الأميركيّون أكثر تواضعاً من عملائهم
ناصر قنديل
– لا يجرؤ العملاء على المجاهرة بمواقف واضحة كأسيادهم، فيختبئون وراء شعارات ملفّقة، ويرفعون سقوفاً عالية، وهم يسمعون أسيادهم يفاوضون على سقوف مختلفة ويتحدثون علناً عن أهداف مختلفة، فهل هي عبقريتهم الخاصة أم هي التعليمات. الجواب جاء في كلام السفيرة الأميركية في بيروت التي كشفت سر اللعبة بتصريحاتها التي تطابقت مع أمر العمليات الذي ينفذه عملاء الخمس نجوم الذين تشغلهم السفارة وتشكل السفيرة رئيسهم المباشر. فما قالته السفيرة هو ما نسمعه من هؤلاء العملاء منذ أسابيع، والمضمون هو أن حزب الله بنى دويلة داخل الدولة ويستولي على مليارات الدولارات لحسابه، وهو بذلك سبب الأزمة الاقتصادية والمالية، ولا حلّ للأزمة إلا بسحب سلاح المقاومة، فهل هذا هو المشروع الأميركي؟
– الواضح أن مَن هم أعلى رتبة من السفيرة مسموح لهم بما لا يسمح لها ولمن تشغلهم بقوله، فاللعبة هي أن تتولى السفيرة وجوقتها التحريض على حزب الله، ليتقدّم المسؤولون المعنيون، والذين يحق لهم بالكلام الجدّي بالسقوف التفاوضية التي تعبر عن جوهر الموقف الأميركي، فيقولون الكلام الرسميّ المعتمد. وهكذا جاء كلام المبعوث الأميركي الخاص حول سورية، ليحدّد المطلوب لقاء وقف العمل بقانون قيصر، قائلاً إن ما تسعى إليه واشنطن هو العودة إلى ما قبل العام 2011، عندما لم يكن هناك وجود لحزب الله جنوب سورية. والمعلوم طبعاً أن المقصود بهذا الوجود هو أمن كيان الاحتلال وجيشه، وليس أي شيء آخر، والأميركي لا يشعر بالحرج من الإجابة بنعم على هذا السؤال. كما لا يخفي أنه مستعد للانسحاب من سورية إذا تحقق ذلك، ضمن مفهوم العودة إلى ما قبل 2011، والقضية الوحيدة التي لا يجرؤ على التسليم بفعلها تحت عنوان العودة إلى ما قبل 2011، ليست مصير المتعاملين معه شرق سورية، بل مصير قراره بتبني ضمّ الجولان من جانب كيان الاحتلال.
– على ضفة موازية يتحدث معاون وزير الخارجية الأميركية ديفيد شينكر، فينتهي بعد تكرار استعمال سيمفونية جوقة السفارة عن مسؤولية حزب الله عن الأزمة المالية، ليبقّ البحصة ويقول ماذا يريد وماذا تستهدف إدارته، فيقول للبنانيين بصراحة تصل حد الوقاحة، لديكم أزمة خانقة وعندم غاز وفير وواعد تجارياً في بلوكات متنازع عليها مع كيان الاحتلال ولديكم تصور أميركي لحل النزاع فوافقوا على التصور. والمقصد معلوم وهو ترسيم الحدود البحرية لثروات الغاز اللبناني وفق خط فريدريك هوف الذي يمنح كيان الاحتلال الجزء الرئيسي من حقوق لبنان، ومعلوم أيضاً أن كيان الاحتلال المستعجل على بدء الاستثمار في حقول الغاز الشمالية لا يستطيع فعل ذلك من دون إنهاء الترسيم مع لبنان، خشية تهديدات المقاومة لكل شركة تدخل النطاق المائي الاقتصادي اللبناني أو المتنازع عليه، وفق المفهوم الدبلوماسي الرائج، ستعتبر أهدافاً مشروعة للمقاومة.
– لا حاجة للشرح، للاستنتاج أن أي مسؤول أميركي مكلف بملف جدي، أي فوق مرتبة السفيرة قائدة جوقة الطبّالين، لم يتحدث عن نزع سلاح المقاومة كهدف واقعي، بل رسمت معادلات جيفري وشينكر إطاراً تفاوضياً مضمونه، نفرج عن المال للبنان مقابل قبول منح كيان الاحتلال ميزات من حقوق لبنان في الغاز والنفط، ونفرج عن المال لسورية، مقابل مقايضة وجود المقاومة جنوب سورية بالوجود الأميركي شمالها، شرط عدم إلغاء التبني الأميركي لقرار ضمّ الجولان من جانب كيان الاحتلال. وعلى جوقة عملاء أميركا “السياديين” في لبنان أن يخرجوا دون لف ودوران للمجاهرة بالحديث مباشرة عن دعوتهم لقبول ترسيم الحدود البحرية وفق شروط الكيان، وعلى زملائهم “الديمقراطيين” في سورية أن يعلنوا موافقتهم على قرار ضم الجولان، من دون ادعاء أنهم أعلم بمواقف أميركا من الأميركيين.