تنامي الحركات الإرهابية في القارة الأفريقية… تركيا المَصدَر والمُصدِّر
} أيهم درويش
ما بين العراق والشام نجح الجيشان بمؤازرة القوى المقاومة، من دحر تنظيم «داعش» الإرهابي على مساحات واسعة من أراضي الدولتين، وتمّ تقويض مشروع الدولة الإرهابية الذي ترعاه دول غربية وإقليمية، غير أن القضاء على الخطر الإرهابي عسكرياً وجغرافياً لا يعني القضاء على غريزة الإرهاب، ما يعني أن الإرهاب قد يظهر في العديد من الأماكن التي يكون فيها الأمن ضعيفاً، وفي مناطق الصراع العسكري. وحيث يكون هناك أوضاع اقتصادية متردّية. وبالطبع أينما وَجدْت تركيا ستجد نشاطاً للتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش». ومثلما مرّرت تركيا الإرهابيين من كلّ دول العالم واستخدمتهم ضد سورية، ها هي تركيا تصدّر الآلاف منهم إلى ليبيا والشمال الأفريقي في محاولة لاستعادة مرحلة الاحتلال العثماني.
تؤكد الأمم المتحدة، أنّ «تدهور الوضع الأمني في ليبيا نتج عنه تداعيات أمنية انتشرت في جميع أنحاء المنطقة مع عبور الأسلحة والمقاتلين باستمرار»، وأنّ أكثر من ستة آلاف إرهابي من تنظيم داعش فرّوا إلى أفريقيا، معظمهم كانوا تسللوا إلى سورية عبر تركيا، وهذا العدد يشكل تهديداً خطيراً، فبمثله استطاع تنظيم داعش احتلال مدينة الموصل العراقية عام2014، قبل أن يستعيدها الجيش العراقي في 2017.
تركيا التي رعت تدفق الإرهابيين إلى سورية، تقوم اليوم بإرسال أعداد كبيرة منهم إلى ليبيا ودول شمال ووسط أفريقيا، تحت وعود برواتب شهرية ضخمة وحصولهم على الجنسية التركية في «حال» عادوا من جبهات القتال أو انتهت مهمتهم في أفريقيا، وهي تسعى من خلال ذلك لمدّ نفوذها، كون الساحات المستهدفة فيها متعدّدة القوميات والقبائل، وتعاني من سوء الأوضاع الأمنية والاقتصادية وتكثر فيها الجريمة، عدا عن أنّ رداءة الوضع الاقتصادي تشكل عاملاً لاستقطاب آلاف الأشخاص وانضمامهم إلى المجموعات الإرهابية، وبذلك تكون تركيا قد أسّست مواقع جديدة للإرهاب في ليبيا وأفريقيا، واستقطبت الآلاف من العناصر الإرهابية، لكي تعيد تصديرها إلى سورية والعراق وربما لبنان.
هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ اختيار ليبيا وبعض الدول الأفريقية، هي نتيجة وجود العديد من المجموعات المتطرفة الموالية لتنظيم القاعدة وتنظيم داعش ومموّلة من تركيا، مثل بوكوحرام في نيجيريا التي بايع قائدها أبي بكر شيكاو، داعش في آذار2015، ثم عيّنت «داعش» أبو مصعب البرناوي قائداً لها في آب 2016،
وتسيطر بوكوحرام على مناطق واسعة من نيجيريا، وتسبّبت بمقتل أكثر من 20 ألف شخص وتهجير أكثر من مليونين شخص، لتأتي بعدها جماعة «أنصارو» في نيجيريا التي تلقت تدريبها من تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وقد أسهم «أنصارو» في رفد «داعش» في سورية بعناصر أفريقيَّة ما بين عامي 2015 – 2016.
ومجموعة «نصرة الإسلام» في دولة مالي التي ظهرت في آذار 2017 وقامت بالعديد من العمليات الإرهابية في مالي أٍسفرت عن مقتل العشرات من المدنيين، وتُعد مجموعة «نصرة الإسلام» مع جماعة «أنصارو» من أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، وتدينان بالولاء لتنظيم «القاعدة». وما يجدر ذكره في هذا السياق، أنّ هناك مجموعة إرهابية في مدينة إدلب السورية تسمى «نصرة الإسلام» تكوّنت من تنظيمي «حراس الدين» و «أنصار التوحيد» التابعتين أيضاً لتنظيم القاعدة والمدعومتين من تركيا.
وتؤكد تقارير إعلامية واستخباراتية أنّ «داعش» استطاع تنظيم صفوفه في ليبيا وفي أفريقيا، وأن مجموعات منه تهاجم المواقع العسكرية التابعة للجيش الليبي، عوضاً عن المجموعات الصغيرة التي كانت تهاجم عدة نقاط في آن واحد، أيّ أنّ التنظيم طور إستراتيجيته التي استخدمها في سورية مع الاحتفاظ بأساليبه التقليدية كاستخدام الانتحاريين والسيارات المفخخة، في حين بقي تمويله وتسليحه وعتاده يأتي عن طريق الدول الراعية للإرهاب وعن طريق تجارة المخدرات وسرقة النفط والذهب والخطف والاتجار بالبشر.
ويوفر دعم الدول الراعية، قدرة للمجموعات الإرهابية على توظيف التطور الالكتروني ونشر الإصدارات المرئية التي تشكل دعاية لاجتذاب المزيد من العناصر، وقد نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة في تقريره «أن التكنولوجيا هي أحد العوامل الإستراتيجية التي مكنت التنظيمات الإرهابية وأنصارها من استخدام الإنترنت، استخداماً متزايداً في مجموعات واسعة ومتنوعة من الأغراض، شملت التجنيد والتمويل والدعاية والتدريب والتحريض على ارتكاب أعمال إرهابية، وجمع المعلومات ونشرها لأغراض إرهابية».
التنظيمات الإرهابية تستخدم في القارة السمراء الأسلوب ذاته الذي اعتمدته في سورية، مثل عمليات تجنيد الأطفال والذي يطلق عليهم تنظيم داعش اسم «أشبال الخلافة»، وقد أكدت منظمة «اليونيسيف» في تقرير لها أن تجنيد الأطفال تضاعف إلى أكثر من 3 مرات منذ عام 2010، وطبقاً للتقرير تقوم داعش بتجنيد 200 طفل كل شهر على الأقل في مناطق متعددة في أفريقيا، معظمهم تم اختطافهم، بهدف استخدامهم إما كمقاتلين وزجهم في المعارك أو لإرسالهم بعمليات انتحارية. ويستفيد تنظيم «داعش» الإرهابي من الطبيعة الجبلية والمناطق الصحراوية لمناطق شمال أفريقيا التي تشبه في تضاريسها مناطق كانت تحت سيطرته في ريف الرقة السورية، لكن على نطاق أوسع بكثير، وهذا ما يساعد التنظيم على القيام بعمليات تدريب آمنة لعناصره.
ويلفت مراقبون إلى تزايد نشاط الجماعات المتطرفة في أفريقيا عامةً وفي ليبيا بشكل خاص، خصوصاً بعد التدخل التركي المباشر في الحرب الليبية، مما يدل على وجود تنسيق بين المجموعات الإرهابية وبين تركيا الأردوغانية. وهذا ما كشفته منظمات تونسية مدنية التي اعتبرت أن أردوغان يريد جعل تونس ممراً للجماعات الإرهابية إلى ليبيا، وهذا ما سيؤدي إلى زعزعة الأمن في تونس.
ما تقدّم، يكشف بأنّ تركيا هي المستفيد الأول من الإرهاب، لا بل هي المؤسس الفعلي لهذا الإرهاب، وهي تريد أن تستثمر به في ليبيا وأفريقيا، لتحقيق جملة من الأهداف، منها استعادة ما تسميه «أمجاد السلطنة العثمانية»، ومنها ما يتصل بالتغطية على الانقسام داخل تركيا بعد فشل أردوغان في الانتخابات البلدية الأخيرة، وازدياد الأصوات المعارضة له بعد زجّه لقواته العسكرية لمساندة الإرهابيين، والخسائر الكبيرة التي تكبّدها الجيش التركي من جراء الضربات التي وجهها الجيش السوري للجيش التركي.
ما هو مؤكد، أن بعض الدول الأفريقية، ستكون كما ليبيا ساحات للمواجهة، على غرار سيناريو الحرب الإرهابية ضدّ سورية، وبالطبع عند ذكر داعش فهي مجرد دلالة على العديد من التنظيمات الإرهابية الموالية للقاعدة والتي تدعمها تركيا مثل «جبهة النصرة»، الأمر الذي سيفتح بوابة لمزيد من مشاهد الحرب والدمار في المنطقة، وكلّ ذلك برعاية ومباركة أميركية.