لن تنجح محاولات إلهاء الناس عن المطالبة بحقوقها…
} علي بدر الدين
قيل إنّ الرئيس الأميركي الاسبق جورج بوش الابن دعا رئيس الحكومة البربطانية السابق طوني بلير الى الغذاء وبعده خرجا الى الصحافيين لإطلاعهم على ما اتخذاه من قرارات فقال بوش: «قرّرنا قتل عشرين مليون مسلم وطبـــيب أسنان واحد»، فاندهش الصحافيـــون بهذا القرار ونظروا الى بعضهم والجميع متلهّف لمعرفة من هو الطبــيب. ولماذا وقع الاختيار عليه وما الجريمة الكـــبرى التي ارتكبها فتبسّم بوش ثم همس في أذن ضيفه «ألم أقل لــــك انّ أحداً من الصحافيين والرأي العام لن يهـــتمّ بالعشرين مليون بشري وقد نجحنا بإشـــغالهم بالطبيب وعدم الاهتمام بقرار الإبادة». هذه هي سياسة الحكام تلهي الشعوب بالقشور واستجرارهم الى أمور وهمية حول قضايا لا تعنيهم سوى أنها تدفعهم إلى الفضول وإثارة الغرائز والأحقاد المكبوتة في داخلهم وهم يمارسون أجنداتهم في التسلّط والفساد والنهب المنظم والممنهج والسيطرة على مواقع القرار ومقدّرات الدول والشعوب.
هذه السياسات المخادعة والإلهائـــية نسخــتها الطبقة السياسية في لبنان من بعد اتـــفاق الطائف، والتي كلما اقترب منها الخطر او اســــتباقاً له تبدع في إخراج أوراق تعتقد أنها موضع خلاف بين اللبنانيين قصيري النظر وقد فاتهم الوعي وانغمـــسوا في التبعية والارتهان حتى العظم وأعماهم الجـــهل وباتوا مجرد دمى في أيدي حيتان السياسة وغيلان السلطة والمال واحتياط بشري غبّ الطلب لتنفيذ الأوامر العليا وإشغال أنفـــسهم وبيئاتهم والآخرين من شركائهم بالوطـــن بمعارك وصراعات على لا شيء او على منصب ليس لهم فيه ناقـــة أو جمل او على حقل او جدار فاصل بين لبنانيين في منطقتين ليسوا من طائفة او مذهب واحد مع ان الخلافات العقارية والإرثية مزمنة ومتراكمة وتحصل بين العائلة الواحدة، ولكن في بلدة لاسا الامر يختلف كثيراً لدى البعض لأنها قنــبلة موقـــوتة، هـــكذا أراد لها لتفجيرها متى يشاء وهـــي ليست القنبلة أو الملهاة الوحـــيدة، فهنـــاك سلعاتا التي قد تتحوّل إلى بركان يطيـــح بإقـــرار بناء محطات او معامل لإنتاج الطاقـــة في مناطـــق أخرى بعد عقــــود لتعوّض على الشعب معاناته المتراكمة والمزمـــنة من حرمانه من التغـــذية بالكهرباء منذ ثلاثة عقــــود وكلـــفت خزينة الدولة ما يقارب جزءاً كبيراً من ديـــون لبنـــان ولا يزال يغرق بالعتمة من أقصاه الى أقصاه، وحتى نكون منصفين فإنّ التغذية تكون لبضـــع ســـاعات متقطعة وضعيفة لأنّ مهمة التغذية أصبحت على عاتـــق مافيا المولدات لأصحابها من أزلام الطبـــقة الســـياسية، في حين انّ دائرة إشغال الناس تمدّدت الى قـــوات الطوارئ الدولية وعددها وتوسيع انتشارها ومهامها في مشروع مشبوه والدعوة سراً وعلانيـــة لتنفيذ القرارين 1559 1701 فضلاً عن إشغال الجميع بالتعيينات الإدارية والمالية والقضائية لأنّ مصالح الطوائف والمذاهب والزعامات في الدقّ، يواكبها إطلاق شعارات وعناوين لا تعني هذا الشعب المغلوب على أمره لأنها لا تؤمّن له الاســـتقرار والأمان الاجتماعي، ولا توفر له العمل والتعليم والطبابة والبيـــئة النظيـــفة، ولا تحــفظ له العيـــش الكريم، ولا تعنيه كثيراً أو قليلاً أقله في الأزمات والمشكلات والتعقيدات الاجتماعية والمعيشية والصحية التي تخنـــقه وتحرمه من أدنى حقوقه وانّ الإعلان عنها أو التباهـــي بها في وقت الحشرة هدفه تسعير السجال العقـــيم والذي لا فائـــدة منه بالحديث مثلاً عن الفيدرالية والطائف والصيغة واللامركزية السياسية والإدارية والطائفية الســـياسية وغيرها من الطروحات والأفكار على أهميتها وخطورتها في آن على الوطن والمصير ولكن ليس وقتها الآن والبلد بأكمله على كفّ عفريت الانهيار الكامل.
