القبض على سارق الكبش الأملح… والبحث جار عن سارقي الوطن والشعب
} علي بدر الدين
يُحكى أنّ رجلاً كان يملك كبشاً لقبه «الأملح» وقد سرق منه وبحث عنه طويلاً ولم يجد له أثراً، فشكا أمره الى أحد العقلاء والحكماء الذي ذاع صيته وطارت شهرته في ذاك الزمن، وعلى عجل وضع هذا الحكيم عباءته على كتفيه وحمل عصاه وانطلق مع المشتكي الى المكان الذي سُرق منه الكبش متفقداً ومطلعاً شمالاً ويميناً الى أن عثر على بعض بعرات وآثار أقدام، وبعدها بأمتار مزعة صوف عالقة بالشوك القريب. تتبع الرجل مسار الأقدام إلى أن وصل إلى «خربوشة»، أيّ ما يشبه الخيمة المتشلخة والممزقة، يقيم فيها شخص فبادره الحكيم بسؤاله عما إذا رأى أحداً ومعه الكبش فنفى رغم تكرار السؤال، وعاد وسأله هل أكلت لحماً مشوياً منذ أيام أجابه: لم أذقه منذ شهر، غير أنّ الحكيم المحقق لم يقتنع او يصدّق المتهم الافتراضي بسرقة الكبش فاستأذنه الدخول الى «خربوشه» لأخذ قسط من الراحة بعد عناء الرحلة البحثية عن الكبش المسروق، وهو لم يعتد على الفشل والعودة من حيث أتى خالي الوفاض، ولم يلتزم بالوعد الذي قطعه لصاحب الكبش بمعرفة السارق وإعادته إليه٠
افترش الحكيم أرض «الخربوشة» وراح يحدّق بعينيه على الأرض والزوايا فشاهد نملة تسحب حبة صغيرة فالتقطها ووضعها على طرف عباءته ثم شاهد أخرى تحمل شيئاً مماثلاً وثالثة فجمعها وإذا هي بقايا قطع دهن من لحم مشوي، فثبت لديه بالدليل القاطع أنّ الشخص الذي حامت حوله الشبهات هو السارق ولا مجال للإنكار بوجود الأدلة. وبالفعل حين واجهه الحكيم بهذه الأدلة اعترف صاحب «الخربوش» على الفور بأنه سارق الكبش…
أما غالبية أركان الطبقة السياسية التي حكمت لبنان على مدى ثلاثة عقود تفسد وتسرق وتتقاسم الحصص وتوزع المغانم سراً وعلانية، والشواهد كثيرة وعلى عينك يا تاجر، حيث باتت تمتلك العقارات والشاليهات والطائرات واليخوت والأموال المكدّسة في مصارف الداخل والخارج وقد أفرغت خزينة الدولة وسيطرت على مقدّراتها ومؤسساتها… والأمثلة كثيرة لا تعدّ ولا تحصى، والشعب المسكين الذي يتحمّل عبء الفساد والنهب لم يجد رجلاً حكيماً عاقلاً عادلاً وحريصاً على وطن وشعب ومؤسسات وأموال ومصير يشكو له معاناته والكارثة التي حلّت به جراء جرائم النهب والهدر والسرقة الموصوفة التي يتعرّض لها منذ ثلاثين سنة، وكلّ شكاويه كانت الى مجهول وعن سارقين مجهولين مع انّ السرقات على المكشوف والسارق معروف والكلّ يتهرّب من توجيه الاتهام الى هذا او ذاك الذي لا يزال مجهولاً حتى تمّ العثور على راجح المتهم الوحيد حتى يثبت العكس أو في أحسن الأحوال يجدون كبش المحرقة او الفداء في كلّ ملفات الفساد ثم يقفل الملف ويختتم التحقيق لعدم وجود الأدلة الكافية مع أنها موجودة ومنتصبة القامة تمشي ملكة تحت عين الشمس وفي الليالي المقمرة والساطعة بأنوار الكهرباء المسروقة وثمنها مدفوع سلفاً من خزينة الدولة وأموال الشعب.
مع انّ الشكوى لغير الله مذلة فإنّ الرهان الأخير الذي يمكن التعويل عليه هي الحكومة الحالية علّها تكون على قدر المسؤولية والأمانة والثقة وتسمع وجع الشعب وأنينه وشكواه من الفقر والجوع والقلة التي تتحمّل الطبقة السياسية كامل المسؤولية لأنها «كوّشت» على كلّ شيء والتهمت الأخضر واليابس، وتعتبر نفسها بريئة من سرقة لقمة عيش اللبنانيين كبراءة الذئب من دم يوسف.
لا نتوقع من الحكومة ان تتبع أثر الفاسدين والسارقين الى النهاية كما فعل متتبع سارق الكبش الذي بحكمته وبصيرته وحرصه ومسؤوليته عثر على الأدلة التي تدين السارق، والحكومة لا تحتاج إلى كثير من العناء لكشف السارقين، وكما يُقال «البعرة تدلّ على البعير». غير انّ الرهان عليها يبدو من خلال مؤشرات فتح بعض ملفات الفساد والمتهمين به لا يشجع كثيراً على التفاؤل لأنّ جسر العبور إليهم يقطع بفعل فاعلين أقوياء وأصحاب نفوذ وسلطة وسطوة ومال في منتصف الطريق. ولكن هذا لا يمنع من ان يظلّ الأمل قائماً، والضربة اذا لم تصِب أو تقتل تترك أثراً لمحاولات جديدة تعرف كيف تقوّض أسس الفساد والنهب والمحاصصة وتكشف المستور.
وما يثير العجب والتساؤل والدهشة هو كيف عثر الباحث عن سارق الكبش الأملح من خلال نملة تحمل دهنة بأقلّ من حجم حبة العدس وفي لبنان لا يزال السارق مجهولاً بينما مسروقاته مترامية على مرمى العيون التي تتكحّل بها كلّ يوم؟