آل سعود والإدارة الأميركية من العهد إلى الشك
عامر الياس نجم
تسع وستّون سنة مضت على اللقاء الذي جمع الرئيس الأميركي فرانكلين روزفلت والملك المؤسّس عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود على متن السفينة «يو إس إس توداي». لقاء تاريخي بكل المقاييس، تمخّض عنه ما يمكن تسميته باتفاق العهد بين آل سعود والدولة الأميركية، والذي تضمن بموجبه الولايات المتحدة أمن المملكة السعودية، وتحديداً أمن العائلة الحاكمة واستمرار حكمها مقابل تعهد الأخيرة بضمان إمدادات النفط العالمية. هذا الاتفاق وما سبقه من وثيقة كشفت عنها مجلة الحرس السعودية المعارضة في 21 تموز عام 1991، تتضمن «تنازل السلطان عبد العزيز آل سعود عن فلسطين لليهود المساكين»، هذين الأمرين شكّلا مؤشرات فهم السياسات الغربية في الشرق الأوسط وطبيعة التحالفات القائمة فيها. لكن اليوم وبعد حوالى سبعة عقود، حصلت تغيّرات نوعية في صورة هذا المشهد ودخلت معطيات جديدة فرضتها ديناميات الصراع سواء على المستوى الإقليمي أو على المستوى الدولي.
صحيفة «لوموند» الفرنسية نشرت مقالاً بقلم الصحافي آلان فارشون تحدّث فيه عن اللقاء الأخير الذي جمع الرئيس الأميركي باراك أوباما مع الملك عبد الله، أحد آخر أبناء الملك عبد العزيز، في 28 آذار 2014 وذلك في روضة الخريم شرق العاصمة الرياض. فعلى رغم الابتسامات الظاهرة بين أوباما والملك السعودي الطاعن في السن، و«لغة الاطمئنان التي حاول البيت الأبيض بثّها إلا أنه وبعد سبعين سنة من اتفاق كوينسي، يبدو ما يقال منافياً للحقيقة ومضللاً».
وفي سياق تعداد عوامل القلق السعودي، يرى الصحافي الفرنسي أنها ترتكز على:
ـ المفاوضات الأميركية ـ الإيرانية في إطار مجموعة 5+1 وقرب الإعلان عن التوصل إلى اتفاق نهائي بين الطرفين يضمن اعترافاً دولياً بمكانة إيران ودورها على الساحتين الدولية والإقليمية.
ـ التردّد الذي أبداه أوباما في مسألة التدخل العسكري المباشر في سورية، وما يشكله بقاء الدولة في سورية من خسارة استراتيجية للعائلة الحاكمة في السعودية على المستويات كافة.
ـ صعود الإخوان المسلمين في المنطقة بعد ما يسمى «الربيع العربي»، والدعم القطري ـ التركي لهم بغطاء أميركي في مواجهة امتعاض سعودي من خسارة المملكة الوهابية «قيادة العالم السنّي» بحسب تعبير «لوموند» لمصلحة «الإسلام الانتخابي» الذي جاء عبر صناديق الاقتراع.
ـ احتياطيات النفط الصخري المكتشفة في الولايات المتحدة، والدعوات التي تطالب بتقليل الاعتماد على النفط الخليجي عموماً والسعودي خصوصاً مع ما يحمله ذلك من تداعيات على نفوذ المملكة سواء الاقتصادي أو السياسي في الشرق الأوسط والعالم أجمع.
ـ تعيين الأمير مقرن، أصغر أبناء عبد العزيز، ولياً لولي العهد وملكاً للبلاد في سابقة هي الأولى من نوعها في تاريخ سلالة آل سعود الحاكمة، لا يعني الوصول إلى مخرج آمن في مسألة الحكم في المملكة، فمقرن عمره 70 سنة، ومسألة الانتقال إلى حكم الأحفاد غير بعيدة، وهو ما عبّرت عنه «لوموند» بقولها: «الانتقال إلى أحفاد آل سعود يقترب، إنها قفزة في المجهول».
إذاً، لا شيء يجري كما تشتهي العائلة الحاكمة في السعودية، ولذلك نجد الرياض غير متردّدة في استخدام ورقة التطرّف والإرهاب في السياسة الخارجية لها، في محاولة لإثبات وجود تأثير لها في صوغ الوضع الجديد في المنطقة، في مرحلة التحولات العميقة التي يمر بها العالم أجمع. إذ إنه من الواضح أن السعودية تؤمن بأن أميركا أوباما تنزع لإبرام اتفاق تاريخي أو تسوية مع إيران، تسحب الملف من التداول في العقل الأميركي تماماً كما جرى أيام الرئيس الأميركي الأسبق ريتشارد نيكسون في ما يخص ملف النزاع الفييتنامي، وفي هذا السياق يقول ستيفان لاكروا أستاذ العلوم السياسية والمتخصص في شؤون الشرق الأوسط: «السعوديون يشعرون أنّهم مهدّدون، وبيت آل سعود لم يعد واثقاً تماماً من البيت الأبيض».
كاتب سوري