لست عنصرية… je suis Arabe
د. سلوى خليل الأمين
القتل المجاني أصبح اللغة المعتمدة في كلّ زمان ومكان، لا فرق بين أرض عربية وأخرى غربية، فالإرهاب سيد الساح، وطرق الإمداد له مؤمّنة، والغاية معروفة الأهداف، وإنْ كانت تفاصيلها المشبوكة بالصفقات المشبوهة، غائبة عن أذهان الناس في أغلب الأحيان، بسبب الأضاليل الإعلامية المفبركة، التي تقودها مصالح الدول الكبرى، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط، الذي أعلنوه في أجنداتهم: الشرق الأوسط الجديد.
لقد رسموا الخرائط الجديدة كما يشتهون، ونظموا قواعد جنودهم كما يريدون، ووزعوا عصاباتهم بالشكل المرسوم، فأسقطوا من الحكام العرب من أسقطوا بلمح البصر، وهدّدوا مَن يريدون ومَن هم خارج الطوق، وما زالوا ضاربين عرض الحائط شرعية الحاكم المستمدّة من خيارات الشعب، كما حصل في الانتخابات الرئاسية السورية أخيرا، فالرأي أولاً وآخيراً لشجاعة الشجعان، وهم الشجعان الأقوياء ولا مردّ لحكمهم، هكذا يتصوّرون، لهذا قتلوا من قتلوا بحجج الديكتاتورية واغتصاب حريات الشعوب، واحتلوا الوطن الذي يريدون، من دون أي اعتبار لشرعة الأمم المتحدة، والقوانين المرعية الإجراء في مجلس الأمن، التي تحذر أي دولة من التعدّي على دولة أخرى مستقلة وذات سيادة، مهما كانت الأسباب والموجبات.
لهذا طبعوا الألفية الثالثة بوسائل القوة الطاغية والباغية، فتلاعبوا بالدساتير والقوانين، وجعلوها طوع بنانهم وعقولهم الشيطانية، واتحدوا أميركيين وأوروبيين وصهاينة من أجل هلاك العالم في الشرق والغرب، لأنّ في شرعهم أنّ الكلام للأقوى… والحق مع الأقوى… والحقيقة ملك للأقوى، بغضّ النظر عن كلّ ما كُتب على الورق من قوانين، وما تمّ توقيعه من دساتير، وما أدرج فيها من قيم ومبادئ وشرعة لحقوق الإنسان، التي تلحظ محاكمة كلّ من يعتدي على سيادة الدول وحق الشعوب بالأمن والآمان.
كلّ هذه القوانين العالمية الموقّعة من قبل هذه القوى الاستكبارية العالمية لم تمنع أميركا من احتلال العراق، ولم تمنح الشعب الفلسطيني حق العودة إلى وطنه السليب، ولم تقف في وجه ما سُمّي بـ«ثورات الربيع العربي» التي أهلكت الدول العربية التي مرّت بها، حيث لتاريخه لم تستعد أنفاسها، بالرغم من فشل المخطط الأميركي الصهيوني الممالئ والمشجع لـ«الإخوان المسلمين» الذين فشلوا في إدارة السلطة في كلّ من مصر وتونس وليبيا، إضافة إلى فشلهم في إخضاع سورية وإجبار رئيسها على التنحّي، وفي لبنان من خلال الفريق الذي راهنوا عليه لضرب سورية من خاصرتها الرخوة، وسلموه زمام الأمر في التصدّي لسلاح حزب الله المحطم لجبروت الجيش «الإسرائيلي» الذي قيلَ إنه لا يقهر، والمحطم لآمالهم وأحلامهم الضبابية.
هذا الفشل الذريع للمخطط الجهنّمي الذي مهّد لانتشار الإرهاب من العراق وصولا إلى سورية ولبنان، انعكست فصوله تفجيرات متنقلة وآخرها في جبل محسن في الشمال اللبناني، ووضعاً سياسياً مهزوزاً، قابلاً للتفجير في كلّ لحظة، ناهيك عما تتعرّض له سورية من تدمير مبرمج، وقتل متعمّد، وتهجير منظم، مشبوك باجتماعات لوجستية تمدّدت من تونس إلى القاهرة إلى اسطنبول وباريس وجنيف والدوحة والرياض، برعاية مدروسة من أميركا وأوروبا وخصوصاً من فرنسا وبريطانيا. حيث سلّمت الرموز الخائنة، ممّن سمّوا بالمعارضة، نصوص المخططات الآيلة إلى خراب المنطقة العربية برمّتها وعلى رأسها سورية، وذلك عبر الدعم المبرمج بالمجموعات الإرهابية المموّلة بالسلاح والمال والرجال الذين أعدّوا سلفاً من المرتزقة المجموعين من 85 دولة عربية وأجنبية، بحيث كان ظنّهم وهم يطردون سورية من عضوية جامعة الدول العربية، ومن ثمّ محاربتها في مجلس الأمن، إضافة إلى الفبركات الإعلامية المضللة التي تولّت ترويجها محطتا تلفزيون «الجزيرة» و«العربية» وغيرها من الفضائيات العربية والأجنبية، التي هادنت الإرهاب، بغضّ النظر عن تاريخ منظمة «القاعدة»، وما قامت به في 11 أيلول 2001 في نيويورك، ظناً بأنّ هذا المخطط الإرهابي لن يطاول دولهم وشعوبهم.
إنّ ما حدث أخيراً في باريس من اعتداء إرهابي على صحيفة «CHARLIE HEBDO» وسقوط 11 قتيلا بينهم 4 رسامين كاريكاتير من أشهر الرسامين، هو اعتداء مرفوض من العرب قبل الغرب. والمؤسف أنّ الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند قد بدا مذهولاً مما جرى في عاصمته، التي من المفروض أن تكون ممسوكة أمنياً ومخابراتياً، وهنا يرتسم السؤال: كيف حصل المهاجمان الإرهابيان على السلاح؟ وكيف دخلت تلك الأسلحة المستعملة في الهجوم إلى باريس؟ ثم أين الكاميرات المراقبة التي تحتم حماية هذه الصحيفة الموضوعة على لائحة الإرهابيين التكفيريين، بسبب تعرّضها الساخر والدائم للرسول العربي محمد وأيضاً لعيسى المسيح! ثم بأيّ حق تستنفر الدول الأوروبية قاطبة ومعها العديد من الدول العربية للمشاركة في تظاهرة استنكارية، وفي بلادنا يُقتل المئات من الناس الأبرياء يومياً، وآخر المطاف ما حدث بالأمس في جبل محسن في شمال لبنان، ولا من معترض دولي أو أممي أو عربي؟
هنا نطرح السؤال: لماذا الكلّ «شارلي» وليس الكلّ في بلادنا «عرباً»، ليس معنى هذا أننا في هذا العالم العربي عنصريون أو عديمو الإنسانية، لأنّ الإنسان المقتول عمداً، أكان في الغرب أم في الشرق هو واحد في قواميسنا الإنسانية. لهذا نحن متضامنون معهم وموحدون تحت شعار: JE SUIS CHARLIE، لكن هل هم معنا حين سنقول:
أنا أطفال الثلج الحفاة العراة المتدثرين عباءة السماء في هذه العاصفة الهوجاء، وأنا المرأة الإيزيدية المباعة في سوق الجواري والعبيد، وأنا بنت يسوع المسيح المهجرة من أرضها في الموصل والحسكة وبيت لحم وكنيسة المهد، وأنا المصلون المضطهدون في المسجد الأقصى في القدس الشريف، وأنا أطفال قانا وغزة المقتولون عمداً بالقنابل الذكية، وأنا أم الشهيد المغرورقة عيناها بدمع الفراق على فلذات أكباد هم ضحية الاستكبار العالمي، وانا الشهيدة الحية الغارقة في البؤس والفقر والمرض والقهر جراء فئة تسلطت على ثروات هي حق لي ولكلّ فرد من مواطني أمتي المنكوبة بالفساد، لهذا ألا يحق لكلّ مواطن عربي رفع شعار:JE SUIS ARABE، انطلاقاً من التساوي الإنساني في المأساة التي يقوم بها الإرهابيون من «داعش» و«النصرة» و«القاعدة»، التي تتطلب موقفاً موحداً بين الشرق والغرب، وفي المقدمة سورية، من أجل القضاء على هذه العصابات الإرهابية التي تمّ منحها الغطاء في فترة زمنية اعتبرت ذهبية بامتياز، وإذ بها تحرق الجميع بنيرانها الملتهبة، فما جرى في فرنسا بتاريخ 7 كانون الثاني الحالي ليس كما قبله، هذا ما يبدو، لهذا على فرنسا وأوروبا اتخاذ الإجراءات الهادفة إلى القضاء على كابوس الإرهاب من خلال وقفة ضمير تحسم الخيارات السياسية المغلوطة، التي خططوا لها مع الحليف الأميركي، والعمل على عقد اجتماع موسع يضمّ سورية والعراق ولبنان وإيران والسعودية من أجل التعاون الجدي في محاربة الإرهاب واستئصاله من جذوره. علماً أنه لا بدّ من التغيير والإصلاح عبر العالم كله، ولا بدّ من احترام حقوق الشعوب وخياراتها في العيش الآمن المستقرّ، لأنّ العنصرية والتطرف الديني التكفيري، لا يمكن لهما أن يعيشا في ظلّ دول تشجع وجودهما، وتسهّل لهما البيئة الحاضنة.