تركيا تخسر في ليبيا أيضاً

هدى رزق

هل تتكرّر خسارة تركيا في ليبيا بعد الخسارة المدوية في مصر؟ قامت تركيا بتطوير علاقاتها بدول شمال أفريقيا قبل الربيع العربي، على مستوى التّبادل التجاري والتعاون الاقتصادي. انفتحت على ليبيا في زمن القذافي ووصل مستوى التّبادل التجاري بينهما عام 2010 إلى 9,8 مليار دولار. وبعد الثورة الليبية نالت الشركات التركية حتى عام 2013 استثمارات بقيمة 100 مليار دولار، ومنذ عام 2010 دخل 160 مشروعاً استثماريّاً تركيّاً حيز التنفيذ في ليبيا.

لم ترُق الحملة السّياسية والإعلامية ضدّ نظام القذافي في بداية الأزمة الليبية لحكومة حزب العدالة والتنمية، واستنكر رئيس الوزراء حينها، رجب طيب أردوغان، خطط تدخل حلف شمال الأطلسي في ليبيا، لكنه وبسرعة قياسية صار من المؤيدين لتدخل الناتو الذي تعتبر تركيا جزءاً منه. سرعان ما احتضن المعارضة «الإسلامية»، وتمّ إجلاء مئات الجرحى إلى تركيا لتلقي العلاج، واستقبلت الإدارة الانتقالية الليبية برئاسة مصطفى عبد الجليل في أنقرة، حيث وقعت الحكومة الليبية، فيما بعد، بشخص رئيس وزرائها علي زيدان اتفاقية تعاون استراتيجي تضمنت تسهيل استثمار الشركات التركية في ليبيا للتنقيب عن النفط، كما اتفقت الدولتان على زيادة التعاون في المشاريع العسكرية، على أن يكون لتركيا مساهمة في صناعة الدفاع في ليبيا وتزويد الثوار بالمعدات الحديثة والمتطورة وبزوارق خفر السواحل، وتدريب الأفراد من الثوار الملتحقين بالجيش الليبي والشرطة، في دورات تأهيلية سريعة، بحيث تكون المنطقة الشرقية نموذجاً يطبق على كلّ المدن الليبية. واتفقت الحكومتان أيضاً على تعزيز التعاون بين المصرفين المركزيين وتيسير الشؤون المصرفية، لكنّ غرق ليبيا في الصراعات القبلية والعسكرية المدعومة من الدول الإقليمية، جعلها بؤرة لصراعات مستمرة.

انغمست كلّ من تركيا وقطر في هذه الصراعات، دفاعاً عن الحكومة المدعومة منهما، لا سيما أنّ لهما علاقات وثيقة، تاريخياً، بـ«الإخوان» وبمجموعة من الإسلاميين في أنحاء البلاد وبـ»المؤتمر الوطني العام» السابق في طرابلس، كما أنّ بعض المراقبين يتهمونهما بدعم تنظيم «أنصار الشريعة» المنتشر في المناطق الليبية.

لم تَفُز جماعة الإخوان بأغلبية المقاعد في البرلمان في انتخابات 25 حزيران، واعترضت الحكومة الانتقالية التي شُكلت في طرابلس عام 2011 والتي يهيمن عليها الإسلاميون والعناصر المؤيدة لـ«الشريعة»، على نتائج الانتخابات، وكانت نسبة المشاركة منخفضة 25 في المئة وبعد أن ألغي عدد كبير من الأصوات، بتهمة الاحتيال، انخفضت النسبة إلى 15 في المئة.

تشكل البرلمان في طبرق بعد هذه الانتخابات من العلمانيينن إلى حدّ كبير، فرفضه البرلمان السابق في طرابلس واعتبره غير شرعي، فانزلقت ليبيا إلى دورة من العنف بين الجماعات الإسلامية المدعومة قطرياً وتركياً وجيش حفتر المدعوم من برلمان طبرق والسعودية ومصر والإمارات. وقد برهنت التحدّيات الأمنية المتصاعدة في البلاد أنّ ما من كيان سياسي يمكنه الإمساك بزمام السلطة في البلاد بمفرده، بما في ذلك الإسلاميون المرتبطون بجماعة «الإخوان».

تحكم ليبيا اليوم بواسطة برلمانين وحكومتين من عاصمتين هما طبرق وطرابلس، بحيث تدعم تركيا الحكومة الموازية بقيادة عمر الحاسي المحسوب على جماعة الإخوان المسلمين، وهي لم تعترف ببرلمان طبرق الذي نال اعتراف مجلس الأمن والولايات المتحدة، لذلك اعتبرت وزارة الخارجية الليبية تصاريح أردوغان، في هذا الشأن، تدخلاً في شؤونها الداخلية واستدعت سفيرها من أنقرة، كما تمّ إجلاء بعض العمال الأتراك في أيلول الماضي.

ازدادت العلاقات توتراً بين حكومة طبرق وتركيا التي دعت مواطنيها في ليبيا إلى مغادرتها، كما أثر إنذار الحكومة لتركيا بإغلاق سفارتها في ليبيا في تموز الماضي على رجال الأعمال الأتراك تأثيراً بالغاً.

دعت الأمم المتحدة إلى عقد حوار ليبي ليبي للخروج من الأزمة الحالية، ودعت تركيا على الأثر إلى وقف إطلاق النار في ليبيا من أجل دفع مسار الحوار بين الحكومتين المتنازعتين، وذلك من أجل الوصول إلى حلّ للأزمة، لكنّ تجدّد المعارك بين الإسلاميين واللواء حفتر، المدعوم إقليمياً، أدى إلى إصدار المحكمة العليا في ليبيا حكماً قضى بحلّ البرلمان، لكنّ القوى الدولية الغربية أعلنت أنها ستعكف على دراسة حكم المحكمة العليا وهي أعلى محكمة في البلاد، واعتبرت تركيا أنّ التردّد الأميركي الأوروبي حيال تدخل مصر المباشر لدعم قوات حفتر هو تواطؤ مقنَّع، وهو عبارة ضوء أخضر أميركي للسيسي لتعظيم نفوذه في ليبيا، في مقابل القضاء على «الجماعات الإرهابية» في الشرق الليبي. ومع تلقي تركيا تهديدات جديدة، أنذرت رعاياها الموجودين في ليبيا بضرورة مغادرتها، بسبب الاشتباكات والغارات الجوية ما لم تكن هناك حاجة ملحة لبقائهم فيها، وكانت قد نقلت، في وقت سابق، موظفي قنصليتها في بنغازي إلى العاصمة الليبية طرابلس، لأسباب أمنية. وكان اللواء حفتر قد أنذر القطريين والأتراك بمغادرة المنطقة الممتدة من بلدة مساعد على الحدود مع مصر إلى مدينة سرت في وسط ليبيا.

تعتبر تركيا الدولة الثانية من حيث العقود بعد الصين في عام 2014، بمشاريع بلغت قيمتها 28 مليار دولار، وقد نفذت شركاتها مشاريع في ليبيا أسهمت في تنمية الاقتصاد التركي، لكنّ دعم أنقرة مجموعة مصراتة جماعة الإخوان المسلمين وبرلمان طرابلس، خلافاً للبلدان العربية والغربية الرئيسية والأمم المتحدة، التي أقرت ببرلمان طبرق، تسبب في استياء شديد ضدّ تركيا والأتراك، ومع ذلك، لا تزال تراهن على «الإخوان المسلمين» كما فعلت في مصر.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى