العنصريّة خلف وجه الحريّة
} حنان سلامة
لم تغب يوماً الممارسات العنصرية الخاطئة عن الولايات المتحدة الأميركية، وإنْ تخفّت أحياناً في الظلّ الوهمي للحضارة، فهي مرضٌ متفشّ في عصرنا، وعلينا مكافحته.
فالعنصرية الأميركية الكلاسيكية المعادية ضدّ جماعة عرقية ملوّنة، تجرّد الأميركيين من إنسانيتهم، وتظهر آثارها على الفرد والمجتمع. فالتفرقة لا تنبع من اللون، بل من العقل. لذا، علينا أن نعالج هذا الوهم الذي أفرز مفهوماً زائفاً عن «تفوّق جنس على آخر».
بشرية واحدة تسكن كوكب الأرض، في بيئات متمايزة وأوطان متغايرة، لكن يجمعها مصير كوني مشترك. فإذا فهمنا هذه الحقيقة، نخطو إلى عالم السلم والعدالة، ونستأصل كلّ أنواع التعصب. فما يوحّد البشر من مبادئ الحق والخير والجمال والعدالة تمكّن في حال تحققها من العيش المشترك في كوكب واحد مستقرّ هو «الأرض». فقبل أن نطالب بوحدة العالم، علينا أن نقرّ بوحدتنا الإنسانية رغم اختلاف اللون أو العرق أو الدين.
إنّ انبثاق الحضارة العالمية تبدأ من اتخاذ خطوات حثيثة لاستئصال كلّ أشكال التمييز المبني على أساس الدين أو العرق أو اللغة.
نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى خلق مجتمع سلمي، ولا داعي للإشارة إلى أنّ العنصرية لم تدخل مجتمعاً إلا فرقته وجزأته.
يمكننا أن نتصدّى للعنصرية والسلوك المتعصّب عند فهمنا بدايةً لحقوق الإنسان. فالاعتقاد بأنّ هناك فروقاً بطبائع الناس وقدراتهم هو موروث خاطئ. فعلى سبيل المثال لا الحصر، إنّ العنصرية في الولايات المتحدة الأميركية أعطت امتيازات للأميركيين البيض دوناً عن كلّ الأعراق الأخرى، ومن ثم تمّ حظر هذا التمييز رسمياً. فتغيّرت وجهة النظر نحو هذا الموضوع بشكلٍ كبير، وكان ترشيح باراك أوباما للرئاسة كأوّل رئيس «أسود» لأميركا دليلاً على تحوّل الأمة إلى عصرٍ جديد. لكن الموروث الخاطئ يطغى على كلّ القوانين، فما لبث أن بدأ «التحالف الأبيض» بعد فترةٍ يسعى إلى طرد الأقليات من أميركا، وأضحى العنف العنصري يهدّد السلم، ويهدّد نظام حياة الأميركي «الأسود»، فمهما علا شأنه فهو يعاني من عدم المساواة مع البيض.
هذه الظاهرة التاريخية تتجلّى اليوم في انحياز القوى الأمنية لصالح «البيض»، فتقمع بقوة محاولة «السود» رفض الاضطهاد. هذه الظاهرة تأبى أن تزول رغم كلّ المحاولات لإنهائها، لأنها قابعة في العقول والنفوس.
هذا الحقد المدفون يبرز عند أول منعطف، فيتفنّن المتعصّب بالظلم والقتل.
هيهات أن يستسلم الليث طوعاً. هبّوا لسحق الإمبريالية كي تنالوا حقوقكم، وسارعوا للقضاء على الطاغوت. فها قد شبّ الحقد الدفين، وظهر في ركلاته وطلقاته.
في الموت حياة تتجدّد… انهضوا فلن ينفعكم الرقاد.
قتلوكم، ذلّوكم، سجنوكم، سلبوا منكم حقوقكم… فآن الأوان للانتفاضة.
تبعثرت لوحة الحضارة المهشمة وظهر خلف ظلها طيف الانتقام، وبثّ شعاعاً أنار الحقيقة الزائفة ليراها العالم أجمع. سقطت مقولة «المساواة» وسقط معها ثوب الإنسانية الفضفاض على الجسد الأميركي الحاقد.
اليوم أزهرت الورود، وأشرقت شمس الحرية لتذيب الجمود في النفوس، فالحقّ سيعلو فوق الشرّ. اليوم تفرضون وجودكم كإنسانٍ لا يختلف عن سواه.
الثورة الحمراء تحتاج إلى التخلص من حمى الأشرار ليفتح البابُ مصراعيه أمام الأحرار، وليرتفع العز بيرقاً بعد أن اغتصب المجد طويلاً. فلتُسحق «الأسطورة» بتضحيات الأبطال وسط أزيز الرصاص وتحت دماء الثوار. فليخرس اللسان الذي ينادي كذباً بالحرية والمساواة. فلتُعصر الأجساد لتروي قطرات دمائها الأرض كي ينمو الخير ويسطع العالم نضراً بزوال الداء.
ها قد تلطخت اليوم مجدّداً صفحات الحضارة المزيفة بدم الأبرياء الذين تحوّلت أرواحهم إلى أعاصير وبرقٍ ورعدٍ سيصل أثره إلى كلّ بقعة أرضٍ يسودها ظلمٌ. سيصل إلى فلسطين والعراق وسورية ولبنان. سيمرّ فوق أرض فيتنام واليمن وكوبا وفنزويلا وكلّ أرض دنّسها الفجور الأميركي.
هُنا تُبانُ الحقيقةُ التي لطالما حاولَ أنْ يُخفيها راعي البقرِ
منذُ عهدِ المُسَدّسينِ على الخصرِ.
هُنا يُزاحُ البُرقُعُ عن وجهِ الحضارةِ كي يظهرَ وجهُ العنصريةِ، والخنجر على النحرِ.