حسين قاسم «قاشوش» النجمة ولاعب منتخب فلسطين: لعبت مع النجمة مجاناً وسياسة التمييز أتعبتني فأبعدتني
ابراهيم وزنه
من خلال متابعتي المتأنية للصفحات المشرقة والذكريات الطيّبة من ماضينا الكروي الجميل، لفتني اسم اللاعب حسين قاسم، ذلك النجم الساطع الذي برز مع فريق النجمة في مطلع الستينيات وبقي معه حتى مطلع السبعينيات، لينتقل إلى الراسينغ ويلعب معه لموسم واحد قبل أن يحطّ رحاله في نادي الروضة الدكوانة لاعباً ومدرباً، ومن ثمّ فرضت عليه الحرب الأهلية السفر إلى دولة الامارات (أبو ظبي) حيث أمضى 30 عاماً قبل أن يعود ليستقر في وطنه لبنان. واللافت في مسيرة حسين قاسم، انه لعب ضمن صفوف منتخب فلسطين لمدّة خمس سنوات (1968 ـ 1973)، فيما ابنه محمد شحرور (لاعب الانصار السابق) لعب ضمن صفوف منتخب لبنان ابتداء من العام العام 2005. وبناء على تلك المعطيات، تتوالد التساؤلات والاستفسارات، لذلك، وسعياً منّي لحلّ تلك «الشيفرة» كان لا بدّ من لقاء الحاج حسين قاسم (مواليد العام 1942) الحريص على ترتيب ملفاته الكروية رغم الألم الذي رافقه خلال تلك المحطّات، وهو اليوم مبتعد عن واقع أحبّه وهجره بملء ارادته، لا بل شاءت الأقدار أن يحصل الأمر عينه مع ابنه محمد!
اضاءة وبداية
ولد حسين قاسم شحرور في بلدة هونين الواقعة عند الحدود في جنوب لبنان في العام 1942، وفي العام 1948 وقعت النكبة واحتل الصهاينة فلسطين وقاموا بارتكاب المجازر في عدد من القرى الجنوبية المحاذية للأراضي الفلسطينية، حيال ذلك اضطر والده قاسم شحرور لمغادرة البلدة والتوجّه إلى محلّة النبعة، شرقي العاصمة بيروت. وفي النبعة استهل الشاب حسين قاسم مسيرته الكروية في أحد الأحياء البائسة، فشكّل مع رفاقه في تلك المرحلة سمير الحسيني وابراهيم فقيه ومرشد بيضون وبعض أقرانهم من الأحياء المجاورة فريقاً أطلقوا عليه اسم «الفجر» (1958)، ومع «الفجر» فجّروا مواهبهم واستعرضوا وخاضوا العديد من المباريات في كافة المناطق، فيما تمحورت مبارياتهم وتمارينهم اليومية على ملعبي العلم وزفاريان المجاورين، ليحظى الفريق الشعبي بتشجيع ومواكبة لافتة من أبناء الأحياء الشعبية في النبعة وسن الفيل وبرج حمود ومخيم تل الزعتر.
توقيع «الثلاثي» للنجمة
في ضوء خوضهم أكثر من مباراة على ملعب المنارة بمواجهة فرق شعبية، كان عرّاب استقطاب اللاعبين واكتشافهم في نادي النجمة ابراهيم شاتيلا المعروف بـ «الكويس» (مواليد 1924) يراقبهم من بعيد لبعيد، وفور اقتناعه مع عدد من اداريي النادي بأهمية تواجد هذا الثلاثي (سمير الحسيني وحسين قاسم وابراهيم فقيه) ضمن صفوف النجمة راح «الكويس» يستميلهم من خلال اهدائهم الأحذية والتجهيزات اللازمة وتأمين مصاريف الانتقال، قبل أن يفاتحهم برغبة النادي في ضمّهم إلى صفوفه، وبالفعل لعبوا مع فريق «النجمة الثاني» عدداً من المباريات قبل أن يوقعوا على الكشوفات الرسمية في العام 1962، وقد لقي «الثلاثي» ترحيباً واهتماماً من قبل رئيس النادي في تلك الفترة زكي قبّاني (ترأس النادي بين 1953 و1964). ويستذكر حسين قاسم من تلك الفترة: «كنت ألعب في خط الدفاع إلى جانب الراحلين سمير الحسيني ويوسف يموت في قلب الدفاع وتابللو كظهير أيسر، ويوسف يموت هو من حدد مركزي كظهير أيمن وكان يكلّفني ببعض المهام خلال المباريات، وله كبير الفضل على تطوير ادائي لاحقاً، وأذكر أن الراحل أبو طلال كريدية كان الداعم الأول للفريق، إذ طالما كان يرصد المكافآت للاعبين عند تحقيق الفوز». وختم في هذا السياق موضحاً: «وقّعت على كشوفات النجمة من دون أي مقابل مادي، ولغاية مغادرتي النادي لم أقبض أي بدل مادي».
ألقاب وخبريات
كثيرة هي الألقاب التي أطلقتها الصفحات الرياضية على حسين قاسم المشهود له بالقوة والسرعة والبطش بالمهاجمين، ويستذكر منها مبتسماً «الجاروفة والقاشوش والوحش … إذ طالما عانى مهاجمو الفرق في المرور عنّي». ومع النجمة أحرز حسين قاسم العديد من الانجازات وزار العديد من البلدان، كما لاحظ الكثير من التمييز بين اللاعبين، وهذا الأمر دفعه لاحقاً لمغادرة الفريق الجماهيري .. وحتى لا يشمل الجميع بحكمه، يوضّح: «كانت حقبة المعلم جميل حاسبيني (ترأس النادي بين 1964 و1966) أجمل أيامي مع النادي، فالرجل استقطب اللاعبين بكرمه وسعة صدره ومواقفه الطيّبة وحلو كلامه وصدق تعاطيه، وأذكر ذات يوم قطع لي تذكرة سفر إلى مصر مع الحارس عبد الرحمن شبارو الذي سافر لخوض تجربة احترافية مع الاسماعيلي، وفي القاهرة أمضيت مع المعلم يومين قبل أن يتركني لوحدي أسبوعاً اضافياً مع إكرامية 200 جنيه لزوم الاقامة». وعن رأيه بالمواصفات الفنية لمركز الظهير الأيمن، يقول: «سريع، مواكب، جريء في مواجهة المهاجمين، ملاصق لمن يتكفّل بمراقبته، التمتّع بقوة بدنية ولياقة عالية»، ليختم معلّقاً على سنواته النجماوية الـ 12 : «لعبت في نفس المركز وبنفس القميص لمدّة 10 سنوات مع الفريق».
لهذه الأسباب تركت النجمة!
«التمييز الواضح في التعامل مع اللاعبين كان وراء إبداء رغبتي بترك النادي، فبعض اللاعبين كانوا بمثابة المحظيين على أكثر من صعيد، لم يكن العطاء والاداء على أرض الملعب المعيار في التعاطي والتقدير، كنت خارج دائرة اهتمام الفاعلين في النادي بالرغم من اخلاصي وفدائيتي على أرض الملعب، وما زاد الأمور تعقيداً مع إصراري على ترك النجمة، هو التعامل بخفّة وبلا مسؤولية مع مسألة سعيي الجاد لاسترجاع هويتي اللبنانية، فأنا لبناني من بلدة هونين … وكانت الظروف مؤاتية لتحقيق ذلك في ظل الرئاسة الفخرية لنادينا من قبل رئيس الحكومة صائب سلام، لكن وعودهم امتدت لخمس سنوات من دون أي نتيجة ايجابية في الملف، ليتبيّن لاحقاً بأن الادارة لم تعطِ المحامي المكلّف ـ وهو من آل قبّاني ـ بدل اتعابه منذ بداية تصديه للقضية (900 ليرة فقط) علماً بأن نادي هومنتمن في تلك الفترة استقدم عدداً من اللاعبين من أرمينيا وعمل على تجنيسهم فوراً … بصراحة سياسة التمييز التي كانت سائدة أتعبتني نفسياً فأبعدتني جسدياً».
حقيقة مرّة، أفرج حسين قاسم عنها بعد مضي 50 سنة على ارتكابها. وفي ضوء تخطّيه الثلاثين من عمره وتحضير إدارة الفريق لعدد من المدافعين الجدد (محمود الشامي وكاظم عليق)، زادت حدّة الخلافات بينه وبين النادي، فأخذ قراره بالانتقال مع رفيق دربه سمير الحسيني إلى فريق الراسينغ، حيث لعبا معه موسم (1972 ـ 1973) فيما بقي «ثالثهم» ابراهيم فقيه مع النجمة، وفي القلعة البيضاء عمل الكابتن حسين كمساعد للمدرّب الروماني بوغدان، وإثر خلافه مع أحد اداريي النادي انتقل إلى صفوف نادي الروضة الدكوانة بناء لنصيحة الراحل رئيس الراسينغ ايلي كوبالي، ليكون لاعباً ومدرباً وصديقاً وفياً لعبده خوري، وسريعاً نجح بايصاله إلى مصاف أندية الدرجة الأولى، وهنا يتذكّر أبو طارق: «خلال مباراة ودية جمعت بين النجمة والروضة الدكوانة على ملعب برج حمود، تقدّمت بالكرة تاركاً مهامي الدفاعية ثمّ سدّدت من مسافة بعيدة لتستقر الكرة داخل شباك زين هاشم وينتهي اللقاء بالتعادل 1 ـ 1».
الحرب أوصلته إلى أبو ظبي
مع احتدام وطيس المعارك في منطقة النبعة، وسيطرة الأجواء الدموية على الحياة اللبنانية، قرر حسين قاسم وهو في الـ 34 من عمره، مغادرة لبنان إلى أبو ظبي، خصوصاً وأن زواجه في العام 1973 من نادية العريض قد أثمر مولوده البكر طارق (مواليد 1975)، وساعده على السفر شقيق زوجته عيسى العريض الذي كان يعمل في الامارات، وفي أبو ظبي أسهم بتأسيس فريق كرة قدم للشباب الفلسطينيين باسم «المجلس الفلسطيني» وخاض معه العديد من المباريات ضمن بطولة الدوائر الرسمية، ومن خلال تألقه الرياضي انضم إلى شرطة أبو ظبي ورقّي إلى رتبة ضابط، كما لعب ضمن صفوف فريق الشرطة، وخاض دورة تحكيمية، وفي الوقت عينه استلم دفّة تدريب فريق المجلس الفلسطيني الذي فاز باحدى الدورات في العام 1980، وكانت آخر مشاركاته الميدانية في الملاعب. وفي أبو ظبي، رزقه الله بثلاثة أولاد، محمد وميسون وفاطمة. وفي ضوء متابعته وسعيه الجاد لملف استرجاع جنسيته، نجح في مسعاه بعد طول معاناة في العام 1994، علماً أن عائلته كانت قد استقرت في لبنان ابتداء من العام 1986، أما هو فعاد إلى وطنه منهياً غربته الطويلة في العام 2006.
نجماوي وابنه في صفوف الأنصار!
عن توقيع ابنه محمد (مواليد 1983) مع الانصار، قال: «اتصلت بي زوجتي من بيروت لتخبرني بأن محمد سيوقّع على كشوفات نادي النجمة، وكنت أرى في ابني محمد بعضاً من شخصيتي وخصوصاً على صعيد بذل المجهود الكبير في الملاعب وعشقه للعبة، وعند استفساري منه عن الموضوع أفادني بأن أحد كشافي نادي النجمة اختاره مع زميلين له للانضمام إلى فريق النجمة، وأخبرني بأنه تمرّن معه عدّة مرات، وقد اختاروه دون رفاقه بعدما أخبرهم بأنه ابني، وفي ضوء الموافقة من هذه الزاوية رفض الانضمام إلى النجمة … ولاحقاً، وإرضاء لرغبة ابني البكر طارق الذي سبق ولعب في مركز قلب الدفاع مع نادي شباب الساحل لأكثر من ثلاثة مواسم، وهو من مشجّعي نادي الانصار، وبناء لنصيحة الغيارى والمحبين حطّ رحاله في نادي الانصار ولعب معه لعدّة مواسم».
ابنه مع منتخب لبنان وهو مع منتخب فلسطين!
«بجدٍ واخلاص لعب محمد مع الانصار، وأثناء تواجده معهم سافر إلى الخارج مراراً وشارك في دورات تدريبية، وتمّ اختياره ضمن صفوف منتخب لبنان، تمركز في الخطوط الدفاعية وتميّز بامكانات بدنية ولياقة عالية»، بهذه الكلمات لخّص حسين قاسم مسيرة ابنه محمد الكروية في لبنان، ليختم لافتاً: «ويعمل محمد حالياً في دولة قطر في مجال بعيد عن كرة القدم … فهو يحمل إجازة جامعية في مجال التسويق من الجامعة الاميركية، والحمدلله جميع أولادي من حملة الشهادات العليا … وهذا ما أعتز به».
وعن رحلته مع منتخب فلسطين، أجاب: «أثناء البدء بتشكيل منتخب فلسطين في نهاية الستينيات حضر إلى لبنان اللاعب ابراهيم مغربي قادماً من مصر حيث يلعب ضمن صفوف الأهلي القاهري، وخلال متابعته لاحدى الحصص التمرينية لنادي النجمة على ملعب المدينة الرياضية، سأل الشيخ امين حيدر، بمن تنصحني من المدافعين الفلسطينيين من الفرق اللبنانية، فسارع حيدر رحمه الله إلى تسميتي، وراح المغربي يراقبني، وكان قد اختار جمال الخطيب وأحمد فستق من الانصار وعمر طه من الراسينغ وجميل عباس وابراهيم كرميد من الصفاء والأخوة منتوفي من الشبيبة المزرعة». وعن أجمل ذكرياته مع المنتخب الفلسطيني، يقول: «زرنا تونس والجزائر وقطر ومصر والعراق بين اعوام 1968 و1973، كنا نحظى بتشجيع الجماهير بشكل لافت من منطلق التعاطف الكبير مع القضية الفلسطينية، وكان يضمّ المنتخب نخبة اللاعبين من مصر وسورية ولبنان، أمضيت أجمل أيامي بقميص المنتخب الفلسطيني بالرغم من كوني لبنانياً أباً عن جد، وعندما أقمت في الامارات لعبت دوراً محورياً في تشكيل فريق المجلس الفلسطيني الذي كانت تواكبه وتشجّعه الجاليات العربية في أبو ظبي». ثم أنهى كلامه متمنياً «أن تعود فلسطين حرّة عربية لنكحّل عيوننا بقدسها الشريف».