حدود سايكس بيكو
في كل مرة يجري فيها الحديث عن الحدود التي قسّمت المنطقة إلى كيانات وجزأت قدراتها يهب البعض وكأن المطروح اليوم هو التخلي عن وجود دول مستقلة ذات سيادة صارت بنظر مواطنيها دولهم الوطنيّة يحمونها ويتمسّكون بهويتها، لكنهم منقسمون حول نوعية العلاقات الواجبة إقامتها عبر الحدود مع الكيانات التي تشكل عمقاً وامتداداً طبيعياً كالحال بين لبنان وسورية وسورية والعراق والأردن وليس صحيحاً أن الأمر شكليّ وثانويّ بل هو أصل القضية.
الغرب عموماً والأميركي خصوصاً لا تهمه دولنا المستقلة ولا سيادتها وهناك كل يوم ألف دليل ودليل وحتى الحدود عندما تكون عبئا أمام مشروعه لا يمانع باقتلاعها كما تقول تجربة تنظيم داعش الإرهابي الذي ترعرع في حضن الإدارة الأميركيّة كما قال الرئيس دونالد ترامب مراراً متهماً سلفه باراك أوباما بتصنيعه، لكن عندما تريد هذه الدول المستقلة إقامة علاقات التعاون لمصالحها المشتركة يستنفر الأميركي أصحاب العصبيات المريضة ليفتحوا النار بداعي الحرص على السيادة.
الحدود الحديدية تعني بنظر الأميركي وجماعاته حصر التبادل التجاري وعبور السلع والأفراد خاضعاً لسلسلة قيود تخفض التفاعل إلى أدنى الحدود، وتصوير الحدود سبباً للمشاكل بالاتجاهين، والإضاءة عليها بقوة وصولاً للسعي إلى تدويلها وتسويرها وإذا أمكن تحويلها إلى سجون على طرفيها. والحدود الأخوية هي الحدود التي تتعاون عبرها القوى الأمنية بحفظ القانون، وتقدّم أعلى التسهيلات لعبور الأفراد ونقل البضائع وصولاً لتشكل كيان اقتصادي تكاملي بين دول المدى الحيوي الإقليمي، كما فعلت أوروبا من دون أن تخسر دولها استقلالها ولا تمسّ سيادتها، وعالجت من خلال الحدود الأخوية مشاكل العمالة والتهريب والنزوح من دون ضجيج وعدائية وبث الكراهية، والمبالغة بتصوير حجم المشكلة.
ليست الخيارات المطروحة اليوم بين دمج الكيانات الوطنية عبر الحدود أو الحفاظ على استقلالها، ولو أن مثل هذا النقاش جدير بأن ينال حقه بالسؤال عما جلبته الكيانات المقسّمة لمواطنيها ولقضاياهم المشتركة، فالمطروح عملياً هو ماهية علاقات عبر الحدود بين هذه الكيانات، ومصلحة لبنان واضحة ولا لبس فيها، حدود أخويّة مرنة تنساب عبرها حركة الأفراد والبضائع، وتتكامل من خلالها المقدرات والأسواق، وأبشع النظريات العنصرية هي التي تجلب للناس الأذى بادعاء الحرص عليهم عبر بث الخوف والكراهية.