خلال الأسبوعين الماضيين شغل المستوى الفاقع لتدخلات السفيرة الأميركية رقماً قياسياً بالنسبة لأسلافها وبالتأكيد قياساً بتدخلات سائر السفراء الذين يتصرّفون في لبنان كقناصل في حكم زمن المتصرفية وفي المقدمة سفراء منهم لم يزوروا بعد رئيس الحكومة والخارجية مرة واحدة وحوّلوا سفاراتهم غرف عمليات لإدارة المعارضة للحكومة.
تناول الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله تدخلات السفيرة الأميركية وعرض منها نماذج تحدّى نفيها كالضغط لتجديد تعيين محمد بعاصيري نائباً لحاكم المصرف المركزي أو تعيينه رئيساً للجنة الرقابة على المصارف أو جمع قيادات سياسية لدعوتها لبدء حملة لإطاحة الحكومة الحالية لأن رئيسها لا ينفّذ توجيهات السفيرة. وخص السيد نصرالله القاضي محمد مازح بالتفاتة تنويه وتحية، كما دعا مجلس القضاء الأعلى للتراجع عن إحالته للتفتيش مطالباً برفض استقالته.
الأكيد أن التعامل الحكومي والقضائي مع قضية القاضي مازح هو نموذج عن كيف يكون الدلال الرسميّ سبباً للمزيد من استهتار السفيرة بالمعاهدات والمواثيق والتزام حدود السيادة، كما كانت حملة التشهير بقرار القاضي مازح بذريعة الحديث عن حرية الإعلام نموذجاً آخر عن مساعي تبييض الوجوه وإثبات الولاء للسفيرة بالاختباء وراء أكذوبة الدفاع عن حرية الإعلام.
لا توجد دولة مستباحة بل دولة تسلّم نفسها، ولا سفيرة متمادية بل دولة لا تعرف كيف تحمي سيادتها، وعندما يكفّ المسؤولون عن التسابق على كسب رضا السفراء وعدم إغضابهم، ويضعون هيبة الدولة في المقام الأول. وعندما يفعل الإعلاميون ومؤسساتهم الشيء نفسه تصير لنا سيادة ويلتزم السفراء.