آخر الكلام نفاق… وإرهاب
نسيب أبو ضرغم
الناظر إلى المسيرة المليونية الفرنسية، يجد نفسه أمام شعورين، الأول، هو الموقف الإنساني المتعاطف مع أفراد قتلوا بشكل وحشي على يد إرهاب للسلطة الفرنسية دورٌ في تخريجه، والثاني شعور غاضب لمقدار النفاق الظاهر من خلال قيادة التظاهرة، القيادة التي هي، وقبل كل شيء، شريكة فعلية في صناعة المنظمات الإرهابية ورعايتها، غضب ناتج من كيف يمكن للصانع أن يستنكر ما فعله مصنوعه.
لو أردنا تقويم موازين الربح والخسارة الناتجين من عملية باريس الإرهابية يكون اليهودي هو الرابح الأول، وخلفه يأتي الأميركي، وأما الآخرون فخاسرون، كلٌ بنسبة معينة وبشكل معين. لعل بشائر النشوة والفرح والزهو التي ظهرت على وجه نتنياهو كانت كافية للتأكيد على صحة ما نقول.
في تشريح العملية الإرهابية نقف عند المشهد الآتي:
1 ـ استحضار عداء عنصري ضد المسلمين والعرب في فرنسا واستطراداً في أوروبا كافة، وهذا يؤسس لمسار سياسي خطير جداً، على مستوى القارة، يشبه إلى حد بعيد مرحلة صعود النازية، ولكنها في هذا العصر نازية مهوّدة.
2 ـ الدفع بعملية فرز عالمي بين العالمين المسيحي والإسلامي ليكونا على طرفي نقيض، وبالتالي تطوير هذا الفرز لخلق حروب لا تنتهي بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي، تماماً مثلما حصل بعيد 11 أيلول 2001، وسيكتب التاريخ عن تلك المرحلة بأنها بداية تنفيذ مخطط اليهودية العالمية في تدمير الحضارتين المسيحية والإسلامية.
3 ـ جعل منسوب العطف على اليهود أكثر ارتفاعاً بفعل تعديات مدروسة ومقررة تقع على مؤسسات يهودية في هذه الدولة أو تلك من أوروبا.
4 ـ جعل العالم ينسى فلسطين وقضيتها، و«إسرائيل» وجرائمها، وبالتالي تصبح قضية دول العالم من مع «الإرهاب الإسلامي» ومن ضده، وليس مَن مع حق فلسطين ومن ضده.
بناءً عليه، نعتقد أن هذا الإرهاب كلّه الذي ظهر حديثاً، منذ حرب الأفغان ضد الاتحاد السوفياتي وولادة ما يسمى بتنظيم «القاعدة»، وحتى آخر تنظيم إرهابي يرف الإسلام شعاراً له، هذا الإرهاب كلّه هو صناعة يهودية بامتياز، أكان هؤلاء المتطرفون الإسلاميون على علم بذلك أم لا، وأعتقد أن الغالبية الساحقة منهم لا تدرك أنها ألعوبة في أيدي الموساد «الإسرائيلي»، بل هي مقتنعة بأنّها تعمل وفق أجندة إسلامية محض.
منذ تدمير برجي التجارة الدولية في نيويورك وأصابع الاتهام تشير إلى دور الموساد «الإسرائيلي» في الموضوع، ذلك أن الإخراج غير الموفق لقيادة الطائرات دلّ على أن ثمة من كان وراء عملية اقتحام الطائرات للبرجين بعيداً عن الطيارين الهواة. ثمة من يؤكد أن الطائرات اقتحمت البرجين بالريموت كونترول، وأن البرجين كانا أخليا من اليهود تماماً. لنراجع كتاب تيري ميسان «الخديعة الكبرى» .
رد فعل أميركا على تدمير البرجين كان حرباً على أفغانستان والعراق. من استفاد من هذه الحروب؟ لا شك في أنهم اليهود. دمر الأميركيّون الخزان الاستراتيجي وهو العراق، دمروا دولته وشعبه وقسموا أرضه وقتلوا مليوناً من سكانه، وحذفوه من معادلة الصراع.
إذن، أين صب الإرهاب «الإسلامي» نتائجه؟ في حساب اليهودية العالمية بالتأكيد.
الآن، أَلَم يَحنْ الوقت لندرك بعد هذه الكوارث كلّها، أن الاستخبارات اليهودية تمكنت من أن تحتل عقولاً قيادية في هذه المنظمات الإرهابية؟ ألا يكفي درس 11 أيلول 2001؟ هل الاستخبارات اليهودية عاجزة عن الوصول إلى تشغيل أحد هذه العقول في مستوى القيادة لمصلحتها؟
لماذا ينفذ الإرهابيون اليوم ضد الصحيفة الفرنسية ولم ينفذوا منذ وقت مضى؟ ألا يقودنا ذلك إلى القناعة بأن التوقيت تمّ وفق مصلحة «إسرائيل»؟ «إسرائيل» المذعورة من تحول الرأي العام الغربي، خاصة الفرنسي، من موضوع الدولة الفلسطينية، والمذعورة أيضاً من إمكان الاتفاق على الملف النووي مع إيران، «إسرائيل» هذه هي الجهة التي خططت لعملية باريس عبر قنواتها في العقول القيادية الإرهابية، وغايتها أن تضرب أكثر من عصفور بحجر واحد.
أولاً: تأديب فرنسا واستطراداً جميع الدول التي أيدت مبدئياً قيام دولة فلسطينية.
ثانياً: خلق ظروف غير آمنة لليهود الأوروبيين للمجيء إلى «إسرائيل».
ثالثاً: جعل الصراع الأساس في العالم صراعاً بين الغرب المسيحي والشرق الإسلامي صدام الحضارات الذي بشر به هانتنغتون .
رابعاً: طمس موضوع السياسات «الإسرائيلية» في فلسطين.
خامساً: خلق حالة عنصرية وثقافة عنصرية ضد المسلمين والعرب، وهذا يؤسس لحروب على الكرة الأرضية بأسرها بين الإثنين.
سادساً: تمكين اليهودية العالمية من الإمساك أكثر بمقود هذا الصراع الثنائي العالمي.
سابعاً: نقل موضوع معالجة الإرهاب الدولي من قاعدتيه «إسرائيل» وأميركا، إلى أن يصبح حالات داخلية متفرقة داخل كل دولة، بمعنى إسقاط البُعد السياسي العالمي للإرهاب منشأً وتنظيماً وسلوكاً، وإحلال البُعد الداخلي المحصّن.
هذا ما دعا لعقد اجتماع لوزراء الداخلية في أوروبا ولتعديل اتفاقية تنغن، في حين كان ينبغي أن يعقد مؤتمر لوزراء الخارجية لأن المشكلة سياسية ـ دولية في الأساس وليست مشكلة داخلية.
تحضرني في هذا السياق رواية تقول: إن السلطان عبد الحميد العثماني استدعى إليه يوماً كلاً من مفتي المسلمين وبطريرك المسيحيين وحاخام اليهود، فسأل عبد الحميد مفتي المسلمين عما يتمناه، فقال: أتمنى ألاّ يبقى مسيحي واحد على الأرض، فعاد عبد الحميد وكرر السؤال على البطريرك، فرد بأنه يتمنى ألاّ يبقى مسلمٌ واحدٌ على الأرض، وجاء دور الحاخام فسئل ما سئل به مَن سبقه، فكان رده أنه يتمنى أن يستجيب الله دعاء الطرفين!
اليهوديّ في هذا العصر، لم يَعُد واقفاً في دائرة التمني، دخل الآن إلى العقول القائدة والمقررة، يخطط ويَدَع من هم ظاهراً أعداء له أن ينفذوا عنه، بعلمهم أم من دون علمهم.
قتل اليهودي روبرت كندي بيد عربي سرحان سرحان ، كذلك هدم اليهودي برجي التجارة الدولية «بيد عرب»، وها هو الآن ينفذ سياسته الجهنمية التي بدأها في فرنسا نحو العالم كلّه بيد عرب ومسلمين، ودائماً ثمة يهودي يقف خلف المشهد.