انّ ما يحصل لإدخال لبنان في المتاهات والمجهول من معظم الطبقة السياسية، وأخذ الشعب الى مكان آخر لإلهائه وصرف أنظاره عن سياسة الفساد والمحاصصة والمـــصالح الخاصــة والأمــوال المنهوبة والمهرّبة الى الخارج وتضييع أموال ما يقـــارب ثلاثة ملايين مودع في المصارف لن تحصل ولن يخدمها مثال بوش وبلير لانّ هذا الشعب بأكثريته قارب الوعي واستـــفاق من غيـــبوبته وانْ متأخراً وليس بالقدر الكافي ولن ينسى انّ هذه الطبقة هي المسؤولة عن الوضع المأســـاوي الذي يرزح تحـــته وعن معاناته غير المســــبوقة، وعـــن الانهيـــار الاقتصادي والإفـــلاس المالي والديون المتراكمة داخلياً وخارجياً وعن إفقـــاره وتجويعه والتلاعب بالعملة الوطنية وارتفاع الأسعار وزرع بـــذور الانقســـام بين مكوّنات البلد وهي إما فاعـــلة أو شـــريكة أو متواطئـــة بالأدلة والبراهين ولا مجال للإنكار والتهرّب من المسؤولية الكاملة ومن خيانتها لأمانة الشعب وثقته.
انّ اللبنانيين رغم كلّ الظروف والضغوط لن يقبلوا بعد اليوم بإفقــارهم وتجويعهم والانغماس في مشاريع جانبـــية تخدم الطبقة الســـياسية وتقوّي نفـــوذها وتراكم ثرواتـــها وهم يبحثون عن لقمة خبز أو عمل يقيهم الجوع والمرض من دون طائل، والحقيقة يجب أن تقال وبصوت عال، ومَن تحت إبطه إبرة فليصرخ ويتألّم لأن الثلج ذاب وانكشف المرج والمستور فيه والأقنعة سقـــطت عن وجوه السياسيين وكـــلّ من تولى موقعاً او منصباً او وظيفة، وبات الكلّ مســـؤولاً عـــما حلّ بالبلد من أزمات ونكبات وانهيارات وإفلاس وإفقار وتجويع حتى يثبت العكس ويتجـــدّد الأمل بالإنقـــاذ بإعــادة ما تمّ نهبه من أموال بدلاً من التســـكّع أمام صناديق نقد دولية والتسوّل منها والثمن الســـياسي والاقتصادي والمالي سيكون باهظاً على الجميع ولـــن يســلم من تداعياته وشـــظاياه حتى الذين ســـاهموا في الوصول اليها وسوّقوا لها، والأمل ان يكونوا من لأول الضحايا كجزاء لهم على ما اقترفوه بحق الوطن والشعب.