الوطن

ترامب يخرق «قانون قيصر» ويتبادل مع إيران رهائن

} روزانا رمّال

دأبت ادارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب على اظهار تمايز كامل حيال التعاطي مع ملفات المنطقة، خصوصاً الازمة السورية والازمة العراقية وبينهما افغانستان الارض التي شكلت حجر اساس الرحلة الأميركية الطويلة والتركة الثقيلة التي جعلت من تمركزها نقطة عبور نحو تثبيتها القوة العظمى الاولى في العالم قبل ان تتعرض هذه القوة الى خضات شككت بهذه المقولة على النحو الاستراتيجي لا الشكلي.

هذا التمايز الذي اراده ترامب مخـــتلفاً عن القـــيادة الديمقراطية السابقة المتمثلة بالرئيس باراك اوباما أخـــذه نحو نسف كل ما سبق وتبناه اوباما تحـــديداً بمـــا يتعلق بسياسات الشرق الاوسط. فقد تخلص ترامب من الاتفاق الاهم بين إيران والدول الخمس زائد واحداً الذي وقـــع في فيـــينا عام 2015 بعد ان صعد نجم الخارجيتين الأميركية والإيرانية بنجاح دبلوماسي منقطع النظير شكلتها ثنائية جون كيريمحمد جواد ظريف.

 ترامب الذي انتقد في اكثر من مناسبة القيادة السابقة اكد ان داعش صنيعة أميركية اشرفت على دعمها الوزيرة السابقة هيلاري كلينتون التي عاودت بدورها نشر مذكراتها في كتاب خاص تحدث عن تلك المرحلة. حاول ترامب الانتقال من مرحلة الاجتياح الى مرحلة «الاحتواء» مستعيضاً عن ذلك بضربات حاسمة تحقق نقلة تكتيكية ونقطة رابحة في رصيد بلاده ومعها «اسرائيل» من دون ان تصل لحدود حرب او تصعيد عسكري. وكان اغتيال القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني إحدى تلك المحطات التي سبقها اكثر من غارة على الارض السورية استهدفت مراكز عسكرية مهمة.

التراجع عن خوض غمار حروب عسكرية كبرى هي الركيزة الأساسية التي حكمت سياسة البيت الأبيض مؤخراً، لكن البديل عنها ربما جاء اكثر نجاعة ودقة تمثل بحروب «اقتصادية» او عقوبات وجد ترامب في توسيعها وتصعيدها استنزافاً أكبر لخصومه وتحقيقاً أسرع لمكاسبه ولو جاءت «معنوية» يُستثمر بها داخلياً واكثر فائدة لـ»اسرائيل» التي تراقب إمكانية الاستفادة من الضغوط المفروضة على كل من إيران وحزب الله وتحديداً الاخير الذي بدأت طلائع التحديات المحلية تلوح في أفق حساباته بعد ثورة 17 تشرين التي ركزت في جزء من تحركاتها ولا تزال في بعض المجموعات حول ركيزتين اساسيتين:

الأولى أن المســـؤول الأول والأخـــير عن العجز المالي الناتج عن العزلة التي تعيـــشها البلاد منذ وصول الرئيـــس ميشال عون الى قصر بعبدا وعقد التسوية الرئاسية مع الرئيــس السابق سعد الحريري هو حزب الله الذي اخذ البلاد مع الاكثرية النيابية المؤيدة له نحو قطيعة عربية بحروبه في سورية والعراق واليمن، ما حجب عن لبنان الاستثمارات والمساعدات الخليجية التي كانت العنصر الاساسي في دعم الاقتصاد المحلي.

ثانياً: أن حزب الله الذي يحمل سلاحاً يصفه بعض المتظاهرين بغير الشرعي هو ما يعرقل منطق ومفهوم قيام الدولة كحالة مؤسسية. فهذا السلاح قادر أن يفرض تأثيره على المشهد ويمنع الاصلاح والتغيير عبر دعم حلفائه وجزء منهم يحمل نفوذاً «قضائياً».

هذه هي الرؤيا التي تنطلق فيها المجموعات المناهضة لحزب اللهحليف إيران من الشارع المفترض انه يحمل في سلم اولوياته طبيعياً الوضع المعيشي، علماً ان وجود هذا السلاح مشرع في كل الحكومات المتعاقبة برضى اللاعبين الكبار من الاحزاب اللبنانية، ومنهم اصدقاء لواشنطن.

بالعودة لقرارات ترامب فان قانون «قيصر» الذي اقر اواخر عام 2019 وصدر اثناء مرحلة معركة حلب الكبرى والذي حتم صدور قانون يحمي المدنيين في سورية وكل من دعم و»تورط» عسكرياً عند الأميركيين، أرسى قلقاً في الجوار، تحديداً لبنان غير القادر حتى الساعة على توحيد صيغة التعامل معه لدى كل القوى السياسية، خصوصاً تلك التي تتموضع ضمن دائرة تمثيل المصلحة الأميركية في لبنان والتي تسعى للاستفادة منه قدر الإمكان، لكن بالمقابل تظهر هذه القوانين على شكل فزاعة للدولة الضعيفة لا يلتزم فيها حـــتى الذين أقرّوها، وتحديداً ترامب الذي افرج عن العالم الإيراني «سيروس أصغري» الباحث في جامعة شريف التكنولوجية في طهران، الذي كان مسجوناً في الولايات المتحدة مقابل افراج إيران عن العسكري السابق في البحرية الأميركية مايكل وايت الذي احتفل به ترامب معلناً انه سيعود إلى عائلته قريباً جداً في إطار عملية تبادل للسجناء.

وهي خطوة وصفت «بالنادرة» بين البلدين المتخاصمين المعروف انهما لا يقيمان علاقات دبلوماسية منذ العام 1980. هذا وتحتجز إيران 5 أميركيين على الأقل، فيما هناك 16 إيرانياً في السجون الأميركية. وقد غادر وايت على متن طائرة سويسرية الاراضي الإيرانية بعد مفاوضات نجحت أخيراً بين وسطاء من الطرفين.

القانون الذي يمنع التعامل مع روســيا وإيران وحزب الله وأي جهة داعمة «للنظام» السوري، بحســب القانون يحمِل المخالفين عقوبات لا يستهان بها الا ان عملـــية التبادل وكما تبدو واشنطن، راغبة بوضعها ضمن استثـــناءات انسانية او مصلحية تتعلق ايضا بطلب إيـــران دعماً من البنك الدولي وبغض النظر عن السياق ومعها العلاقـــات الموصوفة بـ «الإيجابية» بين ترامب وبوتين تحديدا في لعب موسكو دور الوســـيط المقــبول لــدى تل ابيب على خط البحث بحلول المنطـــقة تؤكــد ان الاستثناءات تحكم العلاقات الدولية، وخرق هذه القوانين وارد جداً لحظة تفوق المصلحة القومية الكبرى، لا بل ان الالتزام بهذه القوانين لا يقع الا على عاتق الدول الضعيفة، كما يبدو.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى