الوطن

هل الحكومة قادرة على فرض سلطتها وترجمة قراراتها قبل السقوط الأخير؟

 

} علي بدر الدين

ما يثير الشكوك هو الصمت المطبق للطبقة السياسية، وخاصة رموزها، حيال الأزمات والمشكلات الاجتماعية والمعيشية والصحية المزمنة والمتراكمة أو المستجدّ منها والطارئ، وجميعها من صناعة هذه الطبقة ونتاجها حيث تتقاطع فيها المصالح في حين أنّ صراخها ونبراتها العالية تعلو الى حدّ الإزعاج عندما تتعارض هذه المصالح في تقاسم الحصص والأرباح والصفقات ومنها بالطبع التعيينات على أنواعها في مؤسسات الدولة وإداراتها ومصالحها، والعيّنة الأخيرة الاطاحة بالتشكيلات القضائية والتعيينات المالية والإدارية التي تأجّلت لأنها لم تفصّل على قياس الحصص، كما هو حاصل منذ تشكيل أول حكومة بعد اتفاق الطائف، وتحوّل لدى هذه الطبقة الى عرف مقدّس تمّ التفاهم عليه، وبات الالتزام به واجباً شرعياً ووطنياً، أو هكذا تعتقد ولم تتوقع أن يأتي اليوم الذي تقفل فيه أبواب مغارة الفساد والمحاصصة ويُقال لها كفى فساداً ونهباً وتحاصصاً.

هذا المستجدّ السياسي الذي غلّب مصلحة الناس والوطن على المصالح الخاصة السياسية والطائفية والمذهبية أصاب الطبقة السياسية ورموزها بالصدمة السلبية شديدة الانفعال والاشتعال وأجبرها على الانكفاء والصمت والانحناء أمام العاصفة الشعبية، وأمام جرأة رئيس الحكومة حسان دياب وقراراته وإصراره على سلوك المنحى الوطني، وبدء الإمساك بخيوط الفساد وانْ كانت رفيعة ودون المطلوب بعد مع أنه قد يؤخذ كمؤشر للآتي من الأيام.

الصمت المريب والمقصود من هذه الطبقة هو المتعلق فقط بالملفات الاجتماعية والمعيشية والصحية التي لا مصلحة منفعية لها فيها ولا يعنيها فقر المواطن وجوعه ومرضه، وهي التي عن سابق إصرار وتصميم أوصلته الى وضعه الكارثي، ولم تنج من فعلتها حتى بيئاتها الحاضنة والمرتهنة لها، والتي تشكل خزانها الانتخابي وخط الدفاع الأول عنها عند أيّ استحقاق أو استهداف لها على خلفية سياسية خاصة أو طائفية أو مذهبية أو تحاصصية، وعند احتدام الصراع بين المواطن والسلطة التي أفقرته وجوّعته وأذلته فإنّ هذه الطبقة تتخلى عن كلّ وعودها وتلتزم خيار السلطة لأنها هي التي تمثلها وتحميها وترفدها بالقوة والمال والنفوذ والوجاهة على عكس المواطن «المتطلب» الذي يريد وظيفة متواضعة او دعماً بسيطاً او لقمة عيش حلال أو كرامة مسلوبة.

يعلو الصراخ إلى أبعد مدى عندما تشعر هذه الطبقة بالخطر الداهم عليها وتشليحها موقعاً أو سلطة أو نفوذاً أو حصة أو مالاً او طموحاً سلطوياً تحلم بالوصول إليه منذ أن اشتغلت بالسياسة، وأدركت الموقع الطائفي والمذهبي المحدّد لها دستورياً أو بحكم العرف المتبع، وعندها تكسر الحواجز وتتفلت الضوابط وتلغى الخطوط الحمر وتسقط المحاور والتحالفات وكلّ يغني على قعقوره ومضربه وسياسته ومصلحته، وهذه حالة دائمة ومستمرة منذ تشكل النظام السياسي الطائفي في هذا البلد.

ما يعنينا أنّ حكومة مواجهة التحديات او الحكومة الإنقاذية كما يحلو للبعض تسميتها، معنية جداً أن تصنع الفرق، وتشكّل فريق عمل واحداً، وتكون البديل الجدي والخيار الأفضل للبنانيين الذين علقوا بعضاً من الأمل والرجاء عليها لأنها الخرطوشة الأخيرة التي يجب ان تصوّب جيداً باتجاه الهدف الخطير الذي أوقع لبنان في مهوار يصعب النفاذ منه إلا بوجود صياد ماهر شاءت الظروف ان يكون في موقع رئاسة الحكومة وهو الذي وعد بالإصلاح والإنقاذ واستئصال الفساد ومحاسبة الفاسدين، وقد راهن اللبنانيون عليه وعلى وعوده التي يجب ان تترجم اليوم قبل الغد لأنّ الوقت ضاغط ويعمل لصالح الفاسدين والذين نهبوا البلد وأفلسوه وراكموا ديونه وأفقروا شعبه وصادروا مؤسساته.

لم يعد أمام الحكومة أيّ مبرّر للتقاعس والتراجع عن قراراتها وما التزمت ووعدت به وهي التي اتخذت قرار مواجهة التحديات والإنقاذ ولم يعد مقبولاً القول إنها ما زالت طرية العود ويلزمها وقت إضافي، فهذا الكلام بات خارج النص والتداول وقد بدأت بشهرها الرابع واتخذت قرارات جريئة وأنجزت أفعالاً وانْ لم ترتق الى مستوى الطموح المطلوب التي عليها القيام به، وهي التي حظيت بثقة الغالبية من الشعب. انّ مطالبة الحكومة الاستعجال بتنفيذ ما وعدت به اللبنانيين وما قرّرته لا ينطلق من خلفيات سياسية ومصلحية ولا من معارضة أو موالاة بل من حرص ومسؤولية، خاصة أنّ اللبنانيين يعيشون في أسوأ الظروف الحياتية، وما يمرّون به في هذه المرحلة لم يمرّ عليهم حتى في الحروب، وما كان ينقصهم سوى وباء كورونا ليكتمل النقل بالزعرور ويفاقم معاناتهم وأوجاعهم وفقرهم الذي أصاب وفق عدد من الإحصائيات أكثر من خمسين في المئة منهم.

على هذه الحكومة أن تبدأ من أول الدرج صعوداً على عكس المفهوم السائد الصحيح ولكن لكلّ قاعدة استثناء، لأنّ الأولوية يجب ان تعطى للشعب الذي يئنّ تحت ضغط الفقر والجوع والمرض وقد ازدادت آلامه ومعاناته بسبب انخفاض القيمة الشرائية للعملة الوطنية والارتفاع الفاحش وغير المسبوق للأسعار والتلاعب بسعر صرف العملة ومصادرة المصارف أموال المودعينولم يصدّق أحد انّ الدولة بسلطاتها والحكومة وأجهزتها غير قادرة على لجم وملاحقة ومحاسبة الفاسدين والجشعين والمهرّبين والمتاجرين بلقمة المواطن وما يحصل من تقصير أو عجز او فشل ليس في صالح الحكومة ويسجل عليها وهي التي وعدت ولم تنفذ وتلتزم وهذا ما يؤرق الشعب ويفقده الأمل بالتدريج.

نحن مع الحكومة في إعدادها الخطط والاستراتيجيات الوطنية والاقتصادية والمالية وفي مواجهة الفساد، وليس معها إذا فضلتها على حقوق اللبنانيين الحياتية والمعيشية الضرورية والملحة. يجب أن تبدأ من مصلحة الإنسان أولاً.

على الحكومة ان لا تنتظر ان يأتي الفاسد إليها ويضع نفسه بتصرّفها ويعترف بفعلته وتوبته وبمشغليه. عليها ان تستفيد من فتح بعض ملفات الفساد والمتهمين فيها وقد يكونون أبرياء حتى يثبت تورّطهم واستدعاؤهم وفق الأطر والأنظمة والقوانين، ولا تنتظر التسويات لأنها تفقدها هيبتها وثقة الناس فيها. وعليها إصدار التشكيلات القضائية وفق الكفاءة وليس التراضي والتحاصص وكذلك إصدار التعيينات المالية والإدارية التي تأجّلت لأنها على ما يبدو اختلّ فيها توازن توزيع الحصص من دون الالتفات الى الوراء والاستمرار حتى النهاية بملف الصرافين ومعرفة ومحاكمة كلّ من تلاعب ولا يزال بسعر صرف العملة وانعكاس ذلك على الأسعار وعلى القدرة الشرائية للمواطن المعدم أصلاً

إذا لم تنجح الحكومة أقله في معالجة هذه الملفات إما لأسباب ذاتية أو موضوعية وتعرّضها لضغوط سياسية، فعلى رئيس الحكومة أن يصارح شعبه بالحقائق والمعوقات التي تعرقل عمل الحكومة وتمنعها من ترجمة ما وعدت به اقله لرفع المسؤولية عنه وتبرئته أمام اللبنانيين حتى لا يُتهم ويتحمّل وحكومته مسؤولية الكارثة الكبرى التي تحلّ بالبلد وناسه.

فهل يفعلها رئيس الحكومة أم أنه على قناعة بما يقوم به وأنه مُصرّ على مواجهة التحديات وإيصال لبنان إلى برّ الأمان وإحداث التغيير المنشود…؟

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى