الرهان على قشة الحكومة لإنقاذ لبنان وشعبه من الغرق
} علي بدر الدين
يبدو أنّ جسّ نبض إسقاط الحكومة استقالة طوعية أو إقالة تحت ضغط الشارع لم يؤت ثماره في الحالتين، وقد توارى الضجيج الإعلامي وانكفأ حراك عرابه وتجمّدت الاجتماعات عند نقطة المواجهة والرافضة من الحكومة ورئيسها وحلفائها لمجرّد البحث في موضوع الاستقالة تحت أيّ ضغط ومهما كانت التبريرات والضرورات، لأنّ الاستقالة في هذه المرحلة الصعبة والمفصلية التي يمرّ فيها لبنان ليست في وقتها وتؤدّي إلى إدخال البلد في الفراغ والمجهول، ولأنّ من يسعى إلى هذه الاستقالة ليس لديه البديل ولا البرنامج ولا الحلول وقد جرّب أكثر من مرة والنتيجة واضحة للعيان وتتمثل بالانهيارات المتتالية على الصعد الاقتصادية والمالية والاجتماعية والمعيشية، وتراكم الديون على لبنان، وتفشي الفقر والجوع والبطالة بين اللبنانيين وخاصة الفقراء وأصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة الذين أيضاً خسروا مدّخراتهم وودائعهم بعد أن سطت عليها المصارف بالتواطؤ مع بعض من السلطة وحيتان المال، إضافة إلى هبوط القيمة الشرائية للعملة الوطنية الى أدنى مستوياتها وانخفاض دخل المواطن في لبنان واحتلاله المركز الأخير بعد الصومال في ترتيب مداخيل الفرد في العالم.
وحتى لا يخرج اللاعبون الساعون الى إحراج الحكومة وإخراجها من الحلبة الحكومية، كمن يخرج من المولد بلا حمص، يجهدون لانتزاع الموافقة من الجهات السياسية المعنية بالملف الحكومي على تغيير أو تبديل ولو محدود لبعض الوزراء والحقائب علهم يحفظون ماء وجوههم أفضل لهم من لا شيء، وساعد على إفشال مسعاهم وخطتهم السقف العالي من الشروط التي قدّمها الرئيس سعد الحريري لقبوله العودة إلى رئاسة الحكومة، مع أنّ هذا الخيار لم يكن مطروحاً ولا مقبولاً من حراك الشارع ولا من بعض الأفرقاء السياسيين من الموالين والمعارضين.
إنّ الشعب ضاق ذرعاً وذاق المرارة وطعم الذلّ ويعيش الفقر والجوع والبطالة من سياسات الحكومات المتعاقبة، ومن الطبقة السياسية التي انتهجت سياسة الفساد والمحاصصة وعقد الصفقات ومصادرة ثروات الدولة وحقوق الشعب، وفقد الثقة بكلّ من أفقره وجوعه ويتلذذ بمعاناته وبأسه ويأسه، كما فقدها مع حكومة «مواجهة التحديات» التي لتاريخه لم تلتزم بوعد أو بتنفيذ مشروع إنقاذي ولم تتبنّ القرارات الجريئة المطلوب اتخاذها اليوم قبل الغد رغم الوعود بالإصلاح والتغيير وكشف الفاسدين ومحاسبتهم وتشليحهم ما نهبوه من مال عام وخاص.
وقد آن الأوان ليتخذ الرئيس دياب القرار الصعب في هذا الزمن الصعب والخروج من صمته المحيّر ومن تردّده، وعليه وضع النقاط على الحروف لأنّ الوقت ليس في صالحه داخلياً وخارجياً، ولأنّ الضغوط الآتية ستكون قاسية، وقد تشلّ البلد نهائياً، وعندها سيفلت الملقّ وتضيع الطاسة ويتداخل الحابل بالنابل وتعمّ الفوضى وتفقد الحكومة السيطرة على القرار، وقد يسقط البلد ولا وقت للانتظار الذي طال وستكون مفاعيله وتداعياته خطيرة جداً.
ورغم أنّ الحكومة لم تحقق أيّ إنجاز عليه العين كما يُقال، ولم تستطع وقف التدهور والانهيار ومنع اقتحام الجوع والفقر المدقع لما يقارب نصف سكان لبنان، فإنّ الشعب اللبناني لا يزال يأمل ولو بمقدار خيط رفيع بأنّ هذه الحكومة ستفعل شيئاً إيجابياً اليوم قبل الغد لأنها مُصرّة على البقاء وعدم الاستقالة ورئيسها يتحدث ويعد ويصمّم على فعل أيّ شيء بثقة القادر والقوي، ويحاول إقناع شعبه باستمرار الرهان عليه وحكومته وعدم اليأس والإحباط، مع أنّ هذا الشعب الغارق في الفقر والهموم والأزمات سمع مثل هذه الوعود وهذا الكلام الجميل ولكنه لم ير سوى الفساد والنهب والسمسرات والمشاريع الوهمية على مدى ٣٠ سنة من تسلط واستبداد الطبقة السياسية وحكوماتها المتعاقبة والتي رمته في أحضان الجوع والحاجة والذلّ. وكيف له أن يصدّق أنّ الحلّ يقترب وأنّ الإصلاح على الطريق وأنّ الفقر سيتقهقر وأنّ الذين سرقوا ثروات الوطن والشعب سيحاسَبون وسيدخلون السجون وسيعيدون الأموال المنهوبة والمهرّبة الى خزينة الدولة والحقوق الى اللبنانيين، ومنها حقوقهم الضائعة بين ثلاثي المصارف ومصرف لبنان والسلطة.
إنّ هذا الشعب المظلوم أو معظمه هو الذي ظلم نفسه بخياراته السياسية والانتخابية ولم يتعظ من فعلته بإصراره على إعادة انتاج الطبقة السياسية ذاتها، وقد يفعلها ثانية ويكرّر خطأه بعد ان لقحته هذه الطبقة وفي بيئاتها الحاضنة بلقاح الغرائز الطائفية والمذهبية والزعائمية فأعمت بصره وبصيرته وقادته كالغنم الى الوتد المنصوب له. هذا الشعب اليوم فقد كلّ الخيارات التي كانت متاحة له، ولم يبق أمامه سوى خيار الرهان على هذه الحكومة ووعود رئيسها التي لو سلكت طريق التنفيذ منذ البداية لغيّرت مجرى الأحداث ونقلت لبنان الى ضفة الأمان والاستقرار ولو بالحدّ الأدنى.
انّ اللبنانيين يغرقون وليس لديهم ما يخسرونه ولا يخافون من البلل والحكومة هي القشة المتوفرة المتبقية للإنقاذ ويحاولون غصباً عنهم التمسك بها والرهان عليها مع انعدام أو ضعف الأمل بقدرتها على الانقاذ وقد تنجح لأنّ الله يضع قوّته في أضعف خلقه…