حرب «داعش» بالأرقام: نحو تبرير التمدّد

عامر نعيم الياس

مع بداية السنة الجديدة، حاولت الصحافة الأميركية التركيز على ملفّ «داعش» تكريساً لأولوية أميركية، وبالضرورة غربية في المنطقة عموماً وفي سورية والعراق خصوصاً، أولوية تفسح في المجال أمام تكهنات مصبوغة بالتفاؤل حول الملف السوري تحديداً، إذ تراجع مطلب إسقاط النظام في سورية إلى مستويات متدنية في سلّم الأولويات الأميركي، لا إلى المرتبة الثانية فحسب. لكن في المقابل فإن نظرةً متأنية إلى الصحافة الأميركية الصادرة الأسبوع الجاري تثير جملة أمور تصبّ في معظمها في خانة تطوير الاستنزاف والدفع بالفوضى في سورية تحديداً، على قاعدة العجز عن كسر الجيش السوري، والعجز عن تأهيل «قوة معتدلة»، والرفض المطلق لتطوير الاستراتيجة العسكرية الأميركية لتحالف أوباما في الحرب على تنظيم «داعش»، لتتبنّى خيار التدخل الأكثر مباشرةً، أي التدخل البرّي في المنطقة.

تبدأ الفوضى الأميركية من تقرير لصحيفة «وول ستريت جورنال» عن تكاليف الحرب على «داعش» وفي بعض منه «إن تكاليف الأشهر الأربعة الأولى في سورية والعراق قد تجاوزت المليار دولار، أي حوالى 8 ملايين دولار يومياً، أو أكثر من 330.000 دولار في الساعة. طبعاً هذه الأرقام لا علاقة لها بتدريب ميليشيات المتمردين الجديدة وتجهيزها. ولكن وتيرة الضربات الجوّية ونطاقها قد زادا منذ الضربة الأولى على العراق في شهر آب، الأمر الذي يشير إلى أن التكاليف سترتفع، فصاروخ واحد من طراز توماهوك كروز يكلف حوالى 1.2 مليون دولار، والتي يتم إطلاقها من سفينتين حربيتين واحدة في البحر الأحمر والأخرى في الخليج الفارسي. هذا ويكلف كل صاروخ هيلفاير، والذي يتم إسقاطه من الطائرات الحربية الأميركية، حوالى 100.000 دولار. وتكلف الطائرة الحربية المهاجمة «إي بي 1» حوالى 58000 دولار في الساعة الواحدة، وتكلف القاذفات المقاتلة «إف 15 إي» أكثر من 39000 دولار في الساعة، وتكلّف «رابتور إف 22»، الطائرة الحربية الأميركية الأكثر تطوراً والتي تشنّ غارات على سورية، 68 ألف دولار في الساعة، أي أن تكلفتها قد تصل إلى 350 مليون دولار»، هذه التكاليف دفعت الصحيفة إلى التساؤل حول قدرة التحالف عموماً وقيادته الأميركية خصوصاً على تحمّل هذا النوع من الحروب طويلة الأمد والتي يمكن أن «تستمر لثلاث سنوات على الأقل» بحسب الصحيفة ذاتها، وعلى رغم أنّ التساؤل يحمل في طياته نقداً ضمنياً لاستراتيجية الإدارة الأميركية في الحرب الحالية، إلا أنه لا يطرح البدائل للخروج من الوضع الحالي.

على المقلب الآخر تحاول صحيفة «نيويورك تايمز» دراسة عوامل قوة التنظيم، ففي تقرير بعنوان «في حربها لتحطيم قوة داعش، الولايات المتحدة تركز على العامل النفسي»، ترى الصحيفة أن السؤال الأبرز يتمحور حول قدرة التنظيم على الاحتفاظ بالمناطق التي يدخلها، وهو أمر يعكس بدوره سعي الولايات المتحدة إلى الحفاظ على مستوى البروباغندا الحالية والتي تساهم بشكل مباشر في زيادة قوة التنظيم لا العكس، سواء على مستوى شيطنة العدو، أو على مستوى تظهير نموذجٍ مغرٍ بالنسبة إلى كارهي الولايات المتحدة ومريدي الجهاد على مستوى العالم والذين ترتفع أعدادهم في صفوف تنظيم «داعش» باضطرادٍ مستمر.

«داعش» أولوية أميركية، لكنها أولوية في ظل تبرير عجز التحالف عن تحقيق نتائج ملموسة على الأرض في حرب تحتاج إلى ثلاث سنوات على الأقل، أولوية تغض النظر عن تمدّد «داعش» في المناطق التي لا تمسّ الخطوط الحمراء الأميركية ومنها سورية.

كاتب ومترجم سوري

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى