من زاوية نظر «داعش»: رواية القلمون

يوسف المصري

قبل نحو شهرين خاضت مستويات قيادية في كل من «جبهة النصرة» و»تنظيم الدولة الإسلامية» داعش ، حواراً بهدف إبرام توافقات فقهية وسياسية وعسكرية بين الحركتين. وضمن هذا الحوار جرى بالأساس نقاش لموقف الطرفين من مقولتين فقهيتين داخل أطروحة ما يعرف بفقه الجهاد الذي تسترشد به الحركات التكفيرية. والمقصود هنا عما إذا كانت المرحلة تستوجب أن يتم إعطاء نظرية أو أطروحة «العدو القريب» أولوية في التطبيقات العملية في سورية، على أطروحة «العدو البعيد»، أو العكس؟.

لم يؤد نقاش المفاضلة بين الطرفين حول هاتين الأطروحتين إلى توحيد موقفهما بهذا الخصوص فـ»النصرة» رأت أن الأولوية يجب أن تكون لتوجيه «الجهاد» ضد «العدو القريب»، والمقصود به في الساحة السورية، هو «النظام»، أما «داعش» فأصر على أن «الجهاد ضد النظام» يجب أن يمر أو أن يتخلله «جهاد» في الوقت عينه ضد «العدو القريب»، وهو هنا كل أطراف المعارضة الموجودة على الأرض السورية البعيدة عن مناخ «القاعدة» بحسب تأويل «داعش» له.

وبحسب المعلومات التي تسربت عن هذا النقاش فإن الجهة التي دعت إليه هو الشيخ أيمن الظواهري الذي بذل جهداً لجمع الطرفين حول طاولة نقاش، بهدف توافقهما على أسلوب جهادي يوحد طاقاتهما وينهي حالة التقاتل بينهما، ويعيد بالتالي شيئاً من اللحمة بين «قواعد المشرق» و»القاعدة» المركزية التي يمثلها الظواهري الشاكي من تناقص مركزيته.

لم يفض النقاش إلى نتيجة، ولم تكن قضية المفاضلة بين «العدو القريب» و»العدو البعيد» هي كل الإشكالات التي لم يستطع نقاش «النصرة داعش» إيجاد توافق عليها. فـ»داعش» يريد «جبهة جهادية» في العراق وسورية بزعامتها، و»النصرة» تريد خصوصية لها في سورية.

وأكثر من ذلك، فإنه منذ بدا للطرفين أن نقاشهما ذاهب حتماً للحائط المسدود، وحتى قبل فضه، قام «داعش» باغتيال أحد مسؤولي «النصرة» الذي كان له دور ملحوظ في التوسط من أجل تنفيذ رغبة الظواهري بعقد نقاش بين الطرفين. وعلى رغم أن مسؤول «النصرة» الذي اغتيل يعرف بغير كنية، إلا أن العلامة التي تميزه هو علاقته بـ»أبو خالد السوري» الرجل الذائع الصيت في تنظيم «القاعدة».

ويضيف سياق هذه المعلومات أن داعش إثر فشل الحوار نفذ عمليتين عسكريتين ضد منطقتين منفصلتين تسيطر عليهما «النصرة»، وتتحكمان بأبرز مدخلين للعبور بين القلمون وبين الغوطتين الشرقية والغربية. ونجح «داعش» في طردها منهما، وبدأ بعد ذلك بإرسال تعزيزات عبرهما لدعم تواجده في مناطق في القلمون محاذية للحدود اللبنانية. وقاد هذا المسار إلى إرسال نحو 400 مقاتل من «داعش» إلى هذه المناطق، إضافة إلى نجاحه في استقطابه عشيرة من البدو تعتاش على التهريب عبر هذه المعابر الحدودية بين القلمون والغوطتين، علماً أنها سابقاً كانت والت «النصرة» لذات الأسباب المصلحية التي والت من أجلها الآن «داعش». وأدى كل هذا التحول إلى جعل «داعش» القوة رقم واحد في القلمون بعد أن كانت السيطرة فيه معقودة لـ«النصرة».

وتتوقع مصادر مطلعة على ما يحدث داخل الجماعات التكفيرية في القلمون، أن تتسع سيطرة «داعش» في تلك المنطقة لتصبح هيمنته ساحقة، ذلك أن تجربة التكفيريين أثبتت أن الجماعات الضعيفة تقوم بالعادة بمبايعة التنظيم الأقوى القادر على السيطرة.

وتؤكد المصادر عينها أن أخطر نتائج سيطرة «داعش» على القلمون تتلخص في أمرين أساسيين، أولهما أن «داعش» يطرح أجندة إمارة في تلك المنطقة تمتد إلى مناطق لبنانية. وهذا الأمر أعاد من جديد إحياء «إمارة عرسال الصغيرة» وأيضاً على المستوى الأبعد «إمارة تمتد حتى ميناء طرابلس»، وهو الأمر الذي يحتاجه «داعش» الذي لا يمتلك مدخلاً على البحر. ولكن المصادر عينها تستدرك أنه خلال نقاش «النصرة» و»داعش» تم عرض موضوع لبنان، انطلاقاً من نظرية تفيد بأنه من الأفضل الاستيلاء على مناطق حدودية لبنانية ذات «هوية مذهبية حاضنة»، وحتى لو كان سكانها في هذه اللحظة لا يريدون دخول التكفيريين إليها، ولكن مثل هذه المناطق تظل أكثر مقبولية لإخضاعها واستمالتها، ودائما الكلام من وجهة نظر «داعش» .

الأمر الثاني يتمثل بصلة حصلت في القلمون بين «داعش» وعناصر تواجدت فيه من جماعة «بيت المقدس»، وهو تنظيم سلفي إرهابي متواجد أساساً في شمال سيناء ويشن حرباً إرهابية ضد الجيش المصري. وتفيد معلومات أن هذه الصِّلة كان لها دور في جعل «بيت المقدس» في مصر تعلن مؤخراً عن مبايعتها لـ«داعش». وكانت الاستخبارات المصرية أبلغت جهات معنية بملف تواجد إرهابيين مصريين في سورية، أن معلوماتها تفيد أن أعدادهم بلغت رقماً يتجاوز المئات، وأنهم بنوا صلات وثيقة مع «داعش»، الأمر الذي يجعل القاهرة معنية بأوثق علاقة أمنية مع الدولة السورية.

قصارى القول إن القصة الآنفة تقدم صورة عن مسار تطور خطر بدأت خيوطه بالتراكم منذ نحو ثلاثة أشهر، وهو يضع لبنان وحتى دول أخرى أبعد كمصر أمام تهديد جديد، وذلك انطلاقاً من التحول المفصلي الذي شهده القلمون على مستوى توزع قوى التواجد التكفيري فيه، ونجاح «داعش» هناك في حسم الصراع لمصلحتها ضد الآخر المعارض والتكفيري.

والسؤال الذي يشغل بال ليس لبنان فقط بل دول أخرى في المنطقة هو: ما هي خطوة «داعش» التالية؟ وهل في أجندته فعلاً كما تؤكد بعض المعلومات تعزيز حشوداته البشرية في أجزاء القلمون المحاذي للحدود اللبنانية من أجل تنفيذ الغزوة الأم، وهي الوصول إلى مرفأ طرابلس الذي كانت «النصرة» فشلت في تحقيقه؟!. هل يحتمل المشرق وصولاً لمصر إمكانية أن يتحول مرفأ طرابلس إلى مرفأ شبيه بمصراتة الليبي؟؟!

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى