غيّروا ما في أنفسكم…
} لواء العريضي
تعوّد الإنسان على التوجه لربّه عند مواجهة الصعاب. لا سيّما تلك الخارجة عن السيطرة، كالكوارث الطبيعية والتغيّرات المناخية وغيرها من الأحداث ذات التأثير المباشر على المواسم الزراعية والحياة الاجتماعية. لكن هذه العادة أصبحت نمط يومي في مجتمعنا، وولّدت خنوعاً أوصلنا للحضيض. أصبحنا عند كلّ عقدة صغيرة كانت أم كبيرة نتوجّه لله، ونستغفره للمساعدة بحلّها، وكأنه يد مخفيّة وُجِدت لتمسح عنا التعب وإتمام واجباتنا بمجهودٍ أقلّ، دون أدنى إرادة لتغيير السلوك والمثابرة.
على الصعيد الشخصي، نتوجّه لله لمغفرة رذائلنا ونحن غير قادرين على مسامحة أقرب المقرّبين إلينا بحال بدر منهم أيّ تصرّف يخدش مشاعرنا. نريد كلّ الخير ونرضاه لأنفسنا ولو أتى على حساب غيرنا. نحاضر بالمحبة والتسامح وضرورة الانفتاح، وعندما يدقّ هذا الانفتاح بابنا نختبئ بعباءة الانعزالية متذرّعين بأنّ الوقت لم يحن بعد.
كذلك الأمر على الصعيد الوطني، نعرف من السارق ونهلّل له ونكافئه بمقعدٍ نيابيّ ليتمّم ما بدأ. نشير إلى الفاسد وندعو له بكسر اليد ثم نمضي. نعرف الداء ونحاضر في أسبابه ونكتفي بتعدادها. نقول إنّه بظلّ العقليّة السائدة لا حياة لمن تنادي، لكن هذه العقليّة نتشبّث بها على الصعيد الشخصي وننكرها بالعلن. لم نترجم نوايانا يوماً إلى أفعال، فنلوم الله والخارج على أخطائنا، فما أسهل إلقاء اللوم على الآخرين والهروب من الحقيقة. لا شكّ أنّ للخارج دوراً بارزاً في ما وصلنا إليه، لكنّ اللوم يبقى على عاتقنا، فنحن من ارتضينا الذلّ مقابل المعاملة المميّزة عن الآخرين. ومنّا خرج العملاء وارتضوا الخيانة على مصلحة أولاد جلدتهم. ونحن سلّمنا أمرنا للخارج ببطاقة طائفية يرعاها راعٍ خسيس. فتعدّدت ولاءاتنا الطائفية وفضّلنا المصلحة الشخصية الطائفية على المصلحة الوطنية، فغدوْنا أسرى ذاتنا نسكن في سجنٍ كبيرٍ ننتظر رحيل سجّان ليأتي الآخر. والتحرّر من قيودنا هو عيبٌ اجتماعي وكأنّ الذلّ لا عيب فيه!
نبكي ونقول هذه مشيئة الله، لكن وصولنا للحضيض هو نتيجة تخاذلنا وابتعادنا عما يخدم مجتمعنا. والدليل على كلامنا هذا هو ما وصل إليه عدوّنا. فهو يدّعي أنّ «إله بني اسرائيل» هو الذي نصرهم على أعدائهم وباسمه قتلوا وذبحوا الآلاف، فأهداهم أرضاً خصبة بكلّ ما فيها من خيرات! فأيّ إله يأمر شعبه بالقتل وتكون نتيجة هذا القتل عيشهم «بالنعيم والسلام والتطور». الفارق أنهم يفعلون الكبائر ويبرّرونها بإيمانهم، أمّا نحن فنكتفي بالإيمان دون الأفعال. ليس في هذا الكلام دعوة لنسخ ما فعلوه أبداً، بل كلامنا يأتي في إطار صبّ الجهد بمعركة الخير ضدّ الشر. هم يدّعون أنّ ربّهم ربّ شرّ فمن المؤكّد أنّ إلهنا هو إله الخير والحق والجمال كما هي حقيقتنا. وفي معركة الخير والشرّ لا بدّ للخير أن ينتصر دائماً، لكن انتصاره يأتي بالعمل والجهد والإيمان بالقضية، يأتي بصور المحبة والقيم الأخلاقية. فقتالنا قتال شرفاء لا مجرمين وسفّاحين، وسلمنا سلم دعاة الحياة والعزّ لا الذلّ والتباعية. هذه صورة انتصارنا!
ختاماً، لا عيب بالاعتراف بالخطأ، فمن لم يخطئ؟ كم من تائهٍ وصل برّ الأمان متأخّراً؟ وكم من مضلّلٍ استغرق وقتاً طويلاً لإدراك حقيقته؟ شعبنا طيّب بالفطرة، لكن سارقي الزمان في الداخل والخارج ضلّلوه وأقنعوه أنه مجموعة طوائف تتعايش مع بعضها البعض. وما نعانيه اليوم هو نتيجة هذا «التعايش». إنّ أحقر السارقين هم سارقو الوقت والزمان، فالمال يعوّض والفساد يكافَح والأخلاق تُعالَج، لكنّ الزمان لا يعود وسنين الضياع لا تُعَوّض وكلّ لحظة انقضت هي لحظة تقدُّم محتمل مضَت من غير رجعة.
«لا يغيّر الله ما بقومٍ حتى يغيّروا ما بأنفسهم».