الهجمات الإرهابية في فرنسا هل تشكل ذريعة لحروب استعمارية جديدة؟
حميدي العبدالله
طالب السيناتور الأميركي جون ماكين صديق التنظيمات الإرهابية، والذي حلّ بضيافتها في سورية أكثر من مرة، طالب بقيام الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين بشن هجوم بري على «داعش» في سورية والعراق.
وكعادة ماكين ومعسكر الحرب في الولايات المتحدة، والمحافظون الجدد وأنصار الكيان الصهيوني في الكونغرس وفي النخبة الحاكمة الأميركية، لا يتركون فرصة سانحة من دون توظيفها لصالح إقناع الإدارة الأميركية بالتورّط في حرب جديدة في المنطقة في الظاهر أنها تستهدف الإرهاب، ولكن في الواقع تستهدف منظومة المقاومة والممانعة في المنطقة، وتحديداًً سورية، فأجندته باتت واضحة، وهو إضعاف إيران لخدمة الكيان الصهيوني.
لكن هل تشكل هجمات فرنسا الإرهابية التي يطلق عليها إعلامياً «11 أيلول الفرنسي» سبباً لإطلاق موجة جديدة من الحروب الاستعمارية تشبه تلك التي أعقبت هجمات 11 أيلول الإرهابية في الولايات المتحدة والتي انتهت باحتلال أفغانستان والعراق؟
لو كان القرار بيد معسكر الحرب في الولايات المتحدة الذي يشكل ماكين أبرز نجومه، ولو ترك الأمر للرئيس الفرنسي ووزيري خارجيته وداخليته لأمكن الاستنتاج بأنّ موجةً جديدة من الحرب الاستعمارية على الأبواب، تستهدف هذه المرة سورية، إضافةً إلى استهدافها العراق مرة ثانية.
لكن الظروف القائمة الآن، دولياً وإقليمياً وفي العراق وسورية، تجعل هذا الاحتمال من رابع المستحيلات.
أولاً، الوضع الدولي تغيّر عما كان عليه في 11 أيلول 2001، في ذلك الوقت كانت الولايات المتحدة تتربّع منفردة على عرش النظام الدولي الأحادي، هذا الوضع تغيّر جذرياً الآن في ظلّ نهوض روسيا والصين وتدهور العلاقات الروسية الصينية. في ذلك الوقت كان الرأي العام الغربي في غالبيته الساحقة حيادياً، وكانت الفرصة متاحة أمام معسكر الحرب لتمرير مخططاته، علماً أنّ مذكرات جورج تينيت أبرزت حتى في ذلك الوقت مستوى المعارضة للحرب التي شنّت على العراق، أما اليوم فإنّ الرأي العام له رأي آخر ويفرض قيوداً على صانعي القرار في الولايات المتحدة وفي فرنسا يصعب تجاوزها، بل ثمة مسؤولون كبار في إدارة بوش التي شنَّت العدوان على العراق باتوا الآن ينتقدون احتلال العراق ويسمّون ما قام به بوش بأنه حرب «اختيار لا حرب ضرورة» كما أوضح ذلك رئيس قسم التخطيط في وزارة الخارجية الأميركية في ولاية بوش الأولى «ريتشارد هاس» في كتاب صدر له يتضمّن تقييماً لدوافع الحرب ونتائجها.
ثانياً، حروب الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين البرية فشلت في العراق حيث أزدهر في ظلّ وجود هذه القوات الإرهاب، وفشلت في أفغانستان، ومن الصعب إقناع أحد اليوم بإمكان ربح أيّ حرب برية تتورّط فيها الحكومات الغربية بذريعة ملاحقة ومطاردة الإرهابيين.
ثالثاً، أيّ قوات برية لن تقبل بها حكومات المنطقة المعنية، وتحديداً الحكومتان العراقية والسورية، وأيّ تدفق للقوات البرية سيعني القتال على جبهتين، جبهة «داعش» وتنظيمات القاعدة الأخرى، وجبهة الجيشين العراقي والسوري وحلفائهما، وبديهي أنّ من عجز عن ربح الحرب في العراق وأفغانستان في ظلّ وضع دولي ليس فيه كلّ هذه التعقيدات لن يربحها هذه المرة، ومن الصعب الاستجابة لتحريض ماكين وشركائه لهذه الأسباب وليس لأيّ سبب آخر.