الحياد الوهمي للمعارضة السورية…

جمال العفلق

منذ بداية الأحداث السورية، اتخذت هيئة التنسيق سياسة مسك العصا من الوسط. فهي لم تدخل في العمليات العسكرية، ولكنها في الوقت نفسه، لم تكن بالمستوى الوطني المطلوب في توصيف الأحداث الدامية في سورية.

بقيت تلك المعارضة تعمل وفق سياسة توزيع الأحكام بالتساوي، وهي بذلك لم تُنصف الشعب السوري الذي تدّعي أنها تمثل جزءاً منه. فمن جهة كانت تطالب بالحلّ السياسي، ومن جهة أخرى لم تعلن دعمها الصريح للجيش السوري في حربه ضدّ الإرهاب، وبقيت طوال السنوات الأربع تقريباً تساوي بين العمليات الإرهابية التي تقودها مجموعات مسلحة تتبع علانية لكلّ من قطر وتركيا والسعودية و»إسرائيل»، وعمليات الجيش السوري في تحرير الأراضي السورية ومحاربة الإرهاب، وهذا في حدّ ذاته يعتبر إجحافاً في حق الشعب السوري الذي يعاني من الإرهاب المدعوم من أعداء سورية.

واليوم، ومن خلال الصراع الدائر بين الجماعات الإرهابية من جهة، وبين التيارات السياسية التي لا تملك قراراً سياسياً في الحلّ السوري من جهة أخرى، تسعى هيئة التنسيق إلى إضفاء الشرعية على ما يسمى «الائتلاف» من خلال التحاور معه تحت عنوان «تنسيق المواقف»، وقد بدأت حركة الاجتماعات غير الرسمية في دبي والقاهرة واسطنبول من أجل الوصول إلى ورقة عمل تكون، على حدّ زعم القائمين على هذه الاجتماعات، ورقة مطالب موحّدة تُحمل إلى موسكو، برعاية مصرية وعربية، وهذا الأمر وإن كان طبيعياً في العمل السياسي، إلا أنه غير منصف على الأرض. فهذا التحالف الهشّ أصلاً، بين قوى «المعارضة السورية» لا يملك آلية التطبيق على الأرض، هذا إذا كانت هيئة التنسيق فعلاً، صادقة في طرحها السياسي في إنهاء القتال والجلوس إلى طاولة المفاوضات، حيث يُصاغ الحلّ السياسي السوري ـ السوري.

وسبب هذه الهشاشة أنّ القوى الأخرى تعمل وفق أجندة غير سورية تنحصر في تحويل الصراع إلى صراع مذهبي طائفي من خلال الدعم المالي والعسكري من السعودية وقطر وتركيا. والجانب الأسوأ في الطرف الآخر هو الجانب المدعوم من «إسرائيل»، والتنسيق قائم على أعلى المستويات وبإشراف أميركي، حيث يشكل أمن «إسرائيل» القاعدة في أيّ ورقة سياسية.

ورغم ادّعاء هيئة التنسيق أنها توثِّق جرائم في حقّ الشعب السوري، إلا أنها تعلم أنّ وراء أكثر تلك الجرائم، الأذرع العسكرية لما يُسمى «الائتلاف»، وهي مجموعات مستقلة تعمل بتمويل تركي وعربي، عدا عن جرائم «داعش» و«النصرة» و«جيش الإسلام» الذين يعملون بدعم مباشر من «إسرائيل» والسعودية وقطر وأميركا، وهذا ما يدفع المواطن السوري إلى سؤال هيئة التنسيق: متى تعلنون عن هذه الجرائم؟ سؤال قد تكون الإجابة عنه طويلة جداً ولها مبرِّرات، بما يوحي أنّ هيئة التنسيق تحتفظ بهذه السجلات ليس كورقة قانونية تريد منها محاكمة من ساهم في قتل الشعب السوري، بل كورقة ضغط سياسي تلوِّح بها عندما تحتاجها من أجل مكاسب سياسية.

وما الصراع العسكري الدائر اليوم بين الجماعات الإرهابية المسلحة، إلا حالة سباق مع ما يحدث من صراع خارج سورية، بين ما يُسمى معارضة سورية، كلّ جزء منها محسوب على مموِّل خاص به.

ويبقى هذا الحياد الوهمي الذي تدّعيه المعارضة، أقرب إلى أفعال العصابات الإرهابية ومموّليها، حيث أنّ الوضع الميداني يفرض قاعدة واحدة على كلّ السوريين وهي قاعدة دعم عمليات الجيش السوري في تطهير الأرض السورية من رجس الإرهاب. فلم يعد منطقياً اليوم أن نتحدث عن جيش يضرب مدنيين، في وقت يعترف العالم كله بأنّ مئات الإرهابيين يجري إرسالهم إلى سورية والعراق يومياً، عبر الأراضي التركية.

وفي وقت تعلن فرنسا على لسان رئيسها فرانسوا هولاند، الندم على عدم التدخل العسكري في سورية، تصرّ هيئة التنسيق على قبول التحالف مع ما يسمى «الائتلاف»، وهو المتهم الأول في طلب التدخل العسكري في سورية تحت الفصل السابع، متناسية أنّ الائتلاف يقيم اليوم في فنادق تركيا التي تُعتبر المصدِّر الأول للإرهاب إلى سورية وصاحبة مشروع المناطق العازلة، بهدف الحدّ من تقدم الجيش السوري في جبهة الشمال وخلق كيان وهمي لـ«حكومة سورية معارضة» تدير حرباً طويلة على الشعب السوري، ترضي أميركا وتضمن لـ«إسرائيل» حرية التصرف في الجنوب السوري، وفق معادلة تقسيم لم يتمّ التخلي عنها بعد من قبل أميركا التي تحاول اليوم اللعب من خلال الوسطاء بالقضية السورية لإبقاء الحرب دائرة فيها.

ويمكن لهيئة التنسيق والمعارضة السورية في الداخل، الذهاب إلى موسكو من دون تحالف مع ما يسمى «الائتلاف»، لأنّ الأخير أصلاً، لا يملك قاعدة شعبية إنما يملك فقط التمويل الدولي.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى