رياضة

عماد مرتضى «مهندس خط الوسط»: «شباب النبعة» ‏أولاً و«النجمة» ثانياً

} ابراهيم وزنه

من المتعارف عليه، انه ومن منطلق التأثّر بالمحيط والاقتداء بالاباء، غالباً ما تنسحب الاجواء الرياضية داخل البيت الواحد على جميع أفراده، إذ طالما قرأنا عبارة «فرخ البط عوّام» في مقدّمة الاخبار التي تشير الى  أن البطل في اللعبة الفلانية هو ابن البطل السابق في اللعبة عينها، وهنا لا بد من التذكير بأن حسن التوجيه ومواصلة الرعاية هما المعيار الاساس في تكرار الانجازات العائلية من جيل الى جيل.

…. وعماد مرتضى المولود في برج حمود (حي النبعة) في العام 1958 هو مثالنا الساطع على ما تقدّمنا به، فلاعب النجمة المتألق في حقبة السبعينيات ومطلع الثمانينيات، الذي نجح في فرض ايقاعه الفني ولمساته السحرية بين الكبار والأقوياء مواصلاً في الوقت عينه تحصيله العلمي في جامعة بيروت العربية، كان لفترة من الزمن المهندس «الكروي» على أرض الملعب و»المدني» خارجه، فهو تعلّق باللعبة من خلال شقيقيه نجيب ومرتضى، ولم يزل على عهده لغاية اليوم ممارساً متابعاً للرياضة بهدف الاستمتاع وإشباع الرغبة والمحافظة على الصحة واللياقة، فهو يركض بمعدل 3 مرأت اسبوعياً ويلعب كرة القدم مع الأصحاب مرّة اسبوعياً ويتابع المباريات العالمية بعين الخبير الناقد. هذه الأرضية بالاضافة الى العامل الوراثي والجينات الرياضية التي يختزنها، جعلت من أولاده الثلاثة (ريم وداني وحسن) أبطالاً متألقين في أكثر من ميدان رياضي وهم في مقتبل العمر، ما يعني بأنهم تجاوزوا والدهم الذي يعترف: «لا أنكر تفوّقهم عليّ في الميادين الرياضية ومردّ ذلك إلى انهم حظيوا بتوجيه علمي مدروس من اساتذتهم ومدربيهم في المدرسة وفي نادي هوبس، كما استفادوا من خبرتي الطويلة في هذا المجال، لكن المهم عندي ان يبقوا في الساحات الرياضية في أي لعبة اردوا من منطلق الاستمتاع بممارسة الرياضة بشكل عام، وهذا سيفيدهم ذهنياً وجسدياً وصحياً في المستقبل، وتجربتي امامهم خير مثال على ما أنصحهم به».

إضاءة على المهندس الكروي

متأثراً بشقيقيه نجيب ومرتضى اللذان لعبا في صفوف الاخاء عاليه بحكم مكان وجود البيت الصيفي للعائلة، استهل عماد مرتضى مسيرته الكروية في مطلع السبعينيات مع رفاق الحي في منطقة النبعة وتحديداً على ملعب نجمة الصحراء في سن الفيل، ومن بين رفاقه في تلك المرحلة، ابراهيم أبو طعام ومحمد العرجا وعباس جواد وجورج عبدو وغسان الخازن، وفي سن الثالثة عشرة من عمره انتسب مع رفاقه إلى فريق سانتوس غير المرخّص الذي يشرف عليه الكابتن ابراهيم الأورفلي، ولاحقاً حمل الفريق اسم «الأورفلي»، وتدريجياً توزّع لاعبوه على أندية الدرجة الأولى.

حكاية توقيع أثار جدلاً!

عن توقيعه الرسمي الأول، يخبر الكابتن عماد: «في العام 1971 … وعلى مقاعد الدراسة في ثانوية الأشرفية الرسمية تعرّفت إلى زميلي نقولا بدران، كان شقيقه ايلي بدران ادارياً في نادي الشبيبة المزرعة، صرت أرافق نقولا إلى ملعب الشبيبة لأتمرن وألعب مع الفريق الثاني، إلى أن أقنعني بضرورة التوقيع لأواصل اللعب، وبالفعل وقّعت في مقر الاتحاد تحت أنظار الراحل جميل شلالا، وفي الوقت عينه واصلت لعبي مع رفاق الحيّ في النبعة». ويعلّق على الموضوع: «من الاخطاء الفادحة السائدة في لبنان السماح للصغار والشباب بالتوقيع على كشوفات الأندية من دون حسيب أو رقيب أو توجيه».

ويكمل مستذكراً حول إشكالية توقيعه: «بعد اندلاع الحرب الأهلية (1975)، وفي ضوء تألقي الكروي في الملاعب الشعبية وخصوصاً في دورات مدينة عاليه الصيفية التي كان لشقيقي الأكبر نجيب دوراً محورياً في تنظيمها، ونتيجة إنقسام البلد ووجود اتحادين كرويين في الشرقية والغربية، وقّعت على كشوفات نادي الاخاء عاليهوخلال مشاركتي في دورة عاليه في العام 1977، كانت المفاجأة غير المتوقّعة على جنبات اللقاء الذي جمع بين الاخاء والشبيبة المزرعة، فبين الشوطين تقدّم اداري الشبيبة جورج مجدلاني مستفسراً من عادل باز: «كيف تشرك عماد مرتضى وهو من الموقّعين على كشوفاتنا رسمياً منذ العام 1971 ، وبعد جدل إمتد لدقائق أخرجوني من الملعب في الشوط الثاني فتابعت المجريات من المدرجاتعلماً بأنني في تلك الفترة كنت أقضي معظم وقتي مشاركاً الفريق الذي يعني لي الكثير «شباب النبعة» فرفاق التهجير القسري تجمّعوا في فريق عرف كيف يفرض هيبته على معظم الفرق اللبنانية، وكان مُواكباً من المئات ويلقي التعاطف الكبير من غالبية الجماهير الكروية».

الوصول إلى النجمة

عن انضمامه إلى صفوف نادي النجمة، يقول مرتضى: «أثناء مشاركتي مع شباب النبعة في احدى الدورات التي كان ينظّمها الراحل أبو عصام التوسكي على ملعب الطلائع، تحرّكت بنشاط ومررت كرات خطرة وسجّلت في مرمى الحارس العملاق عبد الرحمن شبارو، بعد تلك المباراة عرض عليّ الراحل سمير العدو الانتقال للنجمة، فأخبرته بأن توقيعي مع الشبيبة المزرعة، فقال أنا أتكفّل بانهاء الموضوع، علماً بأن جورج مجدلاني ومن باب الحرص على بقائي مع فريقه تكفّل بدفع أول قسط للجامعة العربية (400 ل.ل)، المهم وبعد جملة من الاتصالات والالحاح النجماوي على الفوز بخدماتي، قضت الصفقة التبادلية بين النجمة والشبيبة بانتقال اللاعب محمد علي ياسين إلى الشبيبة وانضمامي إلى صفوف النجمة، يومها غمرتني الفرحة لأنني سأدافع عن قميص الفريق الذي كانت صورته محفورة في ذهني وقلبي منذ كنت صغيراً أتابع جيله الذهبي على ملعب برج حمود القريب من بيتنا».

وبناء على صولاته وجولاته في الملاعب، أشادت الصحف والمجلات الرياضية بانجازات عماد مرتضى بالخط العريض فأطلقت عليه القاباً كثيرة «عتّال خط الوسط» و «اللاعب الأنيق» لكن أحبّها اليه «مهندس خط الوسط»، فمع النجمة سطع بريقه وفُرش أمامه بساط الشهرة في كل الاتجاهات، ومن أبرز مبارياته مع «النبيذي» كانت مباراته الأخيرة لأنه أراد أن يودّع الملاعب في عزّ عطائه، ضد فريق الشرطة العراقي في بغداد، يومها أشادت الصحف اللبنانية والعربية بما قدّمه من لمحات ساحرة وجهود لافتة، وكان في السابق قد سافر مع النجمة إلى عدد من الدول ونجح بفرض نفسه على التشكيلة الأساسية رغم وفرة النجوم، علماً أن عدّة فرق خلال تلك الحقبة تسابقت لضمّه لكنه آثر إنهاء مشواره الكروي سريعاً على حساب الانتباه لحياته المهنية بعد أن تخرّج مهندساً في العام 1983 والتحاقه بعمله في مدينة طرابلس، وعلى ذلك يعلّق: «الفوتبول بلبنان ما بطعمي خبزالله يعين اللاعب يللي بيكون مش متعلّم وما معو مهنةفحتما مصيرو مجهول وسيكون عرضة لغدرات الزمن والأمثلة كثيرة»، وهنا لا بدّ من الاشارة الى تناقص أعداد اللاعبين المتعلمين في الأندية من جيل إلى جيلففي السبعينيات كانت نسبتهم تصل الى 50 بالمئة في كل فريق أما اليوم فلا تتجاوز الخمسة بالمئة.

منحة من الجامعة العربية!

بفضل تألقه الكروي، أصر مسؤول الرياضة في الجامعة العربية الراحل عادل هيكل أن يؤمّن له منحة دراسية، وهنا يخبرنا مرتضى: «لعبت مع منتخب الجامعة العربية على مدى خمس سنوات 1978 ـ 1983 ، تمّ تعييني كقائد لمنتخب الجامعة وفي نفس الوقت كان محمد بكري قائداً لفريق كرة السلة، وبفضل جهود وإصرار مسؤول الرياضة في الجامعة الرياضي العريق عادل هيكل نلت مع بكري منحة دراسية في العام 1979 … وبعد فترة ترك هيكل مهمته مغادراً إلى مصر».

محطّات وأسماء في البال

ماذا تخبرنا عن أجمل أيامك في الملاعب؟ فأجاب الكابتن عماد:

«أعترف بأن أجمل مبارياتي وذكرياتي الكروية أمضيتها في الملاعب والفرق غير المرخصة والدورات الشعبية متجاوزاً خطورة الأوضاع الأمنية، فأيامي مع شباب النبعة أراها أقرب إلى قلبي ووجداني من مسيرتي مع النجمةمن ملعب نجمة الصحراء إلى ملعب النصر في الشياح وملعب شباب الساحل في حارة حريك وملعب أرض جلول وملعب أبو عضل، ويبقى فريق «شباب النبعة» راسخاً بكل محطاته في قلبي وضميري من باب الوفاء للتاريخ والماضي الجميل والأصحاب ورفاق الطفولة والشباب، كما كانت لي مشاركة مع فريق الخالصة الفلسطيني في العام 1979 ، أما بالنسبة للاعبين الذين تأقلمت معهم وأرتحت اليهم، يطيب لي أن أذكر.. حسن الحسيني وماجد باز مع الاخاء عاليه، نعمة نصرالله وجمال بزي وابراهيم أبو طعام وجعفر نصرالله وعلي ابراهيم وحسني بزي وحسين طاهر وجمال سرور مع شباب النبعة، ومحمد حاطوم مع النجمة.

وعلى طريق «العماد» سار الأولاد

بتوجيه من والدهم، اندفع أبناء عماد مرتضى الى الملاعب الرياضية، ففي مدرستهم كانوا في طليعة المتألقين علماً ولعباً، وهنا يوّضح مرتضى: «ربما مهاراتي وسمعتي في الوسط الكروي أثّرت على طبيعة اندفاعهم الى ممارسة الرياضة» ليكمل متحسّرا: «كنت أرغب بأن تلعب ابنتاي ريم (مواليد 1997 ـ اخصائية علاج نطق) وداني (مواليد 1999 ـ سنة ثالثة هندسة مدنية) كرة القدم مع أحد الفرق نظراً لمهاراتيهما، لكن الوضع الكروي النسائي في لبنان لا يشجّع على ذلك، ما يعني بأن هناك الكثير من المهارات الأنثوية الكروية في بلدنا غير موظّفة في مكانها المناسبلكن ابني حسن (مواليد 2001 ـ سيختار وجهته الجامعية قريباً) نزل إلى الميدان الكروي عبر بوابة نادي هوبس وبرهن عن علو كعبه باكراً ولعب مع منتخب لبنان دون 12 سنةولاحقاً تراجعت همّته على حساب التحصيل العلمي». وبما أن الولد سر أبيه، اختار حسن اللعب في مركز خط الوسط. وإمعاناً من الابناء في تفجير طاقاتهم الرياضية اختار الثلاثة (ريم وداني وحسن) لعبة الريشة الطائرة «البادمنتون»، فمن خلال ممارستهم لها بانتظام واندفاع في نادي هوبس، وبتوجيه المدربين ودعم رئيس الاتحاد جاسم قانصوه سطع نجم «الثلاثة» سريعاً، فنجحوا في الوقوف فوق منصات التتويج، أبطالاً للبنان، وللمدارس والجامعات.

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى