الرشوة قاعدة سلوك أميركية…!
محمد ح. الحاج
بعد اتفاقيات «مخيـم داوود» السيئة الذكر بين مصر والعدو الصهيوني التزمت الحكومة الأميركية بدفع معونة عسكرية لمصر تصل إلى حدود الملياري دولار بموافقة صهيونية ضمنية، وذلك للحفاظ على مسيرة «السلام»، وضمان ارتباط النظام المصري بالسياسة الغربية الهادفة ضمان أمن الكيان الصهيوني، وتفادي وقوع حرب جديدة قد تودي بالمشروع الصهيوني.
المعونة المالية الأميركية لا تقتصر على مصر أو دول بعينها، الكيان الصهيوني هو المستفيد الأول من المساعدات الخارجية الأميركية التي يقرّها الكونغرس الأميركي، إذ انّ المشروع هو صهيو ماسوني منذ التأسيس، ولأنّ الماسونية الصهيونية تسيطر على الكونغرس الأميركي بمجلسيه، فإنّ استمرارية دعم المشروع تبقى من أولويات السياستين الخارجية والعسكرية الأميركيتين، وأما المعونات الأخرى فإنها لا بدّ ترفد مصالح المشروع بكلّ الأشكال، ومنها الحفاظ على حيادية مصر، أو شراء صمت دول أخرى أو ولاء دول بعينها في المنطقة المشرقية، وحتى ضمن الصف الفلسطيني، وعلى هذا الأساس يبدأ التلويح بحجب المساعدات عن السلطة الفلسطينية بسبب توجهها إلى الأمم المتحدة مطالبة بتبنّي قرار إنهاء الاحتلال، أو انضمامها إلى محكمة الجنايات الدولية لملاحقة القيادات الصهيونية التي ارتكبت ولا تزال ترتكب جرائم حرب بحق الشعب الفلسطيني.
مشروع حلّ الدولتين هو مشروع أميركي تمّ طرحه منذ نحو ربع قرن، على أن لا يصل إلى وضعية التحقق، – سأجعل المفاوضات تمتدّ إلى قرن من الزمن دون أن تصل إلى نتيجة اسحاق شامير ! لم يمض منذ بدء المفاوضات في أوسلو سوى ربع المدة…
السياسة الأميركية الأكثر التزاماً بتنفيذ رغبات الأساتذة الماسون العظام…! الولايات المتحدة، كما بريطانيا ليستا مع إنهاء الاحتلال، أو قيام دولة فلسطينية فعلاً على أراضي ما قبل العام 1967، وأما القبول والمطالبة باستمرار المفاوضات فله هدف واحد هو الاستمرار في عمليات التهويد وتغيير ديموغرافية الأرض، ومعالم المدن والبلدات والقضاء على ذاكرة الأجيال، والأمر الأخير هو الأصعب منالاً.
الولايات المتحدة الأميركية بما لها من قواعد على امتداد العالم، عملت على عقد اتفاقيات ثنائية مع أغلب الدول التي تقيم قواعد على أراضيها توفر الحصانة لعسكرييها والعاملين في هذه القواعد، بحيث لا يتعرّضون للمحاكمة أو الملاحقة، كذلك لم توقع على اتفاقيات محكمة الجنايات الدولية! موقف استعلائي، لا يعترف بالقانون الدولي بل يعتبر أنه فوقه لأسبابه الذاتية…!
نتنياهو يكرّر الموقف نفسه فيعلن أنه لن يسمح بمحاكمة جنوده أو قياداتهم العسكرية أمام محكمة الجنايات الدولية رغم ارتكابهم لأقبح وأشنع جرائم الحرب والإبادة! هل نحن أمام مجتمع دولي عاجز أم…؟
الحقائق التي تتسرّب عن الأصول المالية التي تندرج في الموازنة الأميركية تحت بند المعونات والمساعدات الخارجية تشير إلى أنها من فائض، أو فوائد الأموال المتراكمة المخزونة من عائدات النفط، أو المحجوزة، أو المصادرة بسبب التقادم الزمني كونها سندات خزينة، وأغلبها من أموال الخليج، بالنتيجة يمكن فهم أنّ الكرم الأميركي هو من جيوب الآخرين، بالتالي يكون السؤال مشروعاً، لماذا لا تكون المعونة معلنة المصدر سواء لمصر أو للفلسطينيين أو حتى باكستان وأفغانستان باعتبارها دولاً إسلامية؟ أم لأنّ السعودية في واقع الأمر لا تعتبر نفسها المالك الحقيقي لهذه الأموال إلا بالقدر الذي ينصّ عليه الاتفاق الأول 10 في المئة فقط من قيمة العائدات، والباقي سندات خزينة أميركية لا تصرف المملكة منها إلا بموافقة وزير الخزانة الأميركي، وتسقط قيمة السندات بعد عشر سنوات وهكذا… إذاً وبكل بساطة أموال عائدات النفط في خدمة المشروع الصهيوني منذ الأساس وطبقاً لقول أميركي: «نحن من اكتشف النفط، ونحن من يستخرجه…» إذاً نحن أصحاب الملكية وما نعطيه لأصحاب الأرض أكثر من حقهم…!
كيف نطالب السعودية بأن تكون صاحبة «فضل» في تقديم المعونات وهي السباقة في استدراج النكبات إلى عالمها العربي «هذا، إن كانت العائلة تعتبر نفسها من هذا العالم»، لقد كان عبد العزيز أول من تعهّد بحماية «اليهود المساكين حتى تصيح الساعة»، مقابل ضمانة الغرب حماية عائلته ومملكته، وجاء في وصيته: لا تدعوا اليد السورية تصل إلى اليد المصرية، ولا اليد السورية إلى العراقية، فلكلّ جسد رأس وقلب، ورأس العالم العربي مصر، وقلبه سورية،.. اضربوا الرأس، واطعنوا القلب لتستمرّ مملكة آل سعود. ولقد كان الملك فيصل الأشدّ حرصاً على تطبيق وصية والده رسالته إلى الرئيس جونسون عام 1966 ومطالبته دفع العدو الصهيوني لمهاجمة مصر وسورية واحتلال أراض منهما… نشرنا النص كاملاً في مقالات سابقة وقد قام بالتعويض سراً على العدو الصهيوني في حينه طبقاً لما تعهّد به في الرسالة، واستأذن في تعويض الدولتين عن بعض خسائرهما على حدّ قوله ارحموا عزيز قوم ذلّ لكسب الشعب في الدولتين والالتفاف على القيادة فيهما وإظهارها بمظهر الضعف والخيبة، وهكذا ارتفعت أسهمه لدى الغرب على مدى سنوات ونال لقب الملك العربي بامتياز…!
السعودية قد تقدم في الزمن الحاضر معونات لمصر، كما أعلنت عن تقديم هبات للجيش اللبناني، وكلها مشروطة بحيث لا يكون خروج على الرأي والقرار السعودي في المجالين السياسي والعسكري… نقول في المعونات الأميركية إنها رشوة أبعد ما تكون عن الأخلاق، وهكذا هي المعونات السعودية والقطرية وغيرها التي لا تصرف إلا بالموافقة الصهيو ماسونية العالمية التي تتحكم بالبنوك والصناديق، قواعد التعامل الأخلاقي لا وجود لها في عالم السياسة، والحكومات التي تنهج مسالك التحكم بالشعوب الصغيرة أو الفقيرة لا تأخذ بالحسبان لا حقوق الإنسان، ولا النظم الديمقراطية، ولا الحريات… هي توائم سلوكها في سياق الحفاظ على مصالحها، أما العدو الذي يسيطر على عائدات ومداخيل الضرائب والرسوم الفلسطينية، فإنه يستخدمها لممارسة الضغوط على السلطة الفلسطينية لتطويق مساعيها، ودفع الدول المؤيدة له لممارسة الفعل ذاته، والقول إنّ المفاوضات هي الطريق الوحيد للوصول إلى دولة! ولكن، ربما بعد قرن، أو بعد فقدان الأرض التي يجب أن تقوم عليها دولة… أو ربما بلدية.
العالم بحاجة ماسة إلى نظام مالي تجاري يتحرّر من سيطرة الغرب، ومن مقدرته على استثماره في خدمة مصالحه، وممارسة التجويع والإفقار وفرض الحصار على الدول والشعوب التي تستهدفها مشاريعه التي تزداد تغوّلاً وشراسة، وهذا ما يعبّر عنه نهج معاقبة دول كبرى مثل روسيا وإيران والبرازيل وغيرها.. نظام تتساوى فيه الأصوات وتتحقق فيه العدالة… هل نحلم…؟