دبابيس
أحمد طيّ
أحمد طيّ
شكراً وزارة الاقتصاد، شكراً نقابة أصحاب أفران الخبز في لبنان. لقد أتحفتمونا، «عن جد شكراً»، فزيادة الغرامات الخمسين على ربطة الخبز إنجاز عظيم في عهد دولة فارغةٍ من كلّ مجالسها وهيئاتها التنفيذية والتشريعية.
نعم أيها الشعب اللبناني، نعم أيها الفقير اللبناني، فستنعم من اليوم وصاعداً بـ«كدشة» زيادة لدى شرائك أيّ ربطة خبز كان وزنها 900 غرام، ستحظى بـ50 غراماً إضافية، أي ما يساوي باللهجة العامية «كدشة» أو «كدّوشة»، أو لقمة أو قضمة.
«خي، ريّحتونا، طمّنتولنا بالنا»، فالصراع الحامي الذي كان يستعر حول اللقمة الأخيرة في ربطة الخبز الأخيرة لدى عائلة فقيرة أرادت أن تتعشّى، تأجّل لقمةً إضافيةً، أي ثوانٍ إضافية.
وبالعودة إلى الخبر الذي تناولته الصحف والتلفزيونات والمواقع الإلكترونية كأيّ خبر عاديّ في هذا اللبنان، نجد أن اجتماعاً عقد منذ أيام قليلة في وزارة الاقتصاد والتجارة ضمّ مدير عام الوزارة عليا عباس، ومدير عام مكتب الحبوب والشمندر السكري في الوزارة حنّا العميل من جهة، ووفداً من نقابة أصحاب الأفران والمخابز في لبنان برئاسة النقيب كاظم ابراهيم من جهة ثانية، بُحث خلاله في «ملفّ الرغيف» على ضوء انخفاض أسعار المحروقات. وبنتيجة البحث، تقرّر زيادة وزن ربطة الخبز 50 غراماً، من 900 غرام إلى 950 غراماً، وذلك اعتباراً من اليوم الاثنين. ودعا ابراهيم أصحاب المخابز والأفران إلى الالتزام بالقرار الجديد، مع المحافظة على جودة الرغيف ونظافته.
وفي قراءةٍ نقدية لهذا الخبر الذي لا يتعدّى سطوراً قليلة، نتوقّف عند ما يلي:
أوّلاً: وردت عبارة « بُحث خلاله في ملفّ الرغيف». «chapeau bas»، أخيراً شهد هذا اللبنان بحثاً في ملفّ رغيف الخبز، بعدما هزلت ربطة الخبز وأُخضعت لـ«ريجيم» قاسٍ جعلها نحيلة جدّاً. بعدما أصبح ثمن الرغيف أكثر من مئة وخمسين ليرة. بعدما كنّا على وشك اعتبار رغيف الخبز من الكماليات التي يمكن الاستغناء عنها، نشهد من يبحث في ملف الرغيف.
ثانياً: وردت أيضاً عبارة «على ضوء انخفاض أسعار المحروقات». حسناً، من الجيّد أن تنتبه وزارة الاقتصاد ونقابة أصحاب الأفران والمخابز لهذا الانخفاض المتتالي في أسعار المحروقات. يا جماعة الخير، سعر برميل النفط عالمياً ينخفض يومياً، وسيجتاز عتبة الـ«أربعين دولاراً» انخفاضاً عمّا قريب. وصفيحة البنزين ينخفض سعرها في لبنان كل فترة لا تتعدّى أياماً ألف ليرة، وصفيحة المازوت 700 ليرة. وها أنتم تضيفون خمسين غراماً على ربطة الخبز؟ خمسين غراماً فقط؟! يا أخي «حطّو على عينا وزيدولكن شي 150 غرام»، تماشياً مع انخفاض أسعار المحروقات!
مهلاً، ثمة اقتراح آخر. ما رأيكم لو تُزاد هذه الغرامات الخمسين كلّما انخفضت أسعار المحروقات؟ فكرة نلقيها في ملعبكم للتداول و«البحث في ملف الرغيف»!
ثالثاً: وردت أيضاً عبارة في نهاية الخبر مفادها «ودعا ابراهيم أصحاب المخابز والأفران إلى المحافظة على جودة الرغيف ونظافته». فهل كان أصحاب المخابز والأفران يتلاعبون في جودة الرغيف ونظافته؟ «عن جدّ؟»، هذا كلام مخيف. إذ إنّ أوّل ما يتبادر إلى الذهن الآن، أنّ المواطن كان يشتري ربطة خبز نحيلة ضعيفة وزنها لا يتعدّى 900 غرام، «وملعوب في جودتها أيضاً؟»!
أخيراً، لفتني اسم بين المجتمعين، حنّا العميل، هذا الرجل الذي أعرفه جيّداً كونه كان من كوادر وزارة الثقافة، وكُلّف في الآونة الأخيرة بإدارة المعهد الوطني للموسيقى «الكونسرفتوار» بعد رحيل العملاق وليد غلمية. وإذ به في هذا الخبر، يتولّى إدارة مكتب الحبوب والشمندر السكري في وزارة الاقتصاد. مبروك أستاذ حنّا، وبئساً لهذا اللبنان الذي «ينقّل» الكوادر في الإدارات، لا حسب الكفاءات والخبرات، بل حسب الموازنة التي لم تقرّ منذ سنوات!