاوروبيّة } تحديد مصادر العدوى منذ البداية واحتواء الانتشار حال دون تزايد عدد الإصابات البروفسور فواز أسعد: العالم سيشهد نمط حياة جديداً إلى أن يتمّ اكتشاف لقاح مضاد لكوفيد 19 الدكتورة ريم الطبرة: نسبة الإصابات في ألمانيا أقلّ من باقي الدول الأوروبيّة… والفيروس لا يعيش على الأسطح
تحقيق ـ عبير حمدان
رافق ظهور فيروس كورونا المستجدّ الكثير من التقارير التي أشارت إلى أنه يبقى على الأسطح لساعات مما يتطلب الكثير من الوقاية والتعقيم المستمر لكل ما نستعمله مما ضاعف الخوف لدى الناس، ذلك لأن سرعة انتشار العدوى تجعل الفيروس خطراً قائماً في كل مكان.
أخيراً ظهرت دراسة المانية تؤكد أن بقايا الفيروس على الأسطح إن بقيت تكون ميتة ويمكن لهذه الدراسة أن تخفف منسوب الرعب بعض الشيء، لكنها لا تلغي مبدأ التعاطي بحذر مع وباء اجتاح العالم ولم يتم إيجاد لقاح له حتى الآن لكونه يطور بهيكليته مما يحتّم على البشرية الاعتياد على نمط حياة جديد قائم على التباعد الاجتماعي والوقاية والالتزام بوضع الكمامة.
تميّزت التجربة الألمانيّة عن باقي الدول الأوروبيّة لأكثر من سبب ولعل أبرز هذه الأسباب تحديد مصادر العدوى واحتواء الانتشار بالدرجة الاولى ويترافق ذلك مع تطور النظام الصحي في البلاد والتجهيز الكامل للمشافي التي لم تمتلئ بالحالات المحلية جراء التزام المواطن الالماني بالإجراءات الوقائية.
تتجه المانيا الآن الى تخفيف الاجراءات بشكل تدريجي يترافق مع الحذر في التعاطي مع الخطر الذي لم ينته على مستوى العالم كله، وبحسب ابناء الجالية المقيمين هناك يجب على الناس التكيف مع الواقع المستجدّ إلى حين استكمال الدراسات والأبحاث لإيجاد لقاح ينقذ البشرية.
التجربة الألمانية كانت الأفضل أوروبياً: يجري فحص البلعوم الأنفي لكشف الكوفيد 19 لكل شخص مشتبه به ولكل شخص كان لديه هلع وخوف من الفيروس
الفحوصات كانت مجانية في كل بلدة او مدينة عبر مراكز انشئت لهذه الغاية
التزام الشعب الألماني بإجراءات الحجر المنزلي رغم أن الحكومة الالمانية لم تمنع التجول مثل كل حكومات دول اوروبا
الماسك العاديّ لا يفي بالغرض المطلوب للوقاية كما يفعل الماسك الطبيّ N95
البروفسور اسعد
البروفيسور فواز أسعد المختص في الجراحة العصبية، والمقيم في مدينة دوسلدورف ـ المانيا تحدث لـ «البناء» عن التجربة الالمانية بالنسبة لكوفيد19 ، فقال: «الحقيقة إن المانيا هي من أولى الدول الاوروبية التي بدأت بإجراءات العزل واستطاعت بكل سهولة ضبط انتشار الفيروس بعد ملاحقة أماكن الإصابات، حيث تبين أن الإصابة رقم صفر كانت في ولاية بفاريا لشخص صيني قادم من مدينة ووهان يعمل في مصنع لقطع غيار السيارات فتمّت متابعته بل ومتابعة كل الاشخاص الذين التقى بهم والأماكن التي ذهب اليها. وبذلك حوصِر المرض بشكل جيد منذ البداية في ولاية بافاريا.»
وحول باقي المقاطعات والمدن الالمانية التي انتشر فيها الوباء، قال: «البؤرة الثانية في المانيا كانت في ولاية نوردراين وست فاليا وهي مقاطعة في شمال غرب المانيا. وقد بدأت الإصابات خلال المهرجان الكرنفال الذي يُقام سنوياً في شهر شباط من كل عام وحيث يتجمّع عشرات الآلاف في المنطقة التي تقع على حوض الراين وعلى مدى أيام، ولم تكن الأمور قد توضحت بالنسبة للكورونا والدولة سمحت بإقامة الكرنفال ولذلك نلاحظ أن الاصابات كانت في هذه المدن التي تقع على حوض الراين مثل دوسلدورف كولونيا وبون ومينستا ودورتمن والى آخره، وهنا كانت الإصابات شديدة ولم يستطع أحد أن يحصر الأعداد ولم تُعرف الإصابة رقم صفر.
أما النقطة الثالثة التي جلبت وباء الكورونا الى المانيا فهي مجموعة من الشباب كانوا يقضون عطلة شهر شباط في منتج للتزلج في شمال إيطاليا وخاصة منتجع شيغل الذي يحبه الالمان بشكل كبير ويذهبون اليه بالآلاف ويزورونه سنوياً في فترات التزلج. وهو يمتاز بعشرات اماكن السهر والمطاعم المكتظة بالوافدين اليها وقد انتقلت العدوى من شخص يعمل في أحد المطاعم الى عدد كبير من الشباب الالمان والنمساويين وعادوا الى بلادهم يحملونه معهم واستطاعت السلطات الألمانية مجدداً ان تحدّد هويتهم وأماكنهم وقامت بعزلهم.»
أما عن كيفية معالجة الأزمة والحد من انتشار العدوى، قال: «تحديد الإصابات وعزلها كان احد الاسباب التي أدت إلى حصر المرض ضمن مجموعات معينة وعزلها منذ البداية، التجربة كانت الافضل في أوروبا وذلك لأكثر من سبب، اولاً لجهة الفحص من خلال مسحة البلعوم الأنفي لكشف الكوفيد19 كان تجري على كل شخص مشتبه به وحتى لو كان لدى الشخص سعال بسيط وكل شخص كان لديه هلع وخوف من الفيروس كان يتم فحصه، إذاً الفحوصات كانت مجانية في كل بلدة او مدينة عبر مراكز انشئت لهذه الغاية. وفي الحقيقة وصل عدد الفحوصات حتى هذا اليوم الذي نتواصل فيه معكم إلى مليون وسبعمئة الف مسحة بلعوم في المانيا. والسبب الثاني في نجاح التجربة الالمانية هو ان الشعب هنا التزام بإجراءات الحجر المنزلي ولم يخرج إلا للضرورة مع العلم أن الحكومة الالمانية ومخالفة لكل حكومات دول اوروبا لم تقم بإجراءات منع التجول ولكن الالمان التزموا بالحجر أكثر من باقي الشعوب الاوروبية، اما السبب الثالث فيعود الى تركيبة السكان في المانيا والتي تعتمد على مبدأ أن الأجداد وكبار السن والمتقاعدين فوق الخمسة والستين عاماً لا يعيشون مع الأبناء والاحفاد إنما يعيشون في بيوتهم بشكل مستقل عن باقي أفراد العائلة؛ وبالتالي لم تحصل إصابات لكبار السن كما حصل في ايطاليا على سبيل المثال، والسبب الرابع هو النظام الصحي الألماني الذي يُعتبر من أهم الانظمة الصحية في اوروبا بل على مستوى العالم، وهناك مستشفيات في كل مدينة مجهزة ومؤهلة بدرجة عالية، واستطاعت الحكومة خلال فترة قصيرة توفير 40 الف جهاز تنفس صناعي كانت موجودة في المخازن وتم إخراجها ونشرها في كل المشافي، والحقيقة لم تكن هذه المشافي مكتظة بالمرضى طوال فترة انتشار الوباء، لا بل إن المانيا استقبلت مرضى من فرنسا وايطاليا بسبب اكتظاظ المشافي هناك.»
ولفت أسعد إلى الاصابات الثانوية التي تنتج عن فيروس كورونا المستجد: «هذا الفيروس يسبّب قصوراً تنفسياً حاداً وسعالاً وارتفاعاً في الحرارة، وتبين حديثاً من خلال وجود من خلال فحوصات تصوير الطبقي المحوري للرئتين عند المرضى وجود تخثر شديد بالأوعية الدموية في الرئتين وهذا يؤدي الى التليّف والقصور التنفسيّ بحيث لا يمكن لجهاز التنفس أن يعالج المشكلة. وهذا هو السبب الرئيسي للوفيات، وتبين أيضاً أن هناك اصابات ثانوية مثل القصور الكلويّ وهناك مرضى تبين ان لديهم إصابات عصبية في الدماغ، وإصابات قلبية، بل ايضاً تبين ان بعض المرضى لديهم اصابات جلدية بشكل طفح جلدي كعارض اول.»
وأكد اسعد أن العالم سيشهد نمط حياة جديداً في إنتظار إيجاد لقاح لهذا الوباء، فقال: «السؤال عن المستقبل بالنسبة لكوفيد19، وهنا اتكلم عن الخطة الالمانية، التي تعتمد على نمط الحياة الجديدة الذي يجب ان يستمر على قاعدة التباعد الاجتماعي في الأماكن العامة ووسائل النقل والعمل، ووضع الكمامة لفترة طويلة وقد تستمر لأشهر، بمعنى أننا سنشهد نمط حياة جديداً وعلى البشر التعود عليه رويداً رويداً. اما في ما يتصل بالمستقبل الواعد نحن بانتظار أمور عدة، الأول هو دراسة بحثيّة تجريها سبع دول اوروبية حول اربعة انواع من الادوية حتى يتبين أي منها هو المفيد في العلاج والى الآن لا يوجد أي علاج وكل ما يحصل هو تجارب سواء في اوروبا او في اميركا، والتجربة السريرية لأي دواء قد تستغرق شهوراً، والأمر الثاني هو العمل على إنتاج لقاح تعمل عليه مراكز كبيرة وكما سمعنا أن شركة فايزر الاميركية بالاتفاق مع شركة بايون تك الالمانية قد بدأتا التجارب السريرية لأحد أنواع اللقحات، وايضاً جامعة اوكسفورد في بريطانيا قد بدأت تجارب سريرية على لقاح آخر، وهذه أمور واعدة وعندما نصل الى نتيجة قد نكون حققنا انجازاً ينقذ البشرية.»
وختم: «البلازما المأخوذة من دم المريض الذي أصيب بالفيروس وعزل الاجسام المضادة منه لاستخدامها عند اشخاص لديهم اعراض شديدة من الامور الواعدة في العلاج يضاف اليها الدواء طبعاً. في اعتقادي الشخصي ان اهم الفحوصات والابحاث التي تُجرى حالياً هي طريقة كشف الكوفيد19 بالدم وكشف الاضداد في الدم ومستوى الـ IJJ والـ IJM وليس عن طريق مسحة في الحلق، لأن فحص الدم يكشف امرين أولاً أن الشخص قد أصيب بالفيروس وثانياً ان لديه مناعة وقد تشكلت لديه اجسام مضادة وهذه الطريقة بما يسمّى شهادة كوفيد 19 بمعنى أنت قد اصبت واصبحت لديك مناعة ولن تنقل العدوى الى الآخرين من جهة ولن تُصاب مرة ثانية على الاغلب خلال فترة قد تمتد لسنة، لذلك فإن اجراء فحص الكوفيد19 دموياً سيكون ثورة في هذا المجال الى جانب اكتشاف لقاح”.
الدكتورة الطبرة
أكدت الدكتورة ريم الطبرة (طبيبة مختبر) أن النظام الصحي في المانيا متطور بشكل يميزه عن باقي الدول الاوروبية، وقالت: «منذ بدء انتشار الوباء في العالم اخذت وزارة الصحة احتياطاتها لناحية اجراء الفحوصات بأعداد كبيرة والعمل على تحديد المخالطين لمن يكون قد ظهرت عليه عوارض المرض، والإجراءات التي اتخذتها الحكومة الالمانية لا تختلف عن تلك التي شهدناها في فرنسا. ولعل الفارق ان نسبة الاصابات في المانيا أقل من باقي الدول الاوروبية كما أن الوباء انتشر في ايطاليا وفرنسا قبل ان يصل إلى المانيا بأسبوعين على الأقل».
واضافت: «الالتزام بالوقاية والحجر كان كاملاً من جميع المواطنين والشعب الالماني دقيق في ما يتصل بتطبيق القانون بحيث إن التجول اقترن بالضرورة القصوى وطبيعة العمل، أنا طبيبة مختبر لذلك لم أتوقف عن العمل وهذا أمر بديهي، إلا أن المطاعم والمقاهي والمولات ومحلات الالبسة الصغيرة أقفِلت طوال فترة الحجر المنزلي، في المقابل النقل العام لم يتوقف ولكن بشرط الحفاظ على مسافة الأمان أي التباعد وعدم الاكتظاظ».
واشارت د. الطبرة إلى أن الحياة بدأت تعود إلى طبيعتها ولكن مع اعتماد مبدأ الحذر: «يتم الآن رفع التعبئة، ولكن مع الزامية الوقاية ووضع الكمامة، وفي ما يتصل بالمدارس فقد تم ترفيع جميع الطلاب ما عدا من هم في السنوات الانتقالية أي البكالوريا، والجامعات لم تفتح ابوابها بعد، وتمّ السماح بالزيارات العائلية ضمن شروط التباعد، صحيح أن انتشار المرض تراجع، ولكنه لم يزل موجوداً لذلك الحذر مطلوب، مع الاشارة إلى أن هناك تفاوتاً لناحية انتشار الوباء بين منطقة واخرى وكذلك بين دولة وأخرى».
وفي ما يتصل بمجال عملها ونسبة الخطر المترتب بسبب الوباء، قالت: «لكوني طبيبة مختبر فإن تعاملي يكون مع العينات دون أي احتكاك مع المرضى ولكن ضغط الاستيعاب كان كبيراً بحيث وصل عدد العينات إلى 800 يومياPSR ، والآن أصبح الفحص بالدم مع أن فحص بالمسحات أي الـ PSR أكثر دقة.»
وحول الدراسة الالمانية القائلة بأن الفيروس لا يعيش طويلاً على الأسطح كما قيل في البداية، أكدت الطبرة: “هذه الدراسة صحيحة ولو بقي له أثر على الاسطح فأنه يكون ميتاً، لكن التهويل رافق هذا الفيروس منذ بداية اجتياحه للعالم، وهنا الفت إلى أن الماسك العادي لا يفي بالغرض المطلوب للوقاية كما يفعل الماسك الطبي N95. من جهة ثانية قد يكون من الطبيعي التفكير بأن الفيروس موسمي بناء على النظرية العلمية التي تقول إن الامراض الفيروسية شتوية والامراض الجرثومية صيفية، وهنا يبقى الامر مرهوناً بمعرفة كاملة لطبيعة فيروس كورونا المستجد”.
وختمت الطبرة: «لفتني حجم الاجراءات التي تم اتخاذها في الشام وكيفية مواجهة انتشار الوباء وهذا أمر أسعدني جداً هذا بالاضافة إلى الجهد الذي تبذله وزارة الصحة في لبنان بإمكانيات محدودة، ولكنها اثمرت نتيجة ممتازة تستحق التقدير».