«المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية»
عامر نعيم الياس
قُطعت رأس نائب «أمير الشرطة الإسلامية» «الحسبة» في محافظة دير الزور شرق سورية، خبر أثار اهتمام الصحافة الغربية كما بعض العربية، من دون الإشارة إلى الجهة التي قامت بالعملية. فالصحافة البريطانية ركّزت على «قطع رأس من كان يقطع الرؤوس»، متجاهلةً الإجابة عن السؤالين الأهم، وهو: مَن يقاتل «داعش» في شرق سورية؟ ومَن هذه الجهة المنظمة التي استطاعت القيام بثلاث عمليات في أسبوع واحد في محافظة دير الزور؟
حمل الشريط الإخباري للقنوات الرسمية السورية والخاصة المؤيدة للدولة خبراً مفاده أن «المقاومة الشعبية في المنطقة الشرقية»، اختطفت ثلاثة إرهابيين من «داعش»، وقتلت مسؤول «الشرطة الداعشية» في محافظة دير الزور، وتحديداً في محيط مدينة الميادين، وبعد يومين على هذا الإعلان أعلن عن قتل ثلاثة من عناصر التنظيم في النطاق الجغرافي ذاته، فما الذي يواجهه «داعش» في شرق سورية؟ وهل استطاعت الدولة السورية تحقيق الاختراق المرجوّ في شرق البلاد، في المناطق شبه الخارجة كلّياً عن سيطرتها؟
حتى اللحظة، لم تعلن أيّ جهة مسؤوليتها عن استهدافات «داعش» المتلاحقة، فقط التلفزيون الرسمي السوري هو من تبنّى ذلك، وهو ما يعزّز صحة الرواية الرسمية لما يجري، خصوصاً أنّ «المقاومة الشعبية» لم تأت على حين غرّة بل سبقها قبل حوالى الشهرين عرض تقرير مصوّر عن مشاركة أبناء العشائر في مدينة دير الزور في معارك الدفاع عن مطار دير الزور بالتعاون مع وحدات الحرس الجمهوري المرابطة هناك. حينذاك، قلنا أن الدولة السورية تدخل على خط العشائر، محاولةً استنساخ تجربة الصحوات في العراق، مع مراعاة فرق الولاء بالكامل للدولة لسورية التي تقود المعركة وحدها على الأرض في مواجهة «داعش»، وهذا الأمر جاء بعد سلسلة من التطوّرات أهمها:
ـ وحشية «داعش» بحق بعض العشائر السورية التي رفضت هيمنته، إذ اعترفت تقارير غربية بقتل التنظيم أكثر من ألفي مدنيّ سوريّ من أبناء القبائل في شرق البلاد خلال الشهرين المنصرمين.
ـ العامل الاقتصادي الذي أشارت إليه «تايمز» البريطانية والذي يلعب دوراً بارزاً في الثقافة السورية الاجتماعية والسياسية، «لا يحصل المواطنون على مقومات حياة طبيعية… من دون وجود اقتصاد متين، فإن هذا التنظيم ليس لديه الكثير ليوفره لهم، لذا فإنه لن يلاقي الدعم المطلوب لبقائه».
ـ اختلاف تركيبة البيئة الحاضنة في سورية عنها في العراق. إذ ذكر أحد تقارير مراكز الأبحاث الأميركية نهاية السنة المنصرمة أنّ «المقاتلين المحليين يشكلون ما نسبته 70 في المئة من داعش في العراق، مقابل 30 في المئة في سورية»، وهذا أمر له دلالات بارزة على مستوى المزاج الشعبي السوري أولاً، وثانياً حول قاعدة الارتكاز الأساسية للتنظيم الإرهابي.
ـ القضية الكردية في سورية ودخول الغرب كاملاً على خط دعم حلم «كردستان سورية»، وهو ما يشكل خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه بالنسبة إلى العشائر العربية في شرق سورية، خصوصاً في محافظة دير الزور.
نحن أمام تنامٍ في الهجمات المؤثرة على تنظيم إرهابي مسموح له باجتياح المنطقة التي يشاءها في سورية، فهي لا تشكل أي خطٍ أحمر للإدارة الأميركية، وبالتالي نحن أمام تنامٍ للمعارضة الشعبية للتنظيم الإرهابي في شرق سورية وفي أهم محافظاته أي دير الزور. حالة عداء ليست وليدة «صحوات» تابعة للغرب ومرتهنة له، بل ناتجةٌ عن «مقاومة شعبية» مدعومة من الدولة السورية بشكل مباشر لا يقبل التشكيك، مقاومة مستندة إلى أبناء المنطقة تنزع الحاضنة الشعبية وشرعيتها المفترضة، وتستطيع تحقيق تقدم ملفت في بيئتها، وهو ما يطرح بدوره معطيات جديدة في الصراع الدائر في سورية تضيف عامل قلقٍ جديد للغرب عموماً وللإدارة الأميركية خصوصاً في صراعها لإسقاط الدولة السورية.
كاتب ومترجم سوري