تبون يؤكد استعداد بلاده لطي الخلاف مع المغرب واستعدادها لإجراء حوار بين الفرقاء الليبيّين..
أبرز رئيس الجمهورية الجزائري عبد المجيد تبون، مساء أول أمس، أنه “من الضروري أن تتم مجابهة إشكالية الذاكرة، وتلطيف مناخ العلاقات بين الجزائر وفرنسا”.
وشدد تبون على “ضرورة مجابهة إشكالية الذاكرة التي تشوش علاقتنا من دون عدوانية، وفي كنف الاحترام بين البلدين”، مبرزاً أن ذلك “سيمسح بتلطيف مناخ العلاقات الثنائية، وجعلها أكثر هدوءاً بين البلدين اللذين تربطهما علاقات اقتصادية واجتماعية وجوار”.
ورداً على سؤال حول مسألة المطالبة بالاعتذار من قبل فرنسا، على الجرائم المرتبكة إبان الحقبة الاستعمارية، أوضح رئيس الجمهورية الجزائري أنه “سبق وأن وصلتنا شبه اعتذارات، وكانت هناك تعليقات إيجابية تجاه هذا المطلب من قبل العديد من المسؤولين الفرنسيين”، معرباً عن تمنيه “بأن يتم تقديم الاعتذار”.
وتناول تبون حدث استرجاع رفات رموز المقاومة الشعبية ضد الاستعمار الفرنسي، بالقول إن “الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد تفهّم الطلب الجزائري وتلقاه بصدر رحب”، لافتاً إلى أن “ماكرون قد تحلّى بالشجاعة وقال ما لم يجرؤ البعض على قوله”.
وأضاف في هذا السياق أن “الرئيس ماكرون نزيه وواضح ونظيف تاريخياً، ولم يشارك بتاتاً في ما حدث في الماضي، ويود أن يخدم بلده ولكنه يود أيضاً أن تعود علاقتنا إلى مستواها الطبيعي”، مضيفاً أن “الجزائر دولة نافذة لديها كلمتها في المجتمع الدولي، لا سيما على الصعيد الإقليمي”.
ولم يستبعد رئيس الجمهورية الجزائري “إمكانية الإفراج عن أشخاص آخرين من الناشطين في الحراك”، معلناً أن بصفته رئيساً للجمهورية “يمارس صلاحياته الدستورية بإصدار العفو كلما اقتضت الضرورة لذلك”.
وأضاف: “نعم من الممكن إطلاق سراح هؤلاء الأشخاص، لأنه في فترات معينة يتطلب أن يساهم جميع الجزائريات والجزائريين في المضي نحو مناخ هادئ، يمكننا من الانتقال الى التغيير”، مشيراً إلى “أنه من جملة ذلك، مشروع تعديل الدستور الذي كان مقرراً أن يتم خلال هذا الشهر، قبل أن تفرض علينا الطبيعة قيودها”.
وتابع الرئيس الجزائري: “وبالرغم من كل هذا، فإن النقاشات حول مسودة الدستور تتواصل، كما أنها تتسارع في الآونة الأخيرة، ولدينا حوالي ألفي مقترح حول المحتوى تخص حذف أو تغيير أو توسيع وإضافات”، موضحاً أن “اللجنة المكلّفة بالصياغة قد بدأت في توسيع اجتماعاتها للاستماع إلى المزيد من الآراء”.
كما أن “مشروع تعديل الدستور سيقدم نموذجاً جزائرياً أصيلاً مبنياً على النظام شبه الرئاسي” وفق تعبير تبون، معتبراً أنه يعبّر عن “ثقافتنا لأننا نعتبر أن التقليد الأعمى ليس له أي نفع”.
وأوضح أن “الدستور الجديد سيعزز من صلاحيات الهيئة التشريعية، وسيمكّن نواب البرلمان من تقديم مقترحات قوانين، وإنشاء لجان رقابة حول أي موضوع وبخصوص أي قطاع وزاري”.
وأشار تبون إلى أن الدستور “سيضع القيود التي تمنع أي انزلاق إلى السلطة الشخصية”، معلناً أنه “إذا خفت حدة الوباء وانخفض عدد الحالات المصابة بكورونا، فإن الاستفتاء حول الدستور سيكون مع الدخول الاجتماعيّ المقبل بين أيلول وتشرين الأول المقبلين”.
وعن سؤال تطرّق إلى المحاكمات التي تطال شخصيات سياسية بارزة بتهم الفساد، والتي تحدّثت عن تنفيذ أوامر للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة، قال تبون إن “العدالة قد فصلت وبتت في الأمر، لكنها قادرة على استدعاء أي شخص كان إن رأت ذلك”، موضحاً أن “القضايا المطروحة أمام العدالة ليست سياسية، وإنما المسألة تخصّ سوء استغلال للسلطة من قبل مسؤولين سابقين”.
ونفى بالمناسبة ادعاء دعمه لترشح الرئيس الأسبق لعهدة رئاسية خامسة، قائلاً إنه “لم يدعم بتاتاً ترشح عبد العزيز بوتفليقة لعهدة خامسة، حيث أنها قضية ظهرت في 2018، وكنت آنذاك في منزلي ولم يكن حتى ليطلب رأيي حول ذلك وقتها”.
ومن جانب آخر، استبعد تبون “اللجوء إلى صندوق النقد الدولي”، مبيناً أن “الجزائر ليست في خطر”، مؤكداً أنها “تزخر باحتياطات للصرف والتي حتى وإن لم تكن هائلة، وإنما تمكنها من ضمان الإنفاق لسنة أو سنتين من دون مشاكل”.
وذكر الرئيس الجزائري أن “الزراعة في البلاد باتت تختلف عما كانت عليه في السابق، حيث تم إنتاج ما قيمته 25 مليار دولار من المنتجات الزراعية في 2019، الأمر الذي جاء في الوقت المناسب، حيث تزامن ذلك وتهاوي أسعار النفط”.
وأكد رئيس الجمهورية استعداد الجزائر، لـ”احتضان أي مسعى للحوار في ليبيا، شريطة أن يكون بطلب من الليبيين”، مؤكداً “تمسك الجزائر بتعهدها الذي عبرت عنه في اجتماع برلين، بعدم التشويش على أي مبادرة تخدم الليبيين”.
وأعرب تبون عن أمله في “إيجاد حل سريع لهذا الإشكال، وأن يحدث توافق ما بين جميع الأطراف في ليبيا، يتوّج بتنظيم انتخابات، وتعبّر عن كل التوازنات”، مبرزاً “تقارب الرؤى الجزائرية حول هذه المسألة، مع بعض الفاعلين الدوليين على غرار فرنسا وايطاليا”.
وقال الرئيس الجزائري “نحن لم نفقد الأمل في إيجاد حل في ليبيا، ونواصل بشكل دوري في اتصالاتنا مع كل الأطراف، التي نقف بالمسافة نفسها إزاءها، ولن نقف أبداً مع طرف على حساب طرف آخر”.
وحول العلاقات مع المغرب، قال تبون إن الجزائر “ليس لها أي إشكال أو مشكل مع هذا البلد الجار”، مضيفاً أن ما تمت ملاحظته هو أن “هذا البلد هو من لديه مشكل مع الجزائر، لا سيما مع التصعيد اللفظي، الذي نتمنى أن يتوقف، وكذا من خلال تحليل الشأن الداخلي الجزائري وفق أحكام مسبقة”.
وحول معلومات مفادها إنجاز من قبل الجزائر لقاعدة عسكرية، كرد فعل على المغرب، الذي يتطلع لتشييد قاعدة عسكرية بالقرب من الحدود التي تربط البلدين، أوضح الرئيس الجزائري أنه “لا يمكنه تأكيد أو نفي هذه الأخبار”، موضحاً أن “الحكمة كانت دائماً لها الكلمة العليا بين البلدين”.
وأعرب رئيس الجزائر عن تمنيه للمغرب “كل التنمية والازدهار، وليس لدينا أي مشكل لا مع المغرب ولا مع دولته ولا مع الملك المغربي”، مبدياً ترحيبه بـ”أي مبادرة تمكن من غلق وطي هذا الإشكال”.