وداعاً محسن إبراهيم
} بشارة مرهج
محسن إبراهيم، الذي رحل بالأمس، اسم ساطع في الحياة السياسية، وطنياً وقومياً. شارك بفعالية منذ ستينيات القرن الماضي في العملية النضالية العربية فكان علماً بارزاً وفاعلاً في حركة القوميين العرب، التي ساهمت في نشر الوعي بالقضية الفلسطينية وضرورة تنظيم الجماهير تنظيماً حديدياً لتحقيق الغلبة على الحركة الصهيونية التي اغتصبت فلسطين وشرّدت أهلها وزلزلت الأوضاع السياسية والاقتصادية في المنطقة العربية بأسرها.
كما كان الراحل المناضل محسن إبراهيم في طليعة قادة الحركة الذين أيّدوا جمال عبد الناصر ودعموا مواقفه ومعاركه القومية التحرّرية. وإذ تطوّرت العلاقة بين الاثنين أصبح «أبو خالد» اللبناني صديقاً ومحاوراً ل «أبو خالد» الزعيم العربي الكبير الذي كان يأنس للقيادي اللبناني القادم من بيروت مشبعاً بالأفكار والأخبار وآخر الطرائف، ومستعداً للمناقشة في التطوّرات التي يشهدها لبنان وسورية والعراق واليمن وفلسطين وسواها من الأقطار العربية.
غير أنّ هزيمة الجيوش العربية في حزيران 1967 هزّت القناعات القومية العربية للمناضل اللبناني فانحاز إلى التيار الماركسي – اللينيني داخل الحركة بالتعاون مع نايف حواتمة ومحمد كشلي وأبو عدنان قيس، ما مهّد الطريق لنشوء منظمة العمل الشيوعي في لبنان والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين.
وإذ اقترب نايف حواتمة في طروحاته النظرية والسياسية من موسكو السوفياتية اقترب محسن إبراهيم من منظمة التحرير الفلسطينية وقائدها ياسر عرفات وبقي حتى رحيله مخلصاً لهذا الخيار الذي أضطره للابتعاد النسبي عن حلبة العمل السياسي في لبنان.
في مرحلة الحرب اللبنانية لمع اسم محسن إبراهيم مرة أخرى عندما شغل مسؤولية الأمين التنفيذي للمجلس الوطني للحركة الوطنية اللبنانية بقيادة الزعيم الوطني كمال جنبلاط.
وقد كانت العلاقة بين الرجلين، وكلاهما على درجة عالية من الذكاء، علاقة تفاعلية جدية أثمرت بوجود القائد الشيوعي جورج حاوي وسواه من قادة العمل الوطني في تلك المرحلة عن بلورة خط وطني لبناني جامع يملك برنامجاً سياسياً تقدّمياً متجاوزاً لمنطلقات النظام اللبناني القائمة على العصبية الطائفية والانحياز الاعمى للغرب وخياراته السياسية والاقتصادية.
ارتقى الراحل الكبير الى مرتبة الأستاذية في العمل السياسي النضالي لثقافته الواسعة وإتقانه اللغة العربية، كتابة وخطابة، ولرؤيته النقدية للأمور، وإصراره الدائم على الفحص والمراجعة دون أن ننسى حسّه الفكاهي القريب من القلب الذي جعله مع مواهبه الأخرى نجم المجالس السياسية سواء في لبنان او سواه من البلدان العربية.
ولقد تتلمذ على يديه العديد من المناضلين والناشطين السياسيين الذين برعوا في الكتابة والعمل السياسي وانتشروا في ملاعب اليسار كما اليمين حيث مارسوا في الحقبة الأخيرة أدواراً كان لها أثر ملموس على صعيد الخطاب والمقالة والحركة السياسية.
أما أهمّ مآثر محسن إبراهيم فكانت مساهمته البارزة في انطلاقة حركة المقاومة اللبنانية ضدّ الاحتلال الصهيوني وفعل الوفاء الدائم للقضية الفلسطينية في زمن يشهد تخلي كثيرين عن فلسطين وفكرة المقاومة الكفيلة وحدها باستعادة المقدّسات واسترداد الكرامات.