عشرات آلاف الطلاب مصيرهم في خطر قبيل تخرّجهم بسبب العجز عن تسديد أقساطهم القوميّون في أوكرانيا كانوا دينامو خلية الأزمة في الجالية والطلاب عانوا الأمرّيْن من سياسة المصارف اللبنانيّة وإهمال الدولة
تحقيق ـ عبير حمدان
بدأت معظم الدول بتخفيف إجراءات العزل في محاولة لاسترجاع الحياة الطبيعية ضمن نمط وقائي ذاتي. وفي أوكرانيا اتخذت الحكومة إجراءات وقائية سريعة وحازمة منذ بدء الجائحة الوبائية للحدّ من انتشار العدوى، وقد كان الالتزام كاملاً سواء من المواطنين الأوكرانيين او الجاليات المقيمة في البلاد.
الأزمة الصحيّة التي بلغت خواتيمها جزئياً بانتظار توفر لقاح للفيروس، تقول بعض التقارير العلمية الأخيرة أنها أصبحت أخفّ ضراوة نسبياً في مقابل مناعة إضافية مفترضة للإنسان الذي لا يعاني من أمراض، إلا أن هناك تداعيات ما بعد الأزمة وأبرزها اقتصاديّة بحيث أصبح مستقبل معظم الطلاب سواء المقيمين في أوكرانيا أو الذين عادوا إلى لبنان في مهب الريح جراء عدم مقدرتهم على دفع المستحقات للجامعات، وبذلك لا يحصل مَن هم في سنوات التخرّج على شهاداتهم، ولا يمكن لمن هم في السنوات الأولى من متابعة دراستهم.
“البناء” تواصلت مع المغتربين في أوكرانيا بهدف الإضاءة على مشاكلهم خلال أزمة كورونا وبعدها وقد توجّه الطلاب من خلالها إلى الجهات المعنيّة في الدولة لمعالجة المعضلة المتصلة بتحويل الأموال إليهم في غربتهم آملين أن يلقى صوتهم آذاناً صاغية.
شاهين: “القومي” كان أساساً في خلية الأزمة… والاستنسابية طالت جزءاً كبيراً من الطلاب
أكد الدكتور عصام شاهين مساعد رئيس الجامعة الوطنية التقنية لشؤون الطلبة “الأجانب” أنّ مديرية أوكرانيا في الحزب السوري القومي الاجتماعي شكلت خلية أزمة منذ بدء انتشار وباء كورونا ـ كوفيد 19، وقال: “منذ بدايات الجائحة الوبائية اتخذت الدولة إجراءات وقائية سريعة وقاسية وتمّ إغلاق جميع المطارات ومراكز انطلاق القطارات والمترو في المدن كافة وكل الأماكن العامة المساعدة على انتشار الوباء.
شكلت مديرية أوكرانيا في الحزب القومي خلية أزمة في مدينة خاركوف حيث أكثرية الطلبة، وتواصلنا مع باقي المدن المتواجد فيها طلبة، وكنا اساس خلية الازمة التي تم تشكيلها من قبل السفير اللبناني الأستاذ علي ضاهر في مواجهة فيروس كورونا بالتعاون مع رئيس الجالية في خاركوف د. الياس واكيم والعمل على صمود الجالية”.
واضاف: “وقد اعتمدنا على وسائل التواصل سواء خدمة الواتساب أو الرسائل القصيرة لنشر الوعي والدعوة إلى ضرورة الالتزام بالحجر المنزلي؛ دعونا عن طريق الاتصال او الرسائل القصيرة او التواصل لضرورة التزام الحجر المنزلي، وفي مجال الطوارئ الطبية تمّ التعاون مع الدكتورين همام عبود وعمار بسطي”.
أما في ما يتصل بعملية إجلاء الطلاب الى لبنان، فقال: “حين بدأت الدولة اللبنانية بإجلاء الطلاب وأرسلت شركة الميدل إيست طائرة وحيدة ساعدنا في هذه العملية رغم تحفظنا على طريقة انتقاء الأسماء حيث كانت هناك استنسابية في التعاطي من قبل الجهة التي تكفلت بمصاريف الرحلة بناء على حسابات انتخابية او سياسية ربما، ولاحقاً كانت هناك رحلات تجارية عدة، وبالتالي تمّ إجلاء أكثر من نصف عدد الطلاب، ونحن واكبناهم لوجستياً من المدن التي يقيمون فيها حتى وصولهم الى مطار كييف الذي يبعد 470 كلم عن خاركوف على سبيل المثال لا الحصر”.
ورأى شاهين أنّ الأزمة الحقيقية تتمثل بالتداعيات التي تركتها جائحة كورونا، وقال: “إنّ الجائحة المالية التي عصفت بلبنان وبعدها كورونا أدخلت أكثر المقيمين والطلاب في أزمة أرخت بثقلها على صمودهم المادي. وبلغ الأمر حدّ تفكير الكثير من الطلبة بعدم متابعة الدراسة، وجزء منهم بقي في أوكرانيا لعدم قدرته على تأمين سعر بطاقة السفر جراء تدنّي قيمة العملة اللبنانية مقابل ارتفاع سعر صرف الدولار، وبناء على هذا الواقع طالبنا الجهات المعنية في الدولة اللبنانية وطبعاً عبر السفارة، بتطبيق مبدأ الدولار الطلابي للتحويلات المالية التي تشمل المصروف اليومي والأقساط”.
وفي الختام لفت شاهين إلى أنّ دورة الحياة العادية بدأت في أوكرانيا في 15 حزيران بشكل تدريجي وصولاً إلى استقرارها، كما كانت قبل جائحة كورونا.
قعفراني: 35 ألف طالب لبنانيّ مستقبلهم في دائرة الخطر
أمّا نائب رئيس أكاديمية خاركوف الطبية للدراسات العُليا الدكتور عباس قعفراني، فأشار إلى أن الحكومة الأوكرانيّة اتخذت خطوات الحجر في وقت مبكر وتعلمت من أخطاء دول أخرى، وتمّ إيقاف كافة وسال النقل العامة وحركة الطيران والقطارات وحدّدوا عدد الركاب في بعض وسائل النقل، في البداية ظهرت حالات في المدن التي على حدود أوروبا متل مدينة «الفيف» و«ايرانفراكوسك» وغيرها وذلك لأنّ الجاليات الأوكرانية التي تعمل خارج البلاد يمكنها الدخول الى أوكرانيا بسهولة، ولذلك تمّ نقل العدوى ولكن بأعداد بسيطة، إضافة إلى ظهور حالات بسيطة في العاصمة كييف. وهذا أمر طبيعي جراء الحركة والازدحام. إلا أن التزام الناس بالحجر الصحيّ ساهم في الحد من انتشار العدوى».
وأضاف: «حالياً بدأ الخروج من الحجر الإلزاميّ بشكل تدريجيّ وعلى مراحل، إلا أن التخفيف من الحجر الصحي وإعادة فتح الميترو والقطارات ويمكن القول إن الحياة الطبيعية عادت بنسبة 80% وهذا ما جعل الأعداد تتصاعد لناحية تزايد الحالات وبلغت الأرقام 703 إصابات في يوم واحد على صعيد اوكرانيا، لذلك يتم التداول الآن بمسألة إيقاف حركة الميترو لأنه الوسيلة الأكبر لتنقل الناس وتجمّعاتهم».
وتابع: «إذا أردنا المقارنة بين لبنان وأوكرانيا برأيي كما أنّ أوكرانيا نجحت في مواجهة الفيروس وصده كذلك فعل لبنان، رغم كلّ ما يعانيه من مشاكل اجتماعية واقتصادية. واعتبر أنّ الجسم الطبي فيه أظهر تماسكاً ملحوظاً، وبالتالي فإنّ ما حققته الدولة اللبنانية وتحديداً وزارة الصحة إنجاز مشهود له في مقابل الإرباك الذي رأيناه في دول أوروبية مثل فرنسا وإيطاليا وغيرها».
وفي ما يتصل بالنظريات المتعددة حول الفيروس المستجد يقول: «ليست المرة الأولى التي ينتشر فيها وباء على مستوى العالم، وإذا عدنا مئة سنة الى الوراء سندرك ذلك حيث إنّ الحجر الصحي التزام قديم حين ظهور وباء. من هنا اعتبر أنّ النظرية البريطانية حول مناعة القطيع خاطئة ولم تحقق المطلوب، وشخصياً أنا لا أؤيد النظرية التي تقول إن هذا الفيروس مصطنع».
وفي ما يتصل بالجالية اللبنانية والطلاب قال: «نحن من البداية شكلّنا خلية أزمة وقمنا بتوزيع المعقمات والقفازات والمطهّرات التي فُقِدت من السوق بشكل كبير لذلك سعينا لتوفيرها بالتنسيق مع السفارة اللبنانية بشخص سعادة السفير علي ضاهر. وأنا شخصياً تسلّمت مدناً عدة أذكر منها خاركوف وزباروجيا وبلطافا وغيرها وكلّ مواطن لبنانيّ حصل على المستلزمات والمساعدة في هذا الإطار أينما كان في اوكرانيا، والجالية اللبنانية والطلاب اللبنانيون التزموا الحجر الصحي بشكل جدي، وتابعوا الدراسة اونلاين وكذلك الامتحانات التي قرّرت الجهات المعنية ان تكون ايضاً اونلاين، باستثناء الذين هم في سنة التخرج في الطب العام وطب الأسنان وملزمين بإجراء امتحان يسمّونه هنا «الكروك». وهذا ما حصل وفق إجراءات وقائية لجهة التباعد، بحيث تضمّ القاعة 15 طالباً فقط».
وأضاف: «لعلّ المشكلة الأكبر التي يعاني منها الطلاب اللبنانيون في أوكرانيا تتمثّل بالتحويلات المالية، حيث إن الطالب لا يمكنه الحصول على مصروفه بسبب سياسة جمعية المصارف في لبنان والتي لا تسمح لأهاليهم بتحويل الأموال إلى ابنائهم وبالتالي لن يتمكنوا من تسديد أقساطهم. وهنا أحب أن اوضح امراً مفاده أنّ أيّ طالب غير أوكراني يحصل على إفادة من الجامعة بقيمة القسط المتوجب عليه ويكون هناك رقم حساب للجامعة ليتم تحويل الأموال على اسمه، ومعظم الدول تقوم بهذا الأمر. وهناك طلاب لبنانيون لديهم هذه الإفادات ولكن لم تتم عملية التحويل لأن البنوك في لبنان لا تسمح بإتمام هذه العملية. وهذا أمر قد يدمّر مستقبل هؤلاء الطلاب خاصة من هم في سنوات التخرّج، وقد توجّه السفير علي ضاهر برسالة إلى الجامعات كافة في اوائل شهر ىذار يدعوهم إلى تسهيل أمور الطلاب اللبنانيين والجامعات تجاوبت مع هذه الدعوة، ولكن الخريجين الذين اقترب انتهاء موعد إقامتهم وعليهم تقديم امتحاناتهم ليحصلوا على الدبلوم، لكن إن لم يتمّ تسديد الأقساط قد يُحرم هؤلاء الطلاب من الامتحانات النهائية، وبالتالي إن لم تتمّ معالجة هذه المشكلة فهناك ما يقارب 35 الف طالب لبناني مستقبلهم في دائرة الخطر وقد يضطرون للمغادرة بلا شهادات، باختصار الضغط النفسي يزداد على كلّ الطلاب اللبنانيين ونحن لا نطلب من الدولة اللبنانية أن تدفع مصاريفهم وكلّ ما نريده هو تحرير أموالهم الموجودة في المصارف».
وختم: «هناك مجموعة من الباحثين والعلماء الأوكرانيين يعملون على لقاح لهذا الفيروس وهناك تجارب أجريت على أكثر من مرحلة. وهناك نتائج أولية جيدة وممتازة، ولكن أي لقاح محتمل يحتاج إلى سنة أو أكثر ليتم اعتماده، لذلك علينا التمسك بالأمل دوماً».
الطلاب الأكومي: المعضلة في سياسة المصارف
طلب بشار الأكومي من جريدة «البناء» إيصال صوت الطلاب للمعنيين في الدولة، وقال: «نحن مررنا بظروف صعبة جداً مع بداية انتشار فيروس كورونا، وهذه المرحلة كانت صعبة على كل العالم، ولا ننكر وقوف السفارة اللبنانية بشخص سعادة السفير علي ضاهر والدكتور عصام شاهين الى جانبنا وكانوا أهلاً لنا في غربتنا.
المشكلة التي نعاني منها الآن تتمثل بالظروف الاقتصادية الخانقة، هناك طلاب قطعوا مرحلة في دراستهم والآن لا يمكنهم تأمين مصاريفهم واقساطهم بسبب ما يحصل في لبنان من انهيار للعملة أمام ارتفاع سعر صرف الدولار، وحتى لو تمكن بعض الأهالي من توفير المبالغ المطلوبة تبرز معضلة سياسة المصارف القاضية بعدم تحويل الاموال إلى الطلاب.
وتابع: «انا أطلب من جريدة «البناء» إيصال صوتنا إلى كل المعنيين لتسهيل أمورنا والنظر بشكل جدي إلى معاناتنا والعمل على معالجة المشكلة كي نتمكن من إكمال دراستنا».
إبراهيم: وضع اقتصادي متدهور
الطالب راغب إبراهيم قال: «أنا أتابع دراستي في اوكرانيا منذ ثلاث سنوات خلال أزمة كورونا عانينا كثيراً، ولعل أبرزها تدهور الوضع الاقتصادي المتدهور وتوقف تحويل الأموال من لبنان بعد ان حجزت المصارف اموال المودعين، وبالتالي لم يعد بإمكاننا الإيفاء بالتزاماتنا المالية، وحتى أننا لا نستطيع دفع إيجار البيوت التي نقيم فيها، ولكون المطارات اوقفت الرحلات مع بداية انتشار الوباء لم نتمكن من المغادرة وحين بدأت الدولة اللبنانية بإجلاء رعاياها ولم يتمكن عدد كبير من الطلاب من دفع ثمن تذكرة السفر، باختصار وضع الطلاب اللبنانيين في اوكرانيا صعب جداً ونأمل ان تتم متابعته بشكل جدي من قبل الدولة».
فرّان: بانتظار فتح المطارات
من جهّته قال الطالب عبد الكريم فران وهو المقيم في مدينة «الفيف»: «أقيم في غرب اوكرانيا منذ سبع سنوات في مدينة الفيف على حدود اوروبا، بدأ الحجر الصحي هنا في 12 آذار والجميع التزم بالإجراءات الوقائية وبشكل خاص الطلاب اللبنانيين الحريصين على السلامة العامة ومواجهة انتشار الوباء».
وأضاف: «قبل أزمة كورونا كان الوضع المادي قد بدأ بالتردي بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار، وبالتالي فقد تأثر الطلاب بشكل كبير ومنهم من اضطروا لترك بيوتهم والعيش مع طلاب آخرين، أضف إلى ذلك الضغط النفسي بسبب إقفال المطارات وعدم تمكنهم من العودة الى لبنان، وحين قيل لنا إن هناك رحلة اجلاء مدفوعة التكلفة من قبل إحدى الجهات السياسية وسيتم إجلاء اكبر عدد ممكن وللفتيات الأولوية، وبالفعل هناك فتيات تركن بيوتهن استعداداً للسفر، ولكن المفاجأة أنه قبل يومين من موعد الرحلة تمّت إزالة اسمائهن عن اللائحة المغادرة وشقيقتي من ضمن اللواتي شطبت اسماؤهن من دون أي تبرير مقنع، ولعل الأمر سياسي او انتخابي وفق تقديرنا».
وتابع: «لاحقاً تمّ تسيير رحلات بعد مطالبة السفارة بذلك، ولكن هذه الرحلات تكلفتها مرتفعة وتراوحت أسعار البطاقات بين 600 و500 دولار وبعدها تمّ تقديم عرض للعائلات بحيث بلغ سعر البطاقة 400 دولار، على صعيد شخصي أودّ التوجه بالشكر الى الدكتور عصام شاهين والسفير علي ضاهر على الجهد الذي بذلاه في ما يتصل بمسألة إجلاء الطلاب وشقيقتاي تمكنتا من السفر وهن اليوم في لبنان».
وختم: «نحن الآن لم نزل عالقين في غربتنا بانتظار فتح المطارات وتوفر رحلات تجارية بأسعار مقبولة، ووضعنا المادي صعب في ظل عدم تمكن اهالينا من تحويل الاموال، ومع ارتفاع سعر صرف الدولار تصبح المصاريف أكبر، وهناك طلاب عادوا الى لبنان ولن يتمكنوا من الرجوع الى دراستهم في اوكرانيا بعد أن أصبحت سنتهم الدراسية تكلفهم ما يقارب 15 الف دولار، وحين نحسب سعر الصرف فهو رقم خيالي وفوق طاقتهم، وأعود لأكرر أنه لولا جهود الدكتور عصام شاهين والسفارة اللبنانية بشخص السفير علي ضاهر لكان وضع الطلاب اللبنانيين أكثر سوءاً مما هو عليه اليوم».