ليبيا: بانتظار عمر المختار
وليد زيتوني
يكشف القتال الدائر على الأراضي الليبية في الأسابيع الأخيرة، أن أياً من القوى المتحاربة لا يستطيع حسم المعركة. فهي تتوزع بين قوى مناطقية ضعيفة، أو تجمّعات عشائرية طامحة، أو لمام مرتزقة عابثة. يجمع بين هذه القوى، أنها مرهونة للخارج بلا قيد أو شرط، ومن دون التطلع إلى الضوابط الوطنية بحدّها الأدنى، وهي بالتالي لا تمتلك أية رؤية باستثناء السيطرة على آبار النفط للاستفادة من مردودها المادي المباشر. وعلى رغم ركوب بعض القوى موجة «الإسلام السياسي» ومحاولاتها المتكرّرة إعلان إمارة إسلامية في الشرق أو الغرب. إلا أنها محاولات يائسة لافتقادها الأساس الشعبي وشرعية الاستمرار المحلي. فهذه القوى بمجملها عناصر وافدة من الخارج، أو قاصرة عن الاستقطاب الجماهيري.
ليبيا كما غيرها من الدول العربية التي وصلت إليها رياح الفوضى، وبتوجيهات من الراعي الأميركي عبر التعبئة الإعلامية، وعبر التدخل العسكري المباشر وغير المباشر، لم يكن لدى أيّ من قواها مشروع واضح للبناء بعد التدمير الشامل الذي طاول هذه الأنظمة. وهو ما يدل على أن التغيير لم يكن بفعل عوامل ذاتية ناضجة لا على مستوى القيادات السياسية المعارضة ولا على المستويات الشعبية التي كانت بعيدة كلّ البعد حتى من التفكير بمشروع كهذا.
فالتغيير كان حاجة أميركية اقتصادية، وحاجة عسكرية أمنية لصياغة عالمية تتناسب مع مشروع النهب «الحضاري» بأدوات محلية ووكالات مزيّفة.
ليبيا، الدولة التي تمتلك ما يزيد عن ألفي كلم من الشواطئ على البحر الأبيض المتوسط، وما يفوق أربعة ملايين برميل يومياً من تدفقات النفط، والتي قامات بمشروعات إنمائية كبيرة كالنهر «العظيم»، ونظام رعاية ممتاز قياساً إلى الدول المجاورة، ليبيا الطامحة إلى الزعامة الأفريقية لم تبن جيشاً يوازي تطلعاتها، بل اكتفت باللجان الشعبية المسلحة. هذه اللجان قصّرت في الدفاع عن ليبيا سابقاً وفي المراحل اللاحقة. فالحق الليبي بالأرض والثروة، واختيار النظام السياسي، لا يكون حقاً إلا بقدر ما تدعمه القوة المنظمة الفاعلة.
من الطبيعي أنّ الولايات المتحدة الاميركية وأوروبا القائمتين على تقسيم العالم شمالاً وجنوباً، دول غنية ودول فقيرة، دول ناهبة ودول منهوبة، ومعها دول الرعاع الوهابي المستندة إلى الريع البترولي، لا يناسبهما دول تقول لا في مواجهتهما، لا في أفريقيا ولا في آسيا ولا في أميركا الجنوبية. إن مواجهة هذا الطغيان لا يكون بلجان شعبية بعيدة من القيادة والسيطرة، ولا ببضع كتائب أمنية مهمتها الأساس حماية رأس النظام، ولا بجيش غير قادر على تغيير موازين القوى في اللحظة الحاسمة. فالطغيان لا يردع إلا بالحق المدعوم بالقوة. و«القوة هي القول الفصل في إحقاق الحق القومي أو إنكاره».
إن ليبيا اليوم هي بحالة احتلال كامل، ومرشحة أكثر من أي وقت مضى للتقسيم وتقاسم النفوذ والثروة بين جهات تعمل لمصلحة الخارج. المطلوب اليوم وليس غداً إيجاد «عمر مختار» جديد، فرداً كان أو شخصية معنوية يعمل على إنقاذ ليبيا من براثن الاستعمار، ويعيدها إلى موقعها ودورها الطبيعي.
الجميع يعرف أنّ هناك 70 في المئة من الشعب الليبي لا علاقة له بالتنظيمات المتناحرة على السلطة، فهم بعيدون من جماعة مصراته، وجماعة الزنتان، وجماعة حفتر. هم جماعة ينتظرون الفرج. لكن الانتظار لا يفيد بعد أن تكون قوى التقسيم قد رسّخت إقدامها في الأرض. المطلوب من المجلس الوطني الليبي لإعادة الأمن والاستقرار، أن يخطو خطوات عملية سريعة وليست متسرّعة، لإعادة الإمساك الأرض، أن يقدم في اللحظة المناسبة على التعبئة العسكرية والشعبية، أن يجاهر بطرحه الوطني وفكره القومي، فهو الأمل الوحيد المتبقي من دعاة وحدة ليبيا، وأن يبتعد في هذه اللحظة الحرجة من كلّ ما يثير المناطقية وينفتح على القبائل التي لم تشترك في الصراع بعد، ،ن يعيد تنظيم منطقة أبو الوليد وسرت كي تشكل قاعدة انطلاق لاستعادة طرابلس وبنغازي.
يا شباب ليبيا، يا شعب ليبيا، إن العالم ينتظر منكم حركة على الأرض تغيّر المعادلة القائمة. إن الوقت لا يسمح بالتأخير. ليبيا تدعوكم إلى الإنقاذ.
ليبيا بانتظار عمر المختار.
عميد ركن متقاعد