باقــات 5
} مصطفى بدوي
أيّها الشعر:
أيّها الشعر.. يا الجرو الذي يحلو لبورجوازية مدللة أن تداعبه امام ضيوفها الأنيقين وتضمّه الى نهديها بشبقية رعناء أمام أضواء المنصات وتمشط شعره في الجاكوزي قبل اصطحابه لأمسيات الستريبتيز الأسبوعية!
أيّها الشعر.. يا اليتيم في ضواحي الديجور..
يا الشقي الذي ينهض كل صباح لحمل صناديق الخضار تحت سياط القهر والجوع لالتهام قطعة خبز مغمسة بالكبرياء..
أيّها الشعر.. يا الشرود المدمّى.. يا المسربل في تجنيحك المجهد بالحلم بعكا إذ تتوسّد الحزن والبحر..
أيّها الشعر، يا المهاجر في زورق الهذيان.. يا الهذيان ذاته حين تؤوب إليه العنادل والخسارة والحكايات..
أيّها الشعر.. يا سيجارة الأعمى إذ ينفثها الغريب في هزيع الريح وما من أحد في رصيف القطار الشمالي..
أيّها الشعر.. يا الجسر المزنّر بالحرائق والحفاة..
يا الحرية المحمومة بالحمرة القانية..
باسمك الأممي أبدأ ترنيمتي كلما ضجّ في صدري ساكسوفون الغياب!!
***
في ذكرى خالد علوان
معلّقة على مجد خالد علوان في الويمبي:
سماء لخالد مشرعة تتدلّى من عسل فصيح.
وشوق كثيف يشدّ النقع الى حرية مجنونة تلهث في الطريق..
كان للفنجان أن يقلم صمت المدينة بإزميل المسدس والجنون.
كان للبحر أن يلعلع في قهقهات الغزاة.
وأن يرفع الشدو سمفونية مندّاة بالشذى فوق سطح الفجيعة اذ تعرت تماماً.
ههنا: مجد المدينة يهتف بالمستحيل.
شجر البياض اذ توحد بالعنادل فيما يشبه المعجزات..
وثمة في تلال الأرز ما يكلف العشاق عهدهم.
سماء لخالد مشرعة
أو مرصّعة بمروج السنا والهدير..
***
في الحرب – 1
القطار العائد من الحرب
كانت أساريره لا تشي إلا بالتعب
ومقصوراته مخفورة بالسعال
وأنين الجنود..
ورائحة الفودكا تلعلع في الهواء المزنر برائحة العرق
وحدها نار جبهة الحرب كانت تعضّ أحلام الجنود
وتقصف هدأة الليل
فيفزع المنام كأرنب مذعور
***
في الحرب – 2
القطار العائد من الحرب
شق ذاكرتي فجأة ليوقظ الماغوط
أهلاً بأسمال الفجيعة وهي تمطر الشرق بالطواغيت وزبانية التاريخ العنين
أهلاً بالجدران المفتوحة والمشطورة في وجه الريح
المكسورة مثل عيون أرامل حمص ورام الله
أهلاً بنزيف الساعات الحيرى
وعواء الصمت
وبلوغهم المعتوه
اهلاً بالشمس الرقطاء
بديدان صنوبرة جرداء
أهلاً بقطار الحرب العائد
من حرب شبت في خاصرة الليل..
«يتبع»..