إيران ترفض طلب فرنسا التدخل لدى حزب الله: الاستحقاق الرئاسي شأن لبناني
هتاف دهام
تعتبر الجمهورية الإسلامية الإيرانية اللاعب الأقوى سياسياً واقتصادياً على الصعيد الإقليمي، ولا يخفى أنّ لها حلفاء في معظم دول المنطقة، إلا أنّ ما يميّزها في هذا الشأن عدم الضغط على هؤلاء الحلفاء في شؤون دولهم الداخلية، ومنهم حزب الله في لبنان، إذ على رغم إلحاح فرنسا على إيران التدخل لدى «الحزب» في ما يتعلق بالاستحقاق الرئاسي اللبناني، الا أنّ جواب طهران الحاسم: لا نتدخل لدى الحلفاء، فهذا الاستحقاق هو شأن لبناني بحت.
على رغم العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة على إيران على خلفية الملف النووي الايراني، وصولاً إلى القرار الذي اتخذ من المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لتخفيض أسعار النفط للضغط على طهران لتغيير سياستها في سورية والعراق، فإنّ كلّ هذه المحاولات باءت بالفشل.
فمن يزور الجمهورية الإسلامية الايرانية ويلتقي قياداتها ومسؤوليها السياسيين يدرك أنّ هذا البلد لن تهزه الحرب النفطية التي أشعلتها الرياض، على رغم تأثره اقتصادياً. الإيرانيون أعتادوا على الحصار الاقتصادي وباتوا أقوى من قبل. العزيمة الموجودة عند الإيرانيين تؤكد أنهم سيتجاوزون ما خُطط لبلدهم.
وفق المطلعين، فإنّ ايران لن تتراجع قيد أنملة عن مواقفها. أيّ أنها لن تتراجع عن حقها في ممارسة النشاط النووي السلمي، ولن تتراجع عن دعم المقاومة، ومحاربة الإرهاب بشقيه التكفيري و«الاسرائيلي».
يذكر المسؤولون الايرانيون بأن الجمهورية الاسلامية كانت حذرت من الإرهاب عام 2011، ويروون كيف أنّ تلك البلاد، قدمت خلال الأعوام الـ35 الماضية 17 ألف شهيد بسبب الممارسات الإرهابية للمجموعات المختلفة، بينهم 12 ألف شهيد على يد زمرة «مجاهدي خلق» الإرهابية.
يشدّد المسؤولون الإيرانيون على أنّ الجمهورية الإسلامية محصنة ضدّ الإرهاب في الداخل وعلى الحدود، ولن تسمح له أن يقترب من أراضيها، لأنه حينها سيواجه رداً ساحقاً من قِبَل قواتها العسكرية بمختلف أنواعها.
يؤكد الإيرانيون أنهم لا يشاركون عسكرياً في الحرب ضدّ «داعش» إلى جانب الجيش العراقي والعشائر، إلا أنهم لن يقفوا مكتوفي الأيدي في حال أقدمت المجموعات الإرهابية على التسلل إلى بلادهم. ويجزمون أنّ القوات المسلحة الإيرانية لو شاركت فعلاً بأفرعها المختلفة في الحرب ضدّ «داعش» لكانت قضت عليه.
جلّ ما تقوم به الجمهورية الإسلامية في بغداد وفق المسؤولين الإيرانيين هو تقديم الخبرات العسكرية للعراقيين، وأنّ وجود قائد «فيلق القدس» الجنرال الإيراني قاسم سليماني في بغداد إضافة إلى عدد من الخبراء والمستشارين، يقتصر على تدريب الشعب العراقي وتقديم الخبرات لمواجهة المجموعات الإرهابية المتطرفة، على غرار ما حدث ويحدث في سورية منذ بداية الأزمة. وفق الايرانيين لا حضورعسكرياً للحرس الثوري الإيراني في سورية، وأنّ الدعم العسكري لسورية يقتصر على إرسال المستشارين العسكريين لمساعدة الجيش السوري في مواجهة مسلحي المجموعات الارهابية، بغض النظر عن الدعم الإيراني للدولة السورية والرئيس بشار الأسد.
ويقول الإيرانيون أنّ بقاء الأسد هو بقاء لسورية، وأنّ أحداً لن يستطيع إسقاط النظام. تدعم الجمهورية الاسلامية الأسد دعماً مطلقاً وغير محدود، وتشدّد على أنها ستبقى الى جانب سورية سياسياً واقتصادياً.
لا حلّ في سورية الا الحلّ السياسي للأزمة. ترحّب ايران بالمبادرة الروسية، وتنفي عبر مسؤوليها أن تكون هذه المبادرة هي مبادرة إيرانية تسوّق لها روسيا، لعدم قدرتها على التواصل مع المعارضة السورية.
ويجزم الإيرانيون أنّ لموسكو وطهران موقفاً واحداً يتمثل بضرورة إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية. يشيد المسؤولون أمام زوارهم بمواصفات الديبلوماسي الروسي ميخائيل بوغدانوف الذي يتمتع بحنكة وخبرة كبيرتين في علاقته مع السياسيين اللبنانيين والسوريين والأتراك الذين التقاهم في إطار جولته في المنطقة، ويعوّلون على حراكه وعلى عقد «موسكو- 1». الا أنهم يشيرون إلى «أنّ هذه المعارضة ليس لها تأثير كبير، في ظلّ تعاظم دور «داعش» و«النصرة» والمجموعات المسلحة الأخرى على حسابها بفعل الدعم الغربي لها في شكل واضح في السابق، والذي تحوّل اليوم إلى دعم من تحت الطاولة.
ينقل زوار طهران عن المسؤولين الإيرانيين إشارتهم الى أنّ محاربة الإرهاب يجب أن تكون من قبل دول المنطقة، وأنّ الحلّ في القضاء على الارهاب يكون من خلال ايجاد تعاون أمني اقليمي، الا ان الايرانيين يلفتون إلى صعوبة تحقيق هذا الأمر في الوقت الراهن، فهناك دول إقليمية داعمة للارهاب، وقبل أن تشارك في مكافتحه عليها أن تقفل منابع دعمه.
يضع المسؤولون الايرانيون زيارة رئيس مجلس الشورى علي لاريجاني الاقليمية في إطار دعم الدول التي تحارب الإرهاب في لبنان وسورية والعراق، ودعم الرئيس السوري، لا سيما أن «تنظيم الدولة الاسلامية» هو من تفرّعات «القاعدة».
ولما كان الإرهاب العنوان الأهمّ في زيارة لاريجاني، فإنّ ايران التي تدعم حزب الله مادياً وعسكرياً في حربه ضدّ الجماعات الارهابية و«إسرائيل»، تؤكد بحسب مسؤوليها أنّ حزب الله جنّب لبنان تداعيات الأزمة السورية، وأنّ مشاركته الى جانب الجيش السوري في الحرب ضدّ «داعش» كانت دفاعاً عن كلّ اللبنانيين، وحماية لسيادة لبنان.
أما لبنانياً، فيبدي الايرانيون تشجيعهم الحوار الذي بدأ بين حزب الله وتيار المستقبل، ويؤكدون أنه يسير بمعزل عن مسار الحوار الإيراني السعودي، ويبدون ترحيبهم بأي حوار بين الأفرقاء اللبنانيين والذي من شأنه أن ينعكس استقراراً في لبنان.
وفي السياق، يؤكد المسؤولون الايرانيون «أن انتخاب رئيس للجمهورية في لبنان هو شأن اللبنانيين أنفسهم، فصحيح أن ايران تشجع السياسيين اللبنانيين على انتخاب رئيس، الا انها ترفض بحسب زوارها التدخل لدى حليفها حزب الله للعدول عن مرشحه رئيس تكتل التغيير والاصلاح العماد ميشال عون، على رغم الزيارات الخمس التي قام بها مدير دائرة الشرق الاوسط وشمال افريقيا في وزارة الخارجية الفرنسية جان فرنسوا جيرو في محاولة للطلب من الإيرانيين التدخل عند حزب الله.
ولما كان الفرنسيون يؤكدون أن لا حلّ الا بانتخاب رئيس توافقي للبنان، بعدما أثبتت الايام الماضية ان لا حظوظ للعماد عون أو لرئيس حزب القوات سمير جعجع، فإنّ الرئيس التوافقي في المفهوم الايراني هو الرئيس القوي الذي يحمي المقاومة وسلاحها الذي يدافع عن سيادة لبنان واستقراره على الحدود الشرقية في الحرب ضدّ الارهاب، وفي الجنوب في الدفاع عن لبنان في وجه الاعتداءات «الاسرائيلية». ترفض ايران ما يُحكى انّ الملف الرئاسي ينتظر المفاوضات النووية مع الدول الست، وتؤكد أنها لا تربط تسوية الملف النووي بأيّ ملفات أخرى في شرق آسيا، على عكس الولايات المتحدة التي تريد ربطه بملفات سياسية أخرى لغايات سياسية، فهي لا تريد إيجاد حلّ للملف النووي، لا سيما انّ الحلّ التقني موجود من خلال بعثات الوكالة الدولية للطاقة الذرية الموجودة في الجمهورية الاسلامية وتشرف على منشأتها النووية.
لا يُغفل الايرانيون دور الجيش اللبناني في محاربة الإرهاب، ويشيدون بإنجازاته الكبيرة في تصدّيه للارهاب، ويؤكدون أنهم لا يزالون عند موقفهم من تقديم الهبة العسكرية للجيش من دون أي شروط.