حسين أبو النمل… في ذاكرة فلسطين والأمة
} معن حميةّ
آلمني كثيراً رحيل الدكتور حسين أبو النمل. فالرجل من طينة المناضلين الخُلّص الذين لم يبدّلوا في قناعاتهم تبديلاً، وقد انخرط في مسيرة النضال من أجل فلسطين، وشكّل قيمة مضافة، فكريّة وثقافيّة، مسخّراً كلّ سنيّ حياته من أجل فلسطين التي سكنت عقله وقلبه.
الدكتور حسين أبو النمل، الفلسطيني المولد والانتماء. كان في الخامسة من عمره عام 1948 حين هجّر الاحتلال اليهودي عائلته من أرض فلسطين كما عشرات آلاف العائلات الفلسطينية التي اقتلعت من فلسطين بقوة الإرهاب والعدوان.
عائلته كافحت من أجل تعليمه، وهو اجتهد إلى أن حاز درجة دكتوراه في الاقتصاد، ولم يبعده الاختصاص عن مشاقّ النضال، فانخرط في صفوف الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وقد أهلّه ثباته ونضاله لأن يصبح مسؤولاً وقيادياً في الجبهة الشعبية.
وضع العديد من المؤلفات والأبحاث عن الواقع الفلسطيني والتحديات التي تواجه المسألة الفلسطينية، وكان مشدوداً لا بل منحازاً بالمطلق إلى خيار الكفاح المسلح سبيلاً وحيداً لتحرير فلسطين، ومن المتشدّدين في الدعوة إلى تعزيز ثقافة الانتماء لفلسطين بمواجهة محاولات طمس هوية فلسطين.
التقيته للمرّة الأولى في 15 أيلول 1993 لإجراء حوار لمجلة «صباح الخير» حول مخاطر اتفاق أوسلو على المسألة الفلسطينيّة، وذلك بعد أنّ أصدر الحزب السوري القومي الاجتماعي أول المواقف الرافضة للاتفاق المشؤوم، والداعية إلى أوسع حملة رفض وإدانة للاتفاق المذكور.
تأخرت عن موعدي معه ساعة ونصف الساعة، لأنّ حواراً آخر كنتُ أجريه مع الراحل الدكتور أنيس صايغ حول الموضوع ذاته، استمرّ زهاء 4 ساعات. وما أن وصلت الى موعدي الثاني متأخراً، حتى بادرني بالقول: «لا تعتذر عن التأخير لأنني أعرف سببه»، وأضاف: لقد حدّثني الدكتور أنيس عن المقابلة وبأنه سيحرص على شرح مخاطر اتفاق أوسلو على القضية الفلسطينية ونضال شعبنا، لتشكّل مادة تعبويّة لمواجهة الاتفاق المشؤوم بما يصبّ في خانة دعوة حزبكم لرفضه وإسقاطه، وأنا سأكمل في الاتجاه ذاته، ولا أضمن لك أن تنهي الحوار معي في الوقت الذي تريد».
بعبارته تلك المصحوبة بابتسامة أعفاني من تقديم الاعتذار عن التأخير، لكنه ألزمني طوعيّاً بصداقة امتدّت لربع قرن من الزمن. لقد ردّد عبارة «يا صديقي» مرّات عدة خلال الحوار، ودعاني إلى أن نلتقي مجدداً وباستمرار.
لا أزال أذكر ذلك الحوار، فالصديق الراحل الدكتور حسين أبو النمل كان شخصاً ملمّاً وعميقاً وعبقرياً، وقد جزم بأنّ اتفاق أوسلو هو بداية لمسار يرمي إلى تصفية القضية الفلسطينية، وأنه تنكّر لكلّ تضحيات الشعب الفلسطيني في سبيل التحرير والعودة.
بعد الحوار الصحافي، التقيته مرات كثيرة وفي العديد من المناسبات وتوطّدت الصداقة، ولا أبالغ في الوصف إنْ قلت بأنّ الصديق حسين أبو النمل، كان إنساناً رصيناً وهادئاً، مفكراً، ومثقفاً بامتياز ومناضلاً قبل أيّ شي آخر، لأنه آمن بعدالة قضيته، قضية فلسطين التي تثبت الأحداث والتطوّرات، أنّ تحريرها من الاحتلال اليهوديّ لا يتمّ إلا عن طريق الصراع والمقاومة.
التحية لروح الصديق حسين أبو النمل، ولكلّ المناضلين من أجل فلسطين ولكلّ الشهداء الذين استشهدوا على درب فلسطين. والعزاء للجبهة الشعبية وكلّ أحرار فلسطين والأمة وللفاضلة شريكة حياته.
وداعاً «يا صديقي»؛ فأمثالك وإنْ رحلوا جسداً، لكنهم سيبقون أحياء في ذاكرة أبناء فلسطين والأمة.