هل يكون الهجوم على «شارلي إيبدو» فاتحة العمليات الإرهابية في أوروبا؟
في العلن، وقف الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند أمس وإلى جانبه عدد من قادة دول العالم وممثليهم، وعشرات الآلاف من الفرنسيين، حداداً على ضحايا مجلة «شارلي إيبدو» الفرنسية الساخرة، الذين قتلوا بدم بارد، خلال هجوم نفّذه متشدّدان مرتبطان بتنظيم «القاعدة»، هما الشقيقان سعيد وشريف كواشي. وقف الجميع علناً، تضامناً مع فرنسا ومع حرّية التعبير ضدّ الإرهاب.
هذا في العلن، أما في الخفاء، فكانت تقارير استخباراتية تتنقل هنا وهناك، ويتسرّب بعض منها إلى الصحافة الغربية، ومنها ما سلّطت الأضواء عليه صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية، التي ذكرت أنّ عملية «شارلي إيبدو» هي إحدى العمليات التسع التي أدرجها التنظيم على لائحته السوداء، والهدف منها كما يقولون «الرد على من أهانوا الرسول والإسلام».
أمّا صحيفة «بيلد» الألمانية، فاعتبرت أنّ الاعتداءات التي وقعت في فرنسا قد تكون مقدّمة لموجة اعتداءات على مستوى أوروبي، بحسب اتصالات لقادة تنظيم «داعش» اعتُرضت من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية.
وفي جولتنا على الصحف الغربية الصادرة أمس، لفتنا مقال للكاتب البريطاني روبرت فيسك نشره في صحيفة «إندبندنت» البريطانية، يرى فيه أنّ العلاقة المعقدة بين فرنسا ـ المسكوت عن جرائمها في الجزائر ـ وبين السلطة الحاكمة في الجزائر، بكل تعقيداتها، لديها يد بشكل أو بآخر في ما حدث من عمليات إرهابية في «عاصمة النور باريس» خلال الأسبوع الماضي، مستشهداً بمقولة لأحد الدبلوماسيين الأميركيين بأن ما تقوم به سلطات الجزائر من عمليات مطاردة ضد التيار الإسلامي، يجعل الأخير يبحث عن قضية يقاتل من أجلها خارج الجزائر، إما في العراق أو في فرنسا نفسها.
أمّا موقع «ديلي بيست» الأميركي، فأشار إلى أن منفذَيْ هجوم «شارلي إيبدو» كانا جهاديين معروفين، قاما بإجراء مقابلات صحافية خلال فترة نشاطهما المتطرّف، لا بل أمضيا فترات داخل السجن في تهم تتعلق بالنشاط الإرهابي.
«ديلي بيست»: هجوم «شارلي إيبدو» هو العادة الجديدة في الغرب
نقل موقع «ديلي بيست» الإخباري الأميركي عن مسؤولين أميركيين قولهم إن الهجوم الذي شهدته باريس يوم الأربعاء الماضي على مجلة «شارلي إيبدو»، هو العادة الجديدة، لأنه ليس في إمكانهم وقف كل الإرهابيين الذين يعيشون الآن في الغرب.
وأشار الموقع إلى أن منفذَيْ هجوم «شارلي إيبدو» سعيد وشريف كواشي كانا جهاديين معروفين، قاما بإجراء مقابلات صحافية خلال فترة نشاطهما المتطرّف، لا بل أمضيا فترات داخل السجن في تهم تتعلق بالنشاط الإرهابي. وفي مواجهة الإرهابيين المارقين الذين يعيشون الآن في العرب، ويدعون إلى هجمات داخل بلدانهم، فإن التهديد الذي يمثله هؤلاء هو «الأمر العادي الجديد» كما يقول أحد مسؤولي الحكومة الأميركية.
وقال مسؤولون أميركيون للموقع إن القضاء على هذا التهديد مستحيل، فهناك مئات الآلاف من الجهاديين الذين يعيشون في الغرب، أكثر مما تستطيع قوات الأمن مراقبتهم. ومع استمرار الحرب في سورية، هناك إمكانية أن يزداد الأمر مع عودة المقاتلين من الجبهات الأمامية، واحتمال تحوّلهم نحو التطرّف. وعدم تحقيق الولايات المتحدة وحلفائها في الأمر يؤدّي إلى اختلافات واسعة في كيفية مراقبة المشتبه بهم واعتقالهم بل والحكم عليهم. وحتى لو رُصد شخص ما، فلو ظل نائماً لفترة زمنية طويلة، فإن هذا الصمت يمكن أن يكون مربكاً في شأن ما إذا كان هذا الشخص قد ترك الحركة، بدلاً من التخطيط لهجوم.
وقال المسؤول الذي لم يكشف عن هويته إنه لا يمكنهم إثارة رعب الرأي العام الأميركي حتى يكون هناك تهديد حقيقي محدد. والخدعة تكمن في إيجاد أرضية وسطية لاستمرار الحياة والتجارة والحريات المدنية مع توفير الحماية المطلوبة. وتسعى سلطات تنفيذ القانون الأميركية إلى الحصول على تفاصيل من نظائرهم في فرنسا في شأن ما كانت حكومة باريس تعلم عن الأخوين كواشي قبل الهجوم على «شارلي إيبدو».
ويرى المحققون أن الأسئلة الهامة التي لا إجابات عليها، تتركز على ما كان الأخوان يفعلانه خلال الفترة بين سفر سعيد كواشي إلى اليمن عام 2011، من أجل التدريب المسلح كما هو مفترض، وحتى يوم الهجوم على المجلة الفرنسية. وأشار الموقع إلى تدريب كواشي على يد تنظيم «القاعدة» في اليمن، ونقل عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين قولهم إن الولايات المتحدة تدرك الخطر المحتمل الذي يمثله المقاتلون الأجانب الذين مُوّلوا ودُرّبوا على يد «القاعدة» في شبه الجزيرة. ففي الأشهر الأخيرة قال مسؤولون استخباراتيون رفيعو المستوى إنهم يشعرون بقلق على نحو خاص من محاولات التنظيم تهريب متفجرات متطورة على متن طائرات تجارية. وخلصوا أيضاً إلى أن إبراهيم العشري، صانع القنابل الرئيسي في التنظيم، قد نجا من محاولة أميركية لقتله، وقام بتدريب آخرين حول كيفية تصنيع السلاح الذي يمكن تمريره في المطارات.
«إندبندنت»: ما حدث في باريس مقترن بتاريخ فرنسا في الجزائر
نشر الصحافي البريطاني روبرت فيسك مقالاً في صحيفة «إندبندنت» البريطانية، يحلل الأحداث التي شهدتها العاصمة الفرنسية باريس خلال الأسبوع الماضي، بداية من قتل طاقم مجلة «شارلي إيبدو»، وانتهاء باحتجاز رهائن داخل أحد المطاعم الفرنسية الجمعة.
يقول فيسك إنه منذ أن تلقى خبر الهجوم على مجلة «شارلي إيبدو» وجد كلمة الجزائر تتردد داخل رأسه، وعندما عرف هوية المهاجمين على مقر المجلة ـ الأخوان سعيد وشريف كوشي ـ وأصلهما الجزائري، وجد الكلمة تتردد بقوة أكبر داخل رأسه.
يعود فيسك في مقاله إلى فترة الاستعمار الفرنسي للجزائر والظروف التي أحاطت به، وحرب التحرّر الجزائرية من عام 1954 حتى عام 1962 التي شهدت وحشية من قبل المحتل الفرنسي الذي حصد أرواح ما يقارب مليون ونصف المليون من الجزائريين، وهي جرائم غير معترف بها حتى الآن من قبل فرنسا.
يحلل فيسك العلاقة التي ربطت بين فرنسا والجزائر التي يبلغ عدد من يحمل أصولها في فرنسا حوالى 5 ملايين نسمة من 6.5 مليون مسلم يعيشون داخل فرنسا، فمن احتلال استمر 132 سنة، شهد كل الجرائم ومحاولة تنصير البلد الشمال أفريقي، وتحويل ثقافته إلى الفرنسية، حتى ما بعد التحرر وسيطرة دكتاتورية عسكرية على مقاليد السلطة في الجزائر.
يقول فيسك، إن الدكتاتورية العسكرية الجزائرية وجدت في فرنسا نصيراً في حربها ضد الإسلاميين في الجزائر في فترة الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي، هؤلاء الإسلاميون الذين ذهب البعض منهم للاشتراك في حرب الجهاد المقدس ضد الاتحاد السوفياتي في ثمانينات القرن الماضي، وذهب البعض الآخر منهم للاشتراك في الحرب العراقية ضد قوات الغزو الأميركي ـ البريطاني.
ويرى فيسك أنّ العلاقة المعقدة بين فرنسا ـ المسكوت عن جرائمها في الجزائر ـ وبين السلطة الحاكمة في الجزائر، بكل تعقيداتها، لديها يد بشكل أو بآخر في ما حدث من عمليات إرهابية في «عاصمة النور باريس» خلال الأسبوع الماضي، مستشهداً بمقولة لأحد الدبلوماسيين الأميركيين بأن ما تقوم به سلطات الجزائر من عمليات مطاردة ضد التيار الإسلامي، يجعل الأخير يبحث عن قضية يقاتل من أجلها خارج الجزائر، إما في العراق أو في فرنسا نفسها.
«لوفيغارو»: عملية «شارلي إيبدو» هي إحدى العمليات التسع التي أدرجها «القاعدة» في لائحته
ذكرت صحيفة «لوفيغارو» الفرنسية أن سعيد كواشي، وهو أحد المشتبه بهما في تنفيذ الهجوم على مكتب مجلة «شارلي إيبدو» في باريس، كان في اليمن في أوقات مختلفة.
وأضافت الصحيفة أن الرجل مكث هناك بين عامَيْ 2009 و2013، وتنقل بين «جامعة الإيمان» في صنعاء إلى معسكرات تدريب في الجنوب والجنوب الشرقي من البلاد، إذ أصبحت اليمن في ما بعد أحد أهم معاقل تنظيم «القاعدة» في العالم.
وقالت الصحيفة إنّ «القاعدة» في جزيرة العرب أصبحت قبلة للجهاديين الآتين من أفغانستان وباكستان وماليزيا والسودان، ومن القارتين الأوروبية والأميركية.
وكشفت الصحيفة الفرنسية أيضاً أن مراكز إسلامية شرقي البلاد، تعمل على توفير الغطاء المناسب لتجنيد الطلاب الأجانب. كواشي كان أحد الذين التحقوا بهم، وتدرج في سلم التنظيم وتدرّب على استعمال السلاح.
مصادر أميركية تقول إن الداعية المشهور عبد المجيد الزنداني المدرج على القائمة السوداء في الولايات المتحدة، هو من أشرف على تعليمه، وبعدها تولى تدريبه أنور العولقي أحد أبرز قادة «القاعدة» الذي قتل عام 2011 بغارة طائرة من دون طيار استهدفت سيارته.
وذكرت الصحيفة أن عملية «شارلي إيبدو» هي إحدى العمليات التسع التي أدرجها التنظيم على لائحته السوداء، والهدف منها كما يقولون «الرد على من أهانوا الرسول والإسلام».
«بيلد»: الاعتداءات في فرنسا مقدّمة محتملة لموجة اعتداءات في أوروبا
ذكرت صحيفة «بيلد» الألمانية أنّ الاعتداءات التي وقعت في فرنسا قد تكون مقدّمة لموجة اعتداءات على مستوى أوروبي، بحسب اتصالات لقادة تنظيم «داعش» اعتُرضت من قبل أجهزة الاستخبارات الأميركية.
ونقلت الصحيفة عن مصادر في الاستخبارات الأميركية أن وكالة الأمن القومي، اعترضت قبيل الاعتداءات التي وقعت في باريس اتصالات أعلن فيها قادة في تنظيم «داعش» عن موجة اعتداءات مقبلة.
واعتبرت باريس بحسب هذه الاتصالات بمثابة الاشارة لسلسلة اعتداءات تستهدف مدناً أوروبية أخرى من بينها روما، بحسب الصحيفة التي أشارت إلى أنّ أيّ خطة ملموسة لم تذكر.
وأوضحت الصحيفة أن الاستخبارات الأميركية تملك معلومات مفادها أنه كانت للاخوين شريف وسعيد كواشي اللذين نفّذا المجزرة في مجلّة «شارلي إيبدو» الساخرة 12 قتيلاً اتصالات في هولندا.