حزب الله والتكفيريون… عداء عميق في التاريخ… والمستقبل أيضاً

د. وفيق ابراهيم

لا تنحصر علاقة الاحتراب بين حزب الله وقوى التكفير في العالم الإسلامي بالأسباب التاريخية فقط، بقدر ما ترتبط أيضاً بتباين عميق في المفاهيم حول تنظيم «الحاضر» واستشراف المستقبل.

ولأنّ عمق الحزب ديني، فإنه يَسْتقي من الشريعة الإسلامية مباشرة مفهوم «المعاملات» أي سياسة إدارة الحاضر، أو بإيعاز منها على الأقل.

لذلك تبدو الأسس الإسلامية التاريخية واحدة بين القراءات المذهبية المتعدِّدة، ولا تختلف إلاّ حين إدراكها مسألة تنظيم الحاضر والتهيؤ للمستقبل.

هناك أربع مسلَّمات لا يختلف عليها المسلمون الله، الإسلام، القرآن والنبي ، وتتباين بعد هذه المرحلة نظرة المسلمين إلى المراحل المتعاقبة.

هناك من ينهل من مرحلة وينتقد أخرى، مقابل اعتماد الآخر على مصادر مختلفة. فلا إكراه في التقليد والاستناد، والمفترض أن يكون التباين عنصراً غنياً، لا مجرّد وسيلة لإثارة التناقضات التاريخية والاجتماعية.

بدايةً، يجب الإقرار بأنّ حزب الله ليس تنظيماً لنشر الدين أو المذهب، فزمن «الفتوحات» قد انتهى إلى غير رجعة واستقرّت الأديان والمذاهب في «مساحات تاريخية»، وأصبح تنظيم العلاقات في ما بينها، مسألة هامة جداً وهو الحاضر، وبناء الأسس المركزية لتطورها هو المستقبل.

وبعد انتهاء الاحتراب بين فئات الإسلام، مع انتهاء المراحل المملوكية والعثمانية وما خلفته من دماء وحساسيات وعصبيات بين المذاهب والطوائف، برزت مشكلتان: الاستعمار الأجنبي وإدارة الأنظمة السياسية.

وأدّى اتكاء «الداخل» الوطني على «الخارج» الغربي إلى ظهور طبقات حاكمة احتكرت كلّ أنواع الموارد في العالم الإسلامي، ترفع راية الدين تارة وأعلام المدنية طوراً، فتظهر هجينة تنتمي ولا تنتمي. فضاعت فلسطين ودُمّر لبنان وسورية ومصر والأردن غير مرّة من العدو «الإسرائيلي»، وجرى نهبٌ منظمٌ لثروات العالم الإسلامي من قبل الطبقات الداخلية والغرب.

ظهرت أربع محاولات لقيادة العالم الإسلامي مع «الوهابية»، التي اكتفت بجزيرة العرب، ومع الإخوان المسلمين الذين يظهرون عاماً وينامون عقداً، حزب الله، والتكفيريين، وكان الخلاف على قيادة الحاضر والمستقبل. وبالنسبة إلى حزب الله، فهو يعتبر أنّ ما يجمع المسلمين هو تحرير فلسطين والأراضي العربية المحتلة. فالعدو ليس إلا حربة للنفوذ الغربي يحرّكها ساعة يشاء وكيفما يشاء. وليس ممكناً أن ندّعي محاربة «إسرائيل»، فاتحين في الوقت نفسه علاقات صداقة مع القوى الغربية التي تحميها وتقدم لها كلّ أنواع الدعم لتدمير البلاد العربية المحيطة.

يمارس حزب الله، عن قناعة، مسألة توفير الإجماع الداخلي بين المسلمين، وبينهم وبين المسيحيين، كوسيلة لمجابهة العدو، مؤمناً بدور كبير للعالم الإسلامي وبدور للأحرار في العالم الغربي أميركا اللاتينية، روسيا والصين ، في تلك المجابهة. لذلك تجاهل الحزب الخلافات الطبقية لمصلحة تقديم الوطني والإسلامي على المحلي الداخلي، في وقت تتحكم السياسة الغربية عموماً والأميركية خصوصاً، بكامل العالمين العربي والإسلامي، وقد أبدى الحزب حرصاً على علاقاته بالمسيحيين العرب والمنتمين إلى قوميات غير عربية من المسلمين.

لجهة المسيحيين، يعرف الحزب أنهم ليسوا مجرّد أقليات أهملهم التاريخ لتغيّر في موازين القوى السياسية والعسكرية. فهم أهل البلاد وسابقون على الإسلام في الوجود في بلاد الشام والحجاز ومصر والعراق وأعالي اليمن، لذلك فإنّ لهم حقاً في الدور السياسي والمشورة في كلّ أمر.

أما عن علاقاته بإيران، فقد أنتجت فائدة على قضية فلسطين وتحرير لبنان وصمود سورية وإبقاء العراق واقفاً على قدميه، ويكفي أنّ الحزب لا يقبل بأي احتلال للعالم العربي، من أي جهة أتى، ولا بأس من التذكير بأنّ الإيرانيين لم يعتدوا على بلد عربي منذ الفتوحات الإسلامية. وكانت حروبهم ضدّ الأتراك تجري على أرض العراق الذي كان محتلاً من العثمانيين، ولم تكن ضدّ العراقيين كما يروّج التكفيريون في الوقت الحاضر.

ويبدو الحزب منفتحاً على العلوم والتكنولوجيا ولا يفرض نظرته الإسلامية على النساء والرجال تاركاً لهم حرية الاختيار.

في المقابل، يقدم التكفيريون أنفسهم على أنهم ولاة للشريعة، وحسب قراءاتهم التي تتيح لهم إفناء الأقليات الإسلامية والمسيحيين الأيزيديين والصابئة والمندائيين والأشاعرة السنّة. فهم يريدون بناء نظام «إسلاموي» يقوم على إعادة إنتاج الظروف المادية والاجتماعية التي كانت سائدة قبل آلاف الأعوام. مكان المرأة، بالنسبة إليهم، زاوية في المنزل تؤدّي دور جارية مطيعة قابلة للطلاق في أي لحظة، ولا مكان لغير شبيههم إلا في القبور.

وطنياً، هم ليسوا على عداء مع «إسرائيل» والجولان السوري المحتلّ يشهد على حسن علاقاتهم بالعدو «الإسرائيلي». فهم يريدون الاستئثار بالحكم في العالم الإسلامي لتطبيق نظرياتهم الخرافية. فكيف يعتبرون أنظمة سياسية مثل أنظمة الخليج وشمال أفريقيا وأندونيسيا وباكستان أكثر التصاقاً بالإسلام من إيران التي يعادونها لمجرّد أنها تنتمي إلى الإسلام الشيعي المعترف به من قِبل الأزهر الشريف.

حزب الله والتكفيريون، مشروع حرب مفتوحة بين مفهوميْن للإسلام، الحزب يرى فيه ديناً أُممياً إنسانياً ومقاوماً في وجه الاحتلالات الأجنبية والتخلف الداخلي. والتكفيريون يريدون تحويله إلى مجرّد مفاهيم ساقطة عن الجواري والقيان وذبح الآخر والتجارة في أسواق البغاء وإعادة عصر المماليك. أما من ينتصر، فتلك حكاية أخرى لأنّ التاريخ لا يقف إلا مع أنصار التطور وحزب الله هو من هؤلاء.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى