تظاهرة قادة حرب… المصيبة تجمع والشعور بالذنب أيضاً
روزانا رمّال
انطلقت في العاصمة الفرنسية تظاهرة ضخمة قُدِّر عدد المشاركين فيها بنحو مليون ونصف المليون شخص، تحية إلى ضحايا الاعتداءات في باريس ورفضاً للإرهاب.
ضمّت التظاهرة نحو 50 رئيساً ومسؤولاً دولياً قصدوا فرنسا لمساندتها والوقوف إلى جانب رئيسها فرنسوا هولاند وإلى جانب الفرنسيين.
مشهد التظاهرة مؤثر فعلاً، ويظهر الحرص الكبير للقادة الدوليين على مشاعر الشعب الفرنسي، والأهمّ أنّ في التظاهرة قدراً كبيراً من المشاعر والعواطف الإنسانية التي أضفت عليها جواً من المحبة والتضامن، وأرخت أجواء من الاتحاد والأمان والقلق على المصير.
تقدم القادة ممسكين بأيدي بعضهم بعضاً، في مشهد غير مسبوق، والكلّ يواسي الكلّ، فرئيس وزراء بريطانيا، مثلاً، ديفيد كاميرون يخاطب «الداخل» أي شعبه من الأراضي الفرنسية، فيقول لهم إنّ بريطانيا أيضاً في تحدٍّ مع الإرهاب، وإنه يجب دراسة الأحداث التي حصلت في فرنسا للتعلّم منها.
ملك الأردن عبدالله الثاني بين المشاركين، والرئيس الفلسطيني محمود عباس موجود أيضاً، ولكن اللافت كان وجود رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو بين المتظاهرين، بينما كان الأوْلى أن تكون التظاهرة موجهة ضدّه كونه إرهابياً من الصف الأول، ويترأس حكومة كيان غاصب قام أصلاً على الإرهاب وعلى ارتكاب الجرائم والمجازر والسطو على حقوق الآخرين وأرضهم وخيراتهم.
ولك لنتنياهو هدفاً آخر من مشاركته الباريسية، فهو في أول تعليق له على الأحداث خاطب اليهود الفرنسيين بالجملة التالية: «إسرائيل وطنكم».
لم يقل نتنياهو هذا الكلام عبثاً، فهو يعرف جيداً أنّ ثقة اليهود بالأمان في «إسرائيل» معدومة، وكأنه كان يشمت في لحظة أيقن أنّ استغلالها ضروري لإعادة الشعور بالأمان ولدفع مستوطنيه الهاربين من «أرض الميعاد» بفعل عمليات المقاومتين اللبنانية والفلسطينية، للعودة إليها.
من يدري، فكلّ شي ممكن عند هذا الكيان! من يدري، فالجماعات الإرهابية المسلحة المدعومة من «إسرائيل»، وإذا انتشرت عملياتها في الدول الغربية، ستخدم اليهود المنتشرين حول العالم، فتكون فرصة للعودة إلى «الديار» التي يتحدث عنها نتنياهو. فهل هناك أي مصلحة مشتركة مثلاً؟ وهل يمكن استبعاد أن يكون هذا العدو الإرهابي في تكوينه هو مَن يقف خلف العمل الإرهابي في باريس، مجرّد سؤال، لا سيما أنّ «داعش» وأخواته يحيّدون «إسرائيل» عن دائرة استهدافاتهم… مجرّد تذكير.
لا شك أنّ المشهد قاسٍ على فرنسا وأهلها، وما جرى كان صدمة يحتاج المجتمع الفرنسي إلى وقت غير قليل لكي يستفيق منها، لأنّ الإرهاب لا يرحم ولا يوفر أحداً، وقد أثبت ذلك أكثر من مرة في أكثر من دولة وأكثر من هدف لمدنيين وصحافيين ونشطاء وأسر بريئة.
من جهة أخرى، من المقرّر أن يجتمع زعماء العالم في ساحة الشهداء في بيروت الأسبوع المقبل، حيث تمّ الاتفاق في باريس على التوجه للتظاهر في البلدان التي تعاني من نار الإرهاب نفسه، بعد مشهد الوحدة بين رؤساء الدول التي وحّدت الشعوب المتضامنة أيضاً على نفس القلب والإيمان، فتقرّر أن يكون يوم الأحد في 18 كانون الثاني موعداً للتظاهر في بيروت، للتضامن مع أسر الشهداء الذين قضوا في تفجيري جبل محسن الإرهابيين، واللذين تبنّاهما «داعش».
ومن المقرّر أن تكون التظاهرة التالية في دمشق يوم الأحد في 25 كانون الثاني، للوقوف في وجه الإرهاب ومساندة الشعب السوري المظلوم منذ 4 سنوات، تليها تظاهرة في بغداد في الأول من شهر شباط.
كفى… المشهد قاس في فرنسا والكلّ متضامن لكن كفى…
في عروقنا دماء أيضاً… فنحن العرب من لحم ودم أيضاً…
تظاهرة قادة حرب ودماء وتحالفات وغزوات وعمليات عسكرية وتمويل وتسليح.
تظاهرة الشعور بالذنب لأنهم شغّلوا الإرهاب وموّلوه واستعملوه حتى ذاق طعم السلطة والنفوذ…
حتى وليد جنبلاط يقول: كلنا شارلي إيبدو… ربما شعور بالذنب أيضاً.
على أي حال، مشهد القادة العرب الموجودين فيها مقزز.
إنه مجرد حلم لن يتحقق، فالدم لا يزال «فئات»، منها ما يستحق التضامن، ومنها ما لا يستحق.