كرة ثلج تتدحرج على شكل رئيس حكومة معزول

كيف يرى الصهاينة الانتخابات المقبلة، وكيف يعارضها بعضهم ويريدها آخرون؟ أسئلة نجد الإجابات عليها من خلال مقالين، الأول للكاتب الصهيوني أوري مسغاف ونُشر في صحيفة «هاآرتس» العبرية، والثاني للكاتب الصهيوني ناحوم بارنيع، ونُشر منذ يومين على صفحات «يديعوت أحرونوت»، نوردهما هنا مع التحفّظ على بعض العبارات التي تمسّ فلسطين وجوداً وقضيةً.

نتنياهو والخوف من فقدان السلطة

يجب أن يصحو «مواطنو إسرائيل» ويفهموا أن الانتخابات القريبة المقبلة تبدو وكأنها غير قانونية. ويحتمل أن تكون منذ الآن غير نافذة المفعول قانونياً وأخلاقياً. وأن بنيامين نتنياهو يتملكه الارتباك والذعر خشية فقدان السلطة المقبلة، وهو يدوس ما تبقى من «الديمقراطية الإسرائيلية» منذ شهر بشكل مخجل ومن دون توقف، ويتصرف كما الفيل بعناده، وبما يشبه وحيد قرن هرب من السفاري، وهو يتبنى مقولة لويس الرابع عشر «أنا الدولة والدولة أنا». وقد حان الوقت لأن يستيقظ حراس الليل، فليس بالامكان الاستمرار على هذا النحو.

وقبيل الانتخابات، حلّ «الكنيست» نفسه، وأقال نتنياهو نصف حكومته، وبدل أن يدير بشكل ايجابي الفترة الانتقالية حتى موعد الانتخابات، إلا أنه لا يستريح ولو للحظة. فهو يعين الوزراء ويضع العاملين معه في مواقع رئيسية ويقوم بوساطة مجموعة مقلصة من المقرّبين بإجراءات أمنية وسياسية واقتصادية على المستوى الاستراتيجي. وزير الخارجية مُحيّد ومعزول، وتم تعيين موظف عادي إبن 31 سنة كوزير للمالية. وأعلن نتنياهو عن إلغاء فوري لبرنامج حكومي عملاق ضريبة قيمة مضافة صفر على الشقة الاولى وعن تحريك مسارين عملاقين آخرين ـ ضريبة قيمة مضافة صفر على المنتجات الغذائية الاساسية، ورفع أجر الحد الأدنى. الامر الذي أثار لجنة المالية. ويتم نقل مليارات «الشواكل» إلى احتياجات أمنية غامضة ومئات الملايين إلى المستوطنات، وملايين أخرى إلى مراكز التراث على اسم جابوتنسكي وبيغن وإلى مركز تنزّه في برقان.

المجال الامني السياسي اعتُبر سابقة كقدس الأقداس وبشكل يتعارض مع ما يُعرف لدينا تقريباً كـ«اقتصاد الانتخابات» ـ احتكار انتخابي مُحرّم. ولكن كيف يمكن الاعتماد على شخص يثبت دائماً للمراقبين أنه شخص لا دين له؟ وفور حلّ «الكنيست» نُسب إلى «إسرائيل» غارة جوية على سورية وفي الحدود اللبنانية. بعد ذلك تم تسخين مجدد للحدود مع قطاع غزّة. والآن قررت حكومة الدمى لنتنياهو تجميد نصف مليار «شيكل» من أموال الضرائب التي تجبيها للسلطة الفلسطينية. هذا إجراء قد يؤدي بسرعة إلى انهيار السلطة، ووقف التنسيق الامني وتغير دراماتيكي في واقع الضفة الغربية: انتفاضة ثالثة وضم حقيقي للمناطق واحتلال مجدد لمناطق «أ».

هذه الحالة من الفوضى قد تخدم نتنياهو بشكل ممتاز في الانتخابات المقبلة، لا سيما أنّ أجواء من الهبوط الاقتصادي والاجتماعي وخيبة الأمل منه ومن أدائه تسود.

وفي هذه الاجواء النتنة، فإن نتنياهو لا يخجل من أن يلوّث ويدنّس حتى السلطة القضائية وسلطة الرقابة. فالنيابة العامة قامت، بخطوة مخجلة وغير مسبوقة، بتأجيل الاجراءات المتعلقة بدعوى مدبّر منزل رئيس الحكومة ضدّ زوجته إلى ما بعد الانتخابات. وقامت أيضاً لجنة الخارجية والامن بإعاقة نشر تقرير موقع يتعلق بالتحقيقات والقرارات التنفيذية التي رافقت عملية «الجرف الصامد». وهو الحدث الاكثر أهمية في فترة ولاية حكومة نتنياهو الذي يشوبه الغموض. وبذلك فإن الجمهور لا يستطيع كشف هذه الحقائق قبل الذهاب إلى صناديق الاقتراع.

وهكذا تُداس أمام أعيننا التوازنات والكوابح التي هي روح الديمقراطية. فلا أمر يقوم به نتنياهو هذه الأيام لا يعكس بشكل واضح السياسة الداخلية. فخطابه في الحفل الرسمي في مسابقة «حفظ التوراة» عبارة عن دعاية انتخابية، وتعيين غيلا غملئيل كوزيرة للرفاه موجّه أيضاً إلى الجمهور نفسه، وميري ريغف أصبحت كنجم الانتخابات التمهيدية لـ«الليكود» وهي بالتأكيد ليست سيدة الحزب الأولى. وعلى طول الاسبوع سنحظى بيقين برؤيته وهو يزور هيئة الطوارئ ومراكز علاج أضرار العاصفة. ولكن أمامنا كرة ثلج تتدحرج على شكل رئيس حكومة معزول.

من أجل حزب متجدّد

يمكن لنتنياهو أن يتنفس الصعداء: فلقد خرجت الانتخابات التمهيدية لحزب «الليكود» إلى حدّ ما كما شاء وكما تأمل، ما عدا جزئية واحدة. فإذا قام بتشكيل الحكومة المقبلة، سيكون تحت خدمته المخزون الوسطي البالي نفسه من الوزراء. الحكومة ليست يمينية وليست ذات مدلول. فهي لا تتحرك، وهذا ما يتمنّاه نتنياهو في هذه المرحلة من حياته.

الخلل الوحيد الذي كان، ميري ريغف. فوصول ريغف إلى الخمسة الاوائل وضع مصاعب مزدوجة. أولاً، فنجاحها يشير إلى أن جدعون ساعر، الذي دعمها، ما زال يحتفظ بقوة ذات مغزى في أوساط أعضاء «الليكود». وثانياً، إنها تشكل استدعاء للمشاكل. ففي حال شكل نتنياهو الحكومة المقبلة، سيكون ملزماً بتعيين امرأة كوزيرة، وسيكون من الصعب عليه استبعاد ريغف، بهذا الشكل أو ذاك، وسيتوجب عليه الاخذ بالاعتبار حجمها داخل الحزب.

ريغف هي المحور: كمجندة وقفت على رأس العازفين في فرقة جيش الدفاع «الاسرائيلي». وهي تلوح في «المارش» بعصاها. الجمهور كان يصفق لها، ولكنها لم تكن هي التي تقرّر للفرقة ما تعزفه.

بإمكانه أن يشفق لإزاحة فيغلين، فليس نتنياهو هو الذي ضرب فيغلين ولكن أبناء قومه، من المستوطنين. ففي «الليكود» ثلاثة إلى أربعة أجنحة للمستوطنين، ولكل جناح برنامجه الخاص. فجنرال سماسرة الاصوات، وجد نفسه خارج السماسرة أنفسهم. وهذا صحيح، على ما يبدو، في ما حصل مع حاييم كاتس، الذي جمع عناصر قوة هائلة بسيطرته على الآلاف من عمال الصناعات الجوية الذين التحقوا بـ«الليكود». ونظراؤه خانوه. ولكن عماله أيضاً خانوه، وهذا ما سنتبين منه عندما تُفتح صناديق الاقتراع.

إحدى القواعد الاساسية في الانتخابات في «إسرائيل»، أن تشكيل القوائم من شأنه أن يؤذي فقط. فهي لا تجلب مصوّتين جدداً، لكنها تشعل الكراهية القديمة. وعندما يتم الحديث عن قائمة جديدة ـ لابيد في الانتخابات السابقة، وكحلون في هذه الانتخابات ـ فالاسماء تحتل العناوين يومياً، وتساعد المحللين لمعرفة إلى أي اتجاه ينتمي الحزب. وما إن يصل الناخبون إلى الصناديق، تكون الاسماء قد نُسيت. إسم ليفني ساعد حزب العمل لأن يشكل البديل. إلا انه لم يجعل منه البديل لغاية الآن.

بالنسبة إلى ما حصل، هو ما حصل، والامر يحمل بشرى سيئة وأخرى جيدة. البشرى الجيدة هي الاستقرار، والبشرى السيئة هي اللامبالاة. ففي الأيام الـ75 المقبلة والمتبقية لإجراء الانتخابات، يتوجب على نتنياهو تجنيد كل ما في وسعه من أجل إيجاد حزب مجدّد. فبينت يقف أمامه كحزب «ليكود ب»، نسخة صغيرة وأكثر انتعاشاً وشبابية. وعلى الجمهور اليميني أن يقرر بين سيارة كبيرة، قديمة، ومهلهلة، وبين سيارة صغيرة سريعة وهجومية. إنه تحدّ كبير، فعلى نتنياهو أن يصل أولاً، وبفارق كبير، بعد ذلك عليه تقاسم السلطة. والتحدّي ما زال أمامنا.

يجب تجفيف المستنقعات.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى