ما بين الضمّ والهدم… مخاطر وتداعيات القرار «الإسرائيلي»
} د. حسن مرهج
كثيرون ممّن يتبادر إلى أذهانهم تساؤلات تتعلق بعزم «إسرائيل» ضمّ الضفة الغربية وغور الأردن، لا سيما بعد توافقات تكللت باتحاد نتنياهو وغانتس، والاتفاق على تمرير تلك الخطوة، والمتزامنة مع ضوء أخضر أميركي طبقاً لما يُسمّى صفقة القرن، وعلى اعتبار أنّ جُل التطورات الإقليمية تسير بنسق متوافق مع التطلعات الإسرائيلية، الأمر الذي سيشكل الفرصة الذهبية لـ «إسرائيل» للإقدام على هذه الخطوة.
قبل الدخول والتعمّق بالقرار الإسرائيلي المتعلق ظاهرياً بالضمّ، لا بدّ من ترتيب نسق التصريحات الإقليمية والتسريبات الصحفية، للوصول إلى حقيقة مُفادها، أن المشروع «الإسرائيلي» ظاهره ضمّ، لكنه جوهره إخلاء وهدم نحو 200 مبنى صناعي يملكها فلسطينيون في حي وادي الجوز في القدس الشرقية، بأمر من بلدية القدس، وذلك كجزء من خطط لتطوير مشروع «وادي السيليكون».
في البداية أعلنت صحيفة «إسرائيل اليوم» أنّ مفاوضات سرية بين «إسرائيل» والسعودية وبوساطة أميركية، تهدف إلى تمكين السعودية من الحصول على موطئ قدم في الحرم القدسي على حساب تركيا، ما نُشر في الصحيفة يؤكد بأنّ الأردن يوافق في هذه المفاوضات على تمكين السعودية من الحصول على موطئ قدم في الحرم القدسي، كما أنّ الاتصالات السرية بين «إسرائيل» والسعودية تجري منذ شهر كانون الثاني/ ديسمبر الماضي.
في تفاصيل هذه التسريبات، أنّ الاتصالات «الإسرائيلية» السعودية تهدف إلى ضمّ ممثلين سعوديين في مجلس الأوقاف الإسلامي في الحرم القدسي، وما تمّ نقله عن «دبلوماسيين سعوديين رفيعي المستوى»، أنّ الاتصالات السعودية «الإسرائيلية» حساسة وسرية وتدار بغموض وتعتيم، كما أنّ هذه الاتصالات تجرى بواسطة طاقم من دبلوماسيين وجهات أمنية رفيعة من «إسرائيل» والولايات المتحدة والسعودية، إضافة إلى أنّ المفاوضات هي جزء من اتصالات لدفع خطة القرن قدماً.
المفارقة في ما نُشر، أنّ الأردن وتصريحاته السابقة لا تتوافق مع ما تمّ تسريبه، ويبدو أنّ الأردن موافق جُملةً وتفصيلاً على المشروع «الإسرائيلي» بأبعاده كافة، بما في ذلك خطة الهدم التي سنأتي على ذكرها تفصيلاً، فالأردن وافق بعد تدخل تركي كثيف في القدس الشرقية عموماً والحرم القدسي خصوصاً، على تبني جملة المواقف السعودية و»الإسرائيلية»، والأردنيون نقلوا رسائل إلى «إسرائيل» والولايات المتحدة بأنهم مستعدون لتليين موقفهم بشأن الحرم القدسي، شريطة ضخ السعودية ملايين الدولارات للجمعيات الإسلامية الناشطة في القدس الشرقية والحرم القدسي، كما أنّ الأردن اشترط أن تمارس السعودية ضغطاً لإبعاد المنظمات الإسلامية التركية العاملة في الحرم بغطاء فلسطيني.
السؤال الآن، لماذا سُرّبت هذه التفاصيل في هذا التوقيت تحديداً؟ وما الغاية الأساسية منها؟ هل لإحراج الأردن أو السعودية أو كليهما معاً ووضعهم في بوتقة التآمر العلني مع «إسرائيل» والولايات المتحدة؟ في جانب آخر أيضاً وله صبغة مميّزة في سياق «الهمروجة» الإعلامية، حيال ما نُشر في صحيفة «جيروزاليم بوست» الإسرائيلية، حيث ذكرت الصحيفة أنه من المقرّر إخلاء وهدم نحو 200 مبنى صناعي يملكها فلسطينيون في حي وادي الجوز في القدس الشرقية، وذلك بأمر من بلدية القدس كجزء من خطط لتطوير مشروع تطوير «وادي السيليكون»، ويتضمن المشروع خططاً لتوسيع المناطق الصناعية والتجارية والضيافة في القدس الشرقية في غضون عدد من السنوات، سيتمّ بناء حوالي 200 ألف متر مربع من المناطق الصناعية، مع التركيز على التكنولوجيا الفائقة، إلى جانب 500 ألف متر مربع من المساحات التجارية و 500 ألف متر مربع أخرى لخدمات الضيافة.
وأضاف بيان صادر عن بلدية القدس أنّ هذا أحد «المشاريع الأكثر تعقيداً» التي تمّ تنفيذها في القدس في العقود القليلة الماضية بهدف «إحداث التغيير على المستويين البلدي والوطني». وقال رئيس بلدية القدس موشيه ليون «نحن نتخذ خطوة إضافية على طريق تحقيق الخطة التاريخية في القدس الشرقية، ونوجه رسالة ضخمة إلى الاقتصاد في القدس بشكل عام وخاصة في الجزء الشرقي من المدينة، مع زيادة المعروض من العمالة ذات التقنية العالية»، وأضاف سنحرص على إحضار الشركات الرائدة في السوق وأعلى الموظفين جودة في شرق المدينة، وهنا سنعمل في تزامن كامل مع مسؤولي التخطيط والتوظيف والتدريب، من أجل إحداث ثورة حقيقية وخلق الأمل في شرق المدينة ايضاً.
من جانبه، قال رئيس غرفة التجارة والصناعة العربية في القدس الشرقية، كمال عبيدات، لوكالة الأنباء الفلسطينية (وفا) إنّ الأمر صدر بناء على توصية من لجنة التخطيط والتقسيم العمراني، وسوف يهدم محلات تصليح السيارات والمطاعم وغيرها من المرافق. ووصف رئيس غرفة التجارة والصناعة العربية بالقدس الشرقية الخطوة بأنها «أمر عنصري» لتدمير المنطقة الصناعية الفلسطينية الوحيدة في القدس الشرقية.
الآن بدت معالم الصورة تتضح شيئاً فشيئاً، خاصة إذا ما تمّ الربط بين تسريبات صحيفة «إسرائيل اليوم»، وبين التفاصيل التي نشرتها صحيفة «جيروزاليم بوست»، لنصل إلى نتيجة مفادها:
أولاً – هناك توافق ضمنيي سعودي أردني على الخطة الإسرائيلية.
ثانياً – مشروع ضمّ الضفة الغربية وغور الأردن ما هو إلا تمويه للمشروع الأساسي المتعلق بما نشرته صحيفة «جيروزاليم بوست».
ثالثاً – الضوء الأخضر الأميركي يُعدّ بمثابة جواز سفر بُغية العبور المباشر إلى خطة الهدم.
رابعاً – هناك تأكيدات لما سبق وذكرناه، فقد هدم فلسطينيان من حي جبل المكبر بالقدس منازلهما بعد أن أمرتهما بلدية القدس بالقيام بذلك بسبب عدم الحصول على تصريح بناء، كما أُمرت أسرة أُخرى في جبل المكبر بهدم منزلها. وفي ذات السياق أبلغت السلطات الإسرائيلية سكان قرية بيرين، وهي قرية فلسطينية صغيرة بالقرب من بلدة يطا، الواقعة جنوب الخليل، أنّ خمسة مبان سكنية ومبنى مجلس القرية سيتمّ هدمهما، وأمرت عمليات الهدم بسبب عدم وجود تصاريح البناء. وفي جانب آخر ذي أبعاد خطيرة، فقد دأبت «إسرائيل» على اتباع سياسة ممنهجة لجهة عدم إعطاء تراخيص بناء، فهناك تحديات كثيرة تتعلق بتأمين مساكن خاصة، في ظلّ الخرائط الهيكلية للجغرافية التي تمنع البناء أو التوسع العمراني، كما أنّ الخدمات المُقدمة لجهة البنى التحتية. هذا الأمر يضعه مراقبون في إطار توسيع الاستيطان، والذي يُعتبر أحد أبرز الأهداف الإسرائيلية بُغية تغيير معالم مدينة القدس وطمس هويتها، بناء على ذلك بات واضحاً حجم المعاناة جراء الكثير من الممارسات الإسرائيلية، ويمكننا تعميم هذه المعاناة على كلّ مناحي الحياة، حتى بات المقدسيين بمثابة المستأجرين لبيوتهم في القدس، وهم مُهدّدين دائماً بهدم منازلهم أو ترحيلهم منها.
خامساً – الخطوة الإسرائيلية المقبلة مهما كان شأنها أو حجمها، ستضع «إسرائيل» أمام مسؤوليات، أو تحديات عديدة، أنها ستكون مسؤولة مباشرة عن الفلسطينيين في الأراضي المُسيطر عليها في كافة المجالات، وسينجم عن ذلك أنّ إسرائيل ستكون مسؤولة عن وجود عدد كبير من الفلسطينيين ضمن دائرة سلطتها، سواء كانوا ثلاثة ملايين، وعدة مئات من الألوف، وهذا سيعيد داخلياً، طرح قصة «القنبلة الديمغرافية»، والمخاوف على يهودية الدولة.
سادساً – لا شك أنّ أية خطوة إسرائيلية في هذا الاتجاه ستفضي إلى ردة فعل فلسطينية، وضمن ذلك إنهاء حال التنسيق الأمني، وأية تداعيات أخرى قد تنشأ عن ذلك، بما فيه احتمال انتفاضة شعبية جديدة.
في المحصلة، يُمكننا القول بأنّ الخطوات الاسرائيلية تجاه أيّ مشروع، غالباً ما تكون مؤطرة بتوافقات إقليمية وتحديداً مع السعودية والأردن، وبطبيعة الحال بموافقة أميركية، كما أنّ «إسرائيل» في إطار حساباتها لردات الفعل الفلسطينية، أيضاً تملك سيناريوات تستوعب أيّ ظروف مستجدة، وذلك بالاعتماد على السعودية والأردن ومصر، من هنا تمكن مظاهر الخطورة المقبلة، والتي لا شكّ ستكون محكومة بمعيطات وظروف إقليمية مغايرة جُملةً وتفصيلاً، عن الواقع والمشاهد التي عنونت الشرق الأوسط.