هل ينتظر لبنان دوحة «2»؟
} روزانا رمّال
يرخي الصراع السعودي – التركي بمظلته على الساحة السنية في المنطقة في كل الميادين التي نسجت فيها واشنطن علاقات ونفوذاً سياسياً. ولبنان أقوى وأبرز تلك الساحات التي عرفت بدعم المملكة العربية السعودية لها منذ اتفاق الطائف وما بعده عبر أغلب الحكومات التي توالت وعرف دعم الرياض الكبير لعائلة الحريري التي وجد فيها السعوديّون بشخص الرئيس الأسبق الراحل رفيق الحريري نقطة عبور نحو ساحة سياسية ملتهبة، لكن «استراتيجية» الحضور في المنطقة تتكفل بإعطاء الرياض نفوذاً من بوابة بيروت الجاذبة عربياً وأوروبياً كمنارة في هذا المشرق وصلة وصل أمنية وسياسية وإعلامية.
المشهد تغيّر منذ اندلاع ما عرف بثورات الربيع العربي والمملكة العربية السعودية التي لم يكن يشاركها الخصم التركي بهذا الزخم في الساحة العربية، فصارت مضطرة لمواجهته جدياً في أكثر من ساحة حتى تحوّلت الأزمة الى أزمة «وجود» حقيقية وحرب على الزعامة السنية الإقليمية تتنافس عليها الدولتان؛ اما ساحات التغيير فكانت مصر وليبيا وتونس وسورية وكلها تكفلت بإضاءة الضوء الأحمر حيال الحضور السعودي بالمنطقة.
الصراع هذا اقتنصت تداعياته واشنطن بشكل كبير تحديداً إدارة الرئيس دونالد ترامب الذي استطاع الاستفادة منه مقابل تكريس السعودية المرجعيّة السنيّة الأولى في المنطقة وتطمينها بزيارة استثنائية الى الرياض عام 2017، حيث عقدت الصفقة التاريخية بين البلدين بعقد قدرة 450 مليار دولار وكان ترامب قد شارك بالقمة العربية الاسلامية وهي التي تتكفل بجعل العنوان السعودي مرجعية أولى عند الأميركيين في المنطقة.
كانت واشنطن تدرك الحاجة السعودية للإطاحة بحكم الاخوان المسلمين في كل الساحات كي لا تكبر وتنمو هذه الحركة في الدول الخليجية التي تصنف المنظمة إرهاباً. وهذا ربما يفسر توجه التقارب الخليجي– السوري. فهذه المسألة استراتيجية لا يمكن المساومة عليها. وعلى هذا الأساس ضخت الرياض بثقلها لدعم الرئيس السيسي وإسقاط الرئيس الراحل محمد مرسي، وبعد عودة مصر الى الحضن العربي – السعودي وبعد أن وقعت بالحضن التركي – القطري لحظة وصول حزب الحرية والعدالة الى سدة الحكم صار وضع المملكة افضل. فمصر تتكفل وحدها بإبعاد الأحلام التوسعية التركية عن المشهد.
المشهد اليوم صار مقلقاً بالنظر للواقع الامني والعسكري والسياسي في ليبيا لجهة تقدّم القوات المدعومة من تركيا على تلك المدعومة من السعودية «حفتر»؛ الأمر القادر على خلط الوراق من جديد او بالحد الأدنى يستدعي يقظة حيال توسع تركي مقبل من البوابة التركية، خصوصاً أن الورقة التركية قادرة أن تجعل من أنقرة عنصراً فعالاً في المفاوضات حول سورية قادرة على أن تحرج موسكو في هذا الخيار. فالأخيرة تدرك اهمية وجودها في ليبيا بعد ان تم طردها من هناك منذ سنوات على ما عبر دبلوماسي روسي لـ»البناء» بقوله «لقد أتينا الى سورية بعد ان تم طردنا من ليبيا وقررنا ان لا نكرر الخطأ نفسه مجدداً في مجلس الأمن بعد ان صوتنا مع العملية العسكرية في طرابلس». ويضيف الدبلوماسي «لقد تم طردنا وطرد شركات الغاز الروسية ايضاً».
المعركة على الغاز في المنطقة تجعل التقدم التركي في ليبيا لافتاً، مع العلم بأن النيات التركية التوسعية ليست بعيدة في غير ليبيا وإن كانت اعقد اليوم الا انه يجعل من تركيا صاحبة أوراق تفاوضية فعالة.
هناك إجماع لبناني على فراغ سني في لبنان. والواضح ايضاً ان المملكة العربية السعودية تدرك مخاطر ذلك ايضاً، لكنها وان ابتعدت عن المشهد الا انها لم تغب عنه بالكامل مع توكيل مصر بالاهتمام فيه كحليف أو صديق للمملكة. والعلاقة المصرية مع رئيس الحكومة حسان دياب جيدة والدعوة لزيارة مصر أيضاً صارت أكيدة لكن هذا مرجح للسقوط اذا تطور مشهد الانهيار المالي والمحلي. فالحديث عن مشروع تركي ودعم قيادات سنية لتسلم زمام الأمور صار جدياً. يقول البعض ان شقيق سعد الحريري «بهاء» احد اعمدة هذا المشروع والبعض الأخر ينفي ان يقدم بهاء على اي خطوة بدون رضى سعودي، لكن الاصح بالحالتين هو استحالة تقدم اي مشروع بدون الضوء الأخضر الأميركي. فهل تقف واشنطن مع حفظ النفوذ السعودي في الساحة اللبنانية أم تجيره لتركيا وما يعني حكماً لقطر تنفيذاً وإخراجاً عربياً فيكون لبنان على موعد مع «دوحة 2» اقتصادي هذه المرّة؟
بالعوة الى الغاز والمصالح الروسية في ليبيا والمنطقة والتنقيب عن الغاز في المياه اللبنانية والاهتمام القطري فيه فإن الحديث عن اي مستقبل من هذا النوع صار أقرب بعد ان اجتمعت كل هذه الاوراق وصارت الورقة التركية أقوى، وعلى هذا الاساس صارت المملكة العربية السعودية مدعوة لتلافي هذا الخطر بخطوة قريبة ما.
قطر التي سبق وقدّمت دعماً للبنان مرتين الاولى بعد حرب تموز والثانية بعد اشتباكات 7 أيار الشهيرة عام 2008 هي احد اكبر الاحتمالات القادرة على الحصول على ضوء اخضر اميركي لدعم لبنان الواقع اليوم بين دوامة التوجه شرقاً أي نحو سورية وإيران وبين البقاء في خط وسط يحفظه الخيار الأميركي او بالحد الادنى يرعى قواعده.
استحالة التقدم نحو حل سريع من صندوق النقد الدولي وصعوبة اتخاذ قرار بالتوجه الحكومي شرقاً بسبب قانون قيصر يجعل من الانفجار الأمني خياراً اكبر من أي وقت مضى.
وبعد هذا الانفجار تحضر الدول المهتمة لملء الفراغ الحاصل وفرض نفوذ جديد فهل يعيش لبنان هذا السيناريو من جديد؟ هل يكون امام «دوحة 2» قريبا ام يبقى معلقا وواقعا ضمن هوامش حاجات اللعبة الانتخابية الاميركية التي قد لا تكون بعيدة عن اتفاق اميركي – ايراني كما اشارت اوساط اميركية منذ ايام؟