الحكومة اللبنانية أمام فرصة ثمينة للإنقاذ الاقتصادي… فهل تتلقفها قبل فوات الأوان؟
} حسن حردان
بات من الواضح أنّ لبنان ومنذ ما قبل اندلاع انتفاضة 17 تشرين الأول، يواجه حصاراً مالياً أميركياً خانقاً تسبّب بتسريع انفجار الأزمة الاقتصادية والاجتماعية في الشارع، وهي الأزمة التي يعاني منها لبنان أصلاً نتيجة السياسات الريعية المعتمدة منذ أوائل تسعينيات القرن الماضي..
كما بات من الواضح أنّ الهدف من وراء الحصار الأميركي ودفع لبنان إلى خضمّ الانفجار الاجتماعي، تمكين القوى السياسية والمجموعات الـ NGOZ، الموالية لواشنطن، من استثمار التحركات الشعبية الاحتجاجية لأجل تنظيم انقلاب سياسي يطيح بالمعادلة السياسية القائمة والمعبّر عنها في البرلمان والحكومة، والإتيان بحكومة موالية للولايات المتحدة لتنفيذ الأجندة الأميركية التي تستهدف:
أولاً، إقصاء حزب الله المقاوم وحلفائه عن السلطة التنفيذية..
ثانياً، منع أيّ تواصل رسمي أو تعاون اقتصادي بين لبنان وسورية والعمل على محاولة تعديل القرار 1701 بما يمكن قوات اليونيفيل من تنفيذ مهمات أمنية تستهدف المقاومة وسلاحها في الجنوب حماية لأمن العدو الصهيوني، والانتشار أيضاً على طول الحدود اللبنانية السورية لمحاصرة وعزل المقاومة عن محور المقاومة، الذي تشكل سورية أحد أضلاعه الأساسية… وصولاً، في مرحلة لاحقة، للعمل على نزع سلاح المقاومة…
ثالثاً، فرض اتفاق لترسيم الحدود البرية والبحرية بين لبنان وفلسطين المحتلة بما يحقق أهداف وأطماع كيان العدو الصهيوني في أراضي وثروات لبنان من نفط وغاز ومياه..
رابعاً، إعادة تحويل لبنان إلى قاعدة للجماعات الإرهابية المسلحة وتمكينها من العبور مجدّداً إلى الأراضي السورية وإعادة انعاش الحرب الإرهابية وقواها المنهزمة، كما حصل في بدايات تفجير الحرب الإرهابية ضدّ سورية في آذار من العام 2011..
لكن هذا المخطط الأميركي لم ينجح لأنّ حزب الله وحلفاءه نجحوا في إحباطه من خلال أخذ زمام المبادرة بتشكيل حكومة هواها هوى وطني، بعد تسمية الرئيس حسان دياب لتأليفها، مما وجه ضربةً موجعةً لواشنطن والقوى التي تدور في فلكها…
أمام هذه التطورات، وبعد نجاح الحكومة الجديدة، وفي غضون فترة قصيرة، من مواجهة…
1 ـ فايروس كورونا والحدّ من انتشاره في لبنان، وتجنيب اللبنانيين كارثة صحية أصابت أكثر الدول تقدّماً، مثل الولايات المتحدة…
2 ـ اتخاذ قرار جريء بوقف سداد سندات الدين وفوائده، في سياق خطة أعدّت لإعادة هيكلة الدين…
بعد هذا النجاح للحكومة، شعرت واشنطن والقوى الموالية لها (14 آذار) التي فقدت السلطة، بأنّ الحكومة تتجه للسيطرة على الأزمة، وأنها بدأت تكسب ثقة اللبنانيين.. فسارعت إلى وضع خطة لإعادة وضع العراقيل أمام الحكومة لإرباكها وجعلها تتخبّط في مواجهة الأزمة الاقتصادية والنقدية والمعيشية… والعمل على تأليب الناس ضدّ الحكومة وصولاً إلى إسقاطها وذلك من خلال:
1 ـ تسعير المضاربة بالدولار ما أدّى إلى رفع سعره مقابل الليرة وإضعاف القدرة الشرائية للناس ودفعهم للنزول مجدّداً إلى الشارع للاحتجاج على الارتفاع الجنوني في أسعار السلع والمواد الاستهلاكية…
2 ـ إطالة أمد المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وبالتالي الحؤول دون حصول الحكومة على أيّ قروض من الصندوق أو مؤتمر سيدر الذي ينتظر الموافقة الأميركية.. وبالتالي دفع الأزمة في البلاد إلى المزيد من التفاقم ووضع لحكومة أمام خيارين: الرضوخ للشروط الأميركية.. أو مواجهة سقوطها في الشارع.
في هذا السياق جاء الإعلان عن قانون قيصر الأميركي لتشديد الحصار على سورية، دولة وشعباً، في محاولة لخنقها اقتصادياً ودفعها لقبول الشروط الأميركية للحلّ السياسي في سورية.. فهذا القانون يستهدفُ أيضاً لبنان من خلال محاولة منعه من التعاون الاقتصادي والتجاري مع الدولة السورية ومؤسساتها المختلفة، وبالتالي وضع المزيد من العراقيل أمام الحكومة اللبنانية للحؤول دون توجه لبنان نحو سورية ومن خلالها نحو دول الشرق لحلّ أزماته الاقتصادية والخدماتية والمالية…
لقد انكشفت هذه الخطة اثر الدعوة لتجديد انتفاضة 17 تشرين الأول، عندما تمّت تحت عنوان المطالبة بنزع سلاح المقاومة وتنفيذ القرار 1559، وهي المحاولة التي فشلت في تظاهرة 6/6 في ساحة الشهداء التي تحوّلت إلى حفلة من أعمال العنف والتكسر والتخريب في وسط بيروت التجاري، جرت بعدها محاولة لإثارة الفتنة المذهبية ودفع البلاد إلى الفوضى وعندما أخفقت هذه المحاولة عمدت قوى 14 آذار ومجموعات NGOZ إلى الترويج إلى ارتفاع سعر الدولار لأكثر من سبعة آلاف ليرة، وأعقب ذلك نزولها بمجموعات منظمة قطعت الطرقات في جسر الرينغ وجل الديب والذوق والجية وطرابلس، في محاولة لدفع الناس للنزول بكثافة إلى الساحات وتجديد انتفاضة 17 تشرين الأول وإسقاط الحكومة.. وقد كشف النقاب لاحقاً عن خطة انقلابية لإسقاط الحكومة تحت عنوان أنها لم تفعل شيئاً وأنها عاجزة وخاضعة لهيمنة حزب الله وحلفائه.. وعندما فشلت المحاولة الانقلابية نتيجة عدم استجابة الناس للنزول إلى الساحات، واقتصر الأمر على مجموعات منظمة تابعة للقوى المذكورة آنفاً، تمّ اللجوء مجدداً إلى:
ـ تنفيذ عمليات اعتداء على الأملاك العامة والخاصة في بيروت وطرابلس، والاعتداء على الجيش والقوى الأمنية..
ـ محاولة إشعال الفتنة عبر إطلاق الشتائم وبث فيديو تحريضي، وصاحب ذلك بث مشاهد يقوم فيها أحد الأشخاص بحرق صورة لسماحة السيد حسن نصرالله.. في محاولة لاستدراج ردود فعل مقابلة..
لقد دفع ذلك الحكومة إلى الاستنفار واتخاذ إجراءات أمنية رادعة للجماعات المخربة، ووضع خطة ضدّ المضاربين بسعر العملة، وتأمين الدولار للتجار الذين يحتاجون إليه لاستيراد المواد الضرورية، وللطلاب في الخارج…
لكن هذه الخطة تبيّن أنها غير كافية لمواجهة الأزمة والحصار الأميركي وخصوصاً بعد صدور قانون قيصر..
إنّ التصدي للأزمة ووضع لبنان على سكة الإنقاذ.. بات مرتبطاً بوضع خطة اقتصادية لا تنتظر نتائج مفاوضات صندوق النقد الدولي.. وتتجه نحو تنويع خيارات لبنان لحلّ أزماته المتعددة.. والفرصة متاحة أمام الحكومة لتحقيق ذلك، وهي بانتظار أن تتلقفها الحكومة.. وتكمن هذه الفرصة الآن حصراً بالعروض الصينية السخية غير المشروطة والمتوافرة الآن لوجود مصلحة صينية مباشرة وملحة.. لكن في حال تلكأت الحكومة في عدم المسارعة إلى ملاقاة الحكومة الصينية وقبول عرضها، فإنه قد تحصل متغيّرات لاحقاً تجعل الكيان الصهيوني يوافق على أن يحلّ مكان لبنان ويقبل بأن يكون هو رأس الجسر بين الصين والغرب وبين الصين والدول العربية، التي انفتح عدد كبير منها على كيان العدو..
إذن الفرصة موجودة في العرض الصيني لإخراج لبنان من تخلف اقتصادي وخدماتي عمره أربعين عاماً، وهذه الفرصة المتاحة الآن ليس أمام الحكومة من خيار آخر لها.. بل ليس أمامها.. في حال امتنعت عن تلقفها، سوى الفشل في مهمة الإنقاذ الاقتصادي… وهذا قد يوفر الفرصة للقوى المعارضة للعمل على إسقاطها تحت ضغط تحرك الشارع مجدّداً… في حين أنّ المسارعة إلى قبول العرض الصيني والاتجاه شرقاً لحلّ مشكلات لبنان الخدماتية والنهوض بالاقتصاد الإنتاجي من حالة الركود، فإنه يقوي شعبية الحكومة، ويضعف خصومها، ويضع لبنان مجدداً أمام العودة للعب دور خدماتي وسياحي مهمّ انطلاقاً من تجديد وتأهيل بنيته التحتية لتكون قادرة على لعب دور صلة الوصل بين الصين والداخل العربي، وبين الصين والغرب.. إلى جانب ربط المناطق اللبنانية بشبكة مواصلات حديثة، في حين أنّ لبنان لن يخسر شيئاً من توجههِ لقبول العرض الصيني أو أيّ عروض اقتصادية وتبادلية مع دول أخرى تحقق مصالحه، وليست مرهونة بأيّ شروط سياسية أو اقتصادية.. بل إنه يكون قد كسب كثيراً.. وتخلص من تأثير الحصار الأميركي الذي يسعى إلى مفاقمة الأزمات لإخضاع لبنان..
فهل تُسارع الحكومة إلى تلقف هذه الفرصة ويُسجل التاريخ لرئيسها ووزرائها ولعهد الرئيس عون، أنهم هم الذين أنقذوا لبنان من الغرق في أكبر وأخطر أزمة اقتصادية ومالية واجهته في تاريخهِ الحديث…؟