أشباه بشر!!
شتّان بين القدرة على التنظير وامتلاك المقدرة على تطبيق عشر أعشار ما نعتنقه من مبادئ، ولو كتبناها واشتهرنا على إثرها.
كتب _ تولستوي _ يوماً: « أيسر على المرء أن يكتب في الفلسفة مجلدات عدّة من أن يضع مبدأ واحداً في حيّز التطبيق».
ويبدو أنّه كان من القلّة الذين طبّقوا ما آمنوا به، كحال أغلب الذين يكتبون ويضعون القوانين وهم بعيدون البعد كلّه عن تطبيقها على أنفسهم!
معظم السلوكيات التي يمارسها الإنسان في يومنا هذه باتت كتيارات المدّ والجزر، تمارس بطريقة غير متوازنة وهذا ما أثّر على حياته ككل فبات يعيش بضبابية وتصادم وصراع عنيف مع ذاته، مما نجمت عنه سلوكيات سلبية لا ترتقي. الأمر الذي شكل شيزوفرانيا في السلوك ينعكس تأثيره على المجتمع ككل!!
مَن يكتبون وينادون بالمحبة والتسامح والمعاملة الحسنة، يكونون في الواقع نزقين مستهترين بالمحيط يمارسون الفظاظة والكلام الغليظ والسيئ في الشارع ومكان العمل بأسلوب يشي بانهزامية النفس في عالم الضياع غير آبه بالبيئة التي يعيش فيها ودون مراعاة للمنظومة القيميّة !!
مَن يقضي أياماً أو شهوراً أو حتى القليل من الأعوام في دولة أجنبيّة ما هي أيام بعد عودته وتراه يزيّن صفحات التواصل خاصته بعبارات الغرب وحضاراته والمبالغة في المظاهر على حساب الجوهر الحقيقيّ، وكأنهم بأفعالهم يمارسون سياسة الترقيع وتغطية العيوب وما يعانون منه من فوقيّة وشوفينية!!
من لا يتوانون لثوان بكتابة بوستات عن الوقت وأهمية الوقت والعمل والقيمة، أغلب الأوقات يتواجدون في المقاهي والمطاعم يبددون وقتهم أيضاً بالثرثرة وإلقاء الحكم والمواعظ والقيم التي ينبغي أن يتحلّى بها الفارس العربي الأصيل!!
بالتأكيد إنّ من يبيع القضية يقبض الهواء ومن تنافي أقوالهم أفعالهم لا يختلفون عنهم البتّة بل هم فيروسات متناهية الصغر والتي تحتاج إلى مايكروسكوبات متطورة لنراها، مالئي الدنيا وشاغلي الناس ولكن ليس على طريقة المتنبي.. يلخص وصفهم بما قاله العبقري دوستويفسكي في رائعته (الأخوة كارمازوف): «كلما زاد حبّي للإنسانية جملة واحدة نقص حبّي للبشر فرادى». بلّور في قوله حقيقة أن البشر معظمهم لا يمتّ للإنسانية بصلة.
ينبغي عليهم إدراك أنهم لا يكتبون لخراف ليصدقهم الجميع. هذا العالم فيه من المجتهدين والعلماء والفقهاء ما يكفي لتقزيمهم وأفكارهم التي لا تشابه أفعالهم!
التخوّفات تمتص الشيء الكثير من قارورة الحياة، القارورة ذاتها التي تحاول الأكثرية الاحتفاظ بها قبل ملئها بشيء مفيد.
ليكن الشغل الشاغل للأكثرية أن تملئ قارورتها بعبير عاطر يخلّد ذكراها وليس أنظر ما أكتب وستصاب بالجلطة القلبية مما أفعل.
هنا يكمن سرّ الحياة…
صباح برجس العلي
