احتجاجات أميركا بين تدخّل خارجيّ وتفكيك الولايات
أكد وزير العدل الأميركي وليام بار، أمس، «تدخل جماعات أجنبية ومتطرفين لتأجيج الانقسام في الاحتجاجات».
وقال بار في مؤتمر صحافي، إن «مصالح أجنبية ومحرّضين متطرفين ينتسبون لجماعات مثل أنتيفا يسعون لتوسيع الانقسام في المجتمع الأميركي».
وأضاف أن «العملاء الاتحاديين ألقوا القبض على 51 شخصاً حتى الآن في تهم تشمل النشاط العنيف».
فيما دافع البيت الأبيض بشدة عن قيام دونالد ترامب بالخروج والوقوف أمام كنيسة بالقرب من مقر الرئاسة حاملاً الكتاب المقدس بيده بعد تفريق متظاهرين فجأة بالقوة بالغاز المسيل للدموع.
وقالت المتحدثة باسم البيت الأبيض كايلي ماكيناني إن “الرئيس أراد توجيه رسالة قوية”، مؤكدة أنه “سار بذلك على خطى شخصيات عظيمة مثل رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل”.
وأشارت أيضاً إلى “قيام الرئيس جورج بوش الابن بشكل رمزي بإلقاء الكرة في بداية أول مباراة للبيسبول في ملعب يانكي في نيويورك بعد وقت قصير من هجمات 11 أيلول 2001”.
وواجه ترامب انتقادات حادة بعد توجّهه سيراً على الأقدام إلى كنيسة سانت جون التي تقع مقابل البيت الأبيض وتعرّضت لتخريب خلال تظاهرات قبل يوم.
ودان العديد من المسؤولين السياسيين والدينيين تفريق المتظاهرين بعنف للسماح بتصوير الرئيس أمام المبنى.
كما أعربوا عن أسفهم لطريقة رفع ترامب الكتاب المقدس أمام المصورين.
وندّدت أسقف واشنطن ماريان بود بهذه الخطوة معتبرة أنها “مهينة للغاية” واستخدام “لأمر مقدس من أجل موقع سياسي”.
فيما حدد الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، موقفه من الاحتجاجات التي تشهدها أميركا. وأعرب أوباما عن دعمه للمحتجين ودعا إلى إصلاح أجهزة الشرطة في البلاد، مذكراً أن أميركا تأسست على مبدأ الاحتجاجات لذلك تسمّى “الثورة الأميركية”.
وفي أول تصريح متلفز لأوباما، نقلته “نيويورك تايمز”، بثه من منزله في واشنطن، تبنى فيه خطاباً “متناقضاً بحدّة” مع تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب، حيث قال: “كل خطوة من خطوات التقدم في هذا البلد وكل توسّع في الحرية، وكل تعبير عن أعمق أفكارنا قد تمّ كسبها من خلال الجهود التي جعلت الوضع الراهن غير مريح”.
وأضاف أوباما: “ينبغي أن نشكر جميع الأشخاص الراغبين، بطريقة سلمية ومنضبطة، في التواجد هناك (الاحتجاجات) لإحداث فرق”.
ودعا أوباما رؤساء البلديات في أميركا إلى “مراجعة سياسات استخدام القوة، والمتابعة الجادة لمجموعة من النقاط لإصلاح الشرطة والتي تشمل إلغاء التصعيد الإلزامي، وحظر إطلاق النار على المركبات المتحرّكة، وإعداد التقارير في الوقت المناسب لأحداث العنف، وحظر بعض أشكال ضبط النفس التي تستخدمها الشرطة”.
واعتبر أوباما أن “الغالبية العظمى” من ضباط الشرطة لم يكونوا عنيفين، وتوقع أن يدعم الكثيرون في نهاية المطاف الإصلاحات على الرغم من معارضة بعض النقابات.
وحول الهدف الأكبر للاحتجاجات، قال أوباما إن “المظاهرات بعد وفاة فلويد كانت على عكس أي شيء رأيته في حياتي”، وأعرب عن أمله في أن “يتم إيقاظ” الأميركيين للتوحد حول العدالة العرقية.
وقال: “ما حدث في الأسابيع القليلة الماضية هو أن التحديات والمشكلات الهيكلية في أميركا ظهرت بكل طاقتها، إنها ليست نتيجة لحظة فورية، ولكن نتيجة لمجموعة طويلة من الأسباب، منها، العبودية، وقوانين جيم كرو، والخطوط الحمراء والعنصرية المؤسسية”، معرباً عن تفاؤله بأن جهود الإصلاح يمكن أن تتجاوز الانقسامات السياسية.
ونظمت مراسم تأبين أمس، لجورج فلويد بعد أكثر من أسبوع من التظاهرات الواسعة التي تندد بوفاة الأميركي من أصل أفريقي اختناقاً خلال توقيفه على يد شرطي في مينيابوليس.
ويقود الناشط الحقوقي آل شاربتون المراسم التي جرت في المكان الذي قضى فيه فلويد في 25 أيار بعدما اعتقلته الشرطة.
وكتب هذا الناشط على تويتر “غداً سنحدد كيفية القيام بالتعبئة على مستوى البلاد باسم جورج فلويد وأمود آربري وبريونا تايلور وآخرين”، وذلك في إشارة إلى رجل أسود قتل بالرصاص أثناء ممارسته الهرولة في شباط، وعاملة صحة سوداء قتلتها الشرطة في شقتها في آذار.
وأدّى مقتل فلويد إلى إعادة إشعال الغضب القديم إزاء قتل الشرطة لأميركيين من أصل أفريقي، وأعاد التذكير بحوادث قتل أطلقت شرارة حركة “بلاك لايفز ماتر” (حياة السود تهم).
ووصفت عائلة فلويد في بيان شكرت فيه المتظاهرين، التوقيفات والاتهامات الجديدة بأنها “لحظة عزاء رغم الحزن” و”خطوة مهمة في مسار العدالة”.
وحضت العائلة الأميركيين على الاستمرار في “رفع أصواتهم للمطالبة بالتغيير بطرق سلمية”.
ومع تلبية مطلب رئيسي لهم، شارك المتظاهرون في مسيرات كبيرة كانت سلمية في غالبيتها، للمطالبة بتغيير أكبر في مدن من نيويورك إلى لوس أنجليس.
ومعظم التظاهرات التي تصاعدت وتيرتها في مدن في أنحاء البلاد منذ وفاة فلويد، كانت سلمية، لكن عدداً منها تحول إلى أعمال شغب.
وأرجأت مدن أميركية من بينها لوس أنجليس وواشنطن بدء فترة حظر التجول بضع ساعات بعدما تراجعت عمليات النهب وأعمال العنف الليلة الماضية، فيما ألغت سياتل حظر التجول بمفعول فوري.
لكن تمّ توقيف عشرات الأشخاص في نيويورك لعدم احترام الأوقات المحددة للمسيرات في مانهاتن وبروكلين بعد بدء حظر التجول الساعة الثامنة مساء.
وفي مانهاتن قال المتظاهر براين كلارك إن الاتهامات “بداية جيدة” لكنه تعهد “بممارسة حقنا في التظاهر إلى أن يحصل كل شخص أسود على العدالة التي يستحقها”.
وتظاهرت مجموعة كبيرة أمام مبنى الكابيتول في واشنطن بعد بدء حظر التجول.
ونزل الآلاف إلى شوارع هوليوود ووسط لوس أنجليس حيث وعد رئيس البلدية إريك غارسيتي بتخصيص 250 مليون دولار من ميزانية الشرطة للاستثمار في البرامج الاجتماعية والتعليمية للمجتمعات السوداء.
فيما تبنى الرئيس دونالد ترامب موقفاً متشدداً من المتظاهرين معتبراً أن من بينهم العديد من “الأشخاص السيئين” ودعا حكام الولايات “للسيطرة على الشوارع”. وكرّر القول “نحن بحاجة للقانون والنظام”.
وتصاعد الضغط على ترامب في وقت اتهمه وزير الدفاع السابق جيم ماتيس بمحاولة “تقسيم” أميركا.
واعتبر ماتيس أن ترامب “أول رئيس في حياتي لا يحاول توحيد الأميركيين، بل إنه حتّى لا يتظاهر بأنّه يحاول فعل ذلك”.
وأضاف الجنرال في تصريحات لاذعة نشرتها مجلة ذي اتلانتيك على الإنترنت “بدلاً من ذلك، هو يحاول تقسيمنا”.
ورد ترامب على الفور في تغريدة على تويتر، واصفا ماتيس بأنه “الجنرال الذي لقي أكبر تقدير مبالغ فيه في العالم”.
وكان ترامب أثار احتمال تفعيل “قانون مكافحة العصيان” الذي يسمح بنشر القوات المسلحة لقمع الاضطرابات.
لكن وزير الدفاع الحالي مارك إسبر قال إن “هذا الخيار يجب أن يستخدم فقط كملاذ أخير وفقط في الحالات الأكثر إلحاحاً”.
وقال “لسنا الآن في واحدة من تلك الحالات. لا أؤيد تفعيل قانون حالة العصيان”.
والأربعاء قالت المتحدثة باسم البيت الابيض كايلي ماكيناني إن القانون لا يزال “أداة متاحة” للرئيس الذي يواجه معركة انتخابية في تشرين الثاني.
وقالت “الرئيس يريد أن يحمي شوارع أميركا” واصفة الانتقادات التي وجهها ماتيس بأنها “محاولة ترويج للذات من أجل إرضاء النخبة في العاصمة”.