الدول النامية وقوانين الانتخاب
حميدي العبدالله
أعلن التيار الشعبي في مصر مقاطعته للانتخابات البرلمانية التي ستجري في مصر في الربيع المقبل، وقال في سياق توضيح أسباب هذه المقاطعة أنّ من بين الأسباب تقسيم الدوائر الانتخابية.
والسبب ذاته أيّ تقسيم الدوائر الانتخابية، كان وراء صراعات سياسية مستمرة في لبنان منذ فترة طويلة، أي منذ أن نال لبنان استقلاله عن فرنسا، حيث كانت القوانين الانتخابية تعكس تغييراً دائماً في الدوائر الانتخابية، تبعاً لموازين القوى المحلية والإقليمية والدولية المؤثرة في لبنان.
وثمة من يقول إنّ الخلاف حول قانون الستين في لبنان هو الذي كان وراء تأجيل الانتخابات النيابية، وعدم إجرائها في وقتها الدستوري، الأمر الذي قاد إلى تمديد عمل المجلس النيابي الحالي مرتين، وبات مطعوناً في شرعيته، وواحد من مصادر الأزمة السياسية التي تعصف بلبنان، وقاد إلى تعطل الانتخابات الرئاسية.
يمكن الاستنتاج عبر دراسة كلّ التجارب التاريخية، في الدول المتقدمة والدول النامية، أنّ قوانين الانتخاب، وتقسيم الدوائر، كانت دائماً تحدث استناداً إلى خدمة مصالح هذا الطرف السياسي الحزبي أو ذاك، حدث هذا في فرنسا، وحدث ويحدث في تركيا، وفي الدول الاسكندنافية، وفي روسيا الرأسمالية، وربما الاستثناء الوحيد هو بريطانيا والولايات المتحدة، الذي يستمرّ تقسيم الدوائر على ما هو عليه منذ عقود طويلة، بل منذ أكثر من قرن.
لكن الفرق بين الدول النامية والدول المتقدمة، أنه في الدول المتقدمة لا تتمّ إعادة النظر في القوانين الانتخابية، وتحديداً تقسيم الدوائر، إلا بعد أن يحصل الحزب الذي فاز في الانتخابات على غالبية ثلثي مقاعد المجلس النيابي الجمعية الوطنية في فرنسا، وفي حال حصوله على هذه الأغلبية يستطيع عادة إحداث مثل هذا التغيير، وتكرار حصول جهات على هذه الغالبية ممكن في الدول المتقدمة نتيجة للمركز والاستقطاب السياسي الذي يعبّر عادة عن التمركز الاقتصادي الاجتماعي.
لكن هذا الواقع غائب في الدول النامية، فالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية شديدة السيولة، وتشهد تفتتاً وتذرّراً لا مثيل له في الدول الصناعية المتقدمة، كما أنّ المحدّدات الموروثة عن مجتمع ما قبل التطوّر الصناعي، مثل الدين، والطائفة، والقبيلة، لها تأثير كبير في تحديد الولاءات السياسية والحزبية، وفي ظلّ هذا التوزّع، إضافة إلى التدخلات الخارجية المتاحة بقوة في الدول النامية، على عكس الدول المقدمة، يصبح من الصعب، بل المستحيل ديمقراطياً على أيّ جماعة سياسية الحصول على أغلبية ثلثي مقاعد البرلمان بما يتيح لها تغيير القوانين الانتخابية، سلمياً، وعادة ما يؤدّي هذا الواقع إلى نشوب أزمات سياسية حادة عندما تنتفي شروط الوفاق والتفاهم ويحدث تعارض حادّ في المصالح بين القوى الفاعلة، ولعلّ هذا ما يحدث الآن في لبنان ومصر والعراق، وربما دول نامية أخرى